ما يدري بعض الناس كيف ينطق لفظة ( وسط ) : أيقول وَسَط الشيء بالتحريك أم يقول وَسْط الشيء ( بإسكان السين ) ؟. أما ما تقيّده بشأنها كتب اللغة فهو أن الوَسَط بالتحريك اسم لما بين طرفي الشيء وهو منه ، كقولك : قبضت وَسَط الحبل ، وكسرت وَسَط الرمح ، وجلست وَسَط الدار . ولما كان وَسَط الشيء عندهم أفضله وأعدله جاز أن يقع صفة وذلك في مثل قوله تعالى : وكذلك جعلناكم أمة وَسَطا أي عدلا ، فهذا تفسير الوَسَط وأنّه اسم لما بين طرفي الشيء وهو منه . وأما الوَسْط ( بسكون السين ) فهو ظرف لا اسم ، جاء على وزن نظيره في المعنى وهو بَيْن ، تقول : جلست وَسْط القوم أي بينهم ، و وَسْط مثل بين أيضاً في أنها لا تكون بعضاً لما يضاف إليها بخلاف الوَسَط الذي هو بعض ما يضاف إليه ، فعندما تقول : وَسَط الدار (بالتحريك) أي جزء منها ، لكن عندما تقول : وَسْط القوم (بالتسكين) أي بينهم ، وعلى ذلك قولهم : وَسَطُ رأسه صُلْب ؛ لأنّ وَسَط الرأس بعضها ، وتقول : وَسْط رأسه دهن ، وليس هو بعض الرأس ، وبذا يظهر الفرق بينهما من جهة المعنى ومن جهة اللفظ، وما مخالفة هذا الحكم فيهما إلا من باب الاتساع والخروج عن الأصل . ومما قالوه في الفرق بين اللفظتين أن الوَسْط مثل الحلقة من الناس والسبحة والعقد ، والوَسَط مثل وَسَط الدار والراحة والبقعة .وشبيه بما سبق في التباس المعنى والاستخدام قول بعض المحدثين وساطة و واسطة بغير دقة أو مراعاة لأصل المعنى ، يقولون مثلاً : سافرنا بواسطة السيارة ... ولم تعرف العرب الواسطة بمثل هذا الاستخدام ، إنما الوَاسِطة من القِلادة هي الجوهرة الفاخرة التي تجعل وَسَطِها ، أو الجوهرة التي تكون في وَسَط العِقْد المنظوم ، أما في المثالين السابقين فتعني الوسيلة أو الأداة ، وعلى هذا المعنى يمكن القول : سافرنا بالسيارة من غير إقحام لفظة الواسطة على العبارة أصلا . أما إذا أردت للمعنى أن يدل على التوسّط من الناس فهو من الوَسَاطة لا من الواسطة .ولا يخفى على المتأمل المتتبع كيف استطاعت العربية بالتطور أن تمنح لأصل هذا المعنى قيماً مكانية مغايرة لما ألفناه في القديم ترمي بمدلولها الحالي إلى نوع من التحديد ( أو التخصيص الطبقي أو المهني ) أو بيان المكانة والمرتبة الاجتماعية إذ يقال : فلان يتتبع أخبار الوسط الفني ، أو تتردد في الوسط الصحفي أخبار جديدة عن محاسبة المقصرين ، كما يقال : الأوساط الدبلوماسية ، والأوساط العلمية والاجتماعية التي تعني بالنسبة لبعض الناس نوعاً من الفخر والاعتزاز ، على حين كان فخر العربي قديماً في البحث عن الأقاصي في كل شيء ، دون الوَسَط ، كقول أبي فراس الحمداني :ونَـحْـنُ أُنـاسٌ لا تَـوَسُّـطَ بَيننالَـنا الصَّـدْرُ دُونَ العَـالَـمِينَ أو القَـبْـرُ. د.أحمد بن عبدالرحمن بالخير استاذ الدراسات اللغوية بكلية العلوم التطبيقية بصلالة
[email protected]