تعد رسالة التعليم من بين أهم الرسائل الموجهة نحو خدمة البشرية وخدمة المجتمعات، وتكتسب أهميتها من حيث إنها الأساس الذي تنهض به الأمم وتتقدم، ومن حيث إنها الرسالة القادرة على صياغة السلوك البشري وتعديله، وإعادة تنمية المجتمع وتوجيهه إلى الغايات والأهداف المنشودة.وفي ظل التفاعلات الدولية والانفتاح الكبير الذي تشهده دول العالم على بعضها بعضًا، وفي ظل ما سمي بالعولمة والثورة المعلوماتية، أخذ الكثير من القيم والمبادئ والثقافات تعبر الحدود، حيث أضحت القيم المنبثقة من حقوق الإنسان كالعدالة والمساواة والحرية والمواطنة من أهم الحقوق التي واكبت التفاعلات الدولية والمتغيرات على الساحة السياسية، ومن هنا كانت الحاجة إلى تعميق مفهوم قيم المواطنة وتعزيز الشعور بالانتماء إلى الوطن والاعتزاز به والاعتزاز بالهوية والتمسك بهما، وصونهما، والدفاع عنهما، وأهمية التفنيد بين الغث والسمين وبين النافع والضار، والأخذ بكل ما لا يمس ثوابت الوطن والهوية.وأمام هذا المتغير في ظل الانفتاح الضروري والإجباري في الوقت ذاته، ليس هناك من سبيل لمواجهة تحديات هذا المتغير، والحفاظ على قيم المواطنة والهوية، وتعزيز روح الانتماء، من وجود رسالة تربوية تعليمية تحمل رؤية واضحة، وأهدافًا سليمة، وغايات سامية، ومنهجًا يمتاز بالقدرة على الموازنة بين الحفاظ على القيم والعادات والتقاليد والهوية والتراث والاستفادة من الدخيل من الأفكار والقيم والعادات والتقاليد، بأخذ النافع وترك غير النافع، بحيث تكون رسالة التعليم وفلسفته ورؤيته قادرة على استيعاب التحولات الحضارية، وامتصاص النزعة لدى بعض القوى نحو ما يمكن تسميته بالغزو الثقافي، الذي تهدف من ورائه إلى إحداث تغيير داخل المجتمعات بما يؤدي إلى خلخلة فكرية وقيمية من خلال بث مزيج من السلوكيات والعادات، ومحاولة إثارة الإعجاب بها، وبالتالي الإعجاب بمصدرها.صحيح أن مصطلح المواطنة العالمية وكما تعرفه منظمة "اليونسكو" هو شعور بالانتماء إلى مجتمع أوسع يتخطى الحدود الوطنية، شعور يُبرز القاسم المشترك بين البشر ويتغذى من أوجه الترابط بين المستويين المحلي والعالمي والمستويين الوطني والدولي. إلا أن ذلك لا يعني الانسلاخ عن قيم الوطن وهويته وعاداته وتقاليده وتاريخه ومبادئه، بل يجب الحفاظ على ذلك، والتمسك بقيم الحوار والتسامح وقبول الآخر التي تقود إلى تعزيز المواطنة العالمية.وفي هذا الإطار تأتي الندوة الإقليمية حول إدماج التربية على المواطنة والقيم العالمية المشتركة في برامج إعداد المعلمين في دول الوطن العربي تحت عنوان "الرؤى والتوجهات" والتي تنظمها اللجنة الوطنية العُمانية للتربية والثقافة والعلوم بالتعاون مع كلية التربية بجامعة السلطان قابوس ومكتب اليونسكو الإقليمي للتربية ببيروت، والتي تهدف إلى تعريف المشاركين بمفاهيم التربية على المواطنة والقيم العالمية المشتركة ومجالاتها وأهدافها، وتعميق أهمية التربية من أجل المواطنة العالمية في برامج إعداد المعلمين، وإطلاق المنصة الإلكترونية العربية حول التربية على المواطنة والقيم العالمية المشتركة، وتيسير الحوار وتبادل الأفكار حول قضية التربيةعلى المواطنة العالمية بين القائمين على برامج إعداد المعلمين، ووضع خطة عمل مشتركة قابلة للتطبيق لتضمين التربية على المواطنة العالمية في برامج إعداد المعلمين.واختيار المعلمين في هذا الجانب له دلالاته؛ لأنه الأساس الذي تتحقق عبره القيم المنشودة، فهو من لديه القدرة على الغرس والزرع في أنفس الناشئة والطلبة، وهو الموجه والمرشد والملقن والقدوة. ودون شك أن المعلم يتعزز دوره اليوم أكثر مما مضى بالنظر إلى ما تعانيه بعض الدول العربية من أزمات متعددة، كأزمة الهوية، وأزمة المواطنة، لأسباب بعضها سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي، حيث أخذت تندثر قيم بقاء المجتمعات وترابطها وتماسكها، فقيم التسامح والحوار واحترام الثقافات والمعتقدات وغيرها من المشتركات الإنسانية غابت في الكثير من المجتمعات العربية، وما يجب أن تعمل عليه رسالة التعليم ومناهجه هو نشر هذه القيم بدلًا من طمسها وتغييبها.