إعداد ـ مبارك بن عبدالله العامري:
لقد أكرم الله سبحانه وتعالى الإنسان في هذه الدنيا بالعديد من الكرامات التي لا تعد ولا تحصى ومن هذه الكرامات العمل الصالح قال سبحانه وتعالى:(مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (النحل ـ 97)، وقال تعالى:(وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقًا قَالُوا هَـٰذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (البقرة ـ ٢٥).
ومن توفيق الله سبحانه وتعالى لعبده يكرمه بالأعمال الصالحة التي يتقرب بها إلى الله سبحانه وتعالى ففي الحديث القدسي:(وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبَّه، فإذا أحببته كنت سمعَه الذي يسمع به، وبصرَه الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه).
العمل الصالح حياة سعيدة في دنيا موقوتة وحياة عظيمة ما بعدها حياة وفرحة عظيمة لاحدّ لها، قال تعالى:(من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة)، وهذا الوعد من رب الأرض والسماوات في يوم القيامة للمتقين في الدار الخالدة والدائمة لحياة الآخرة (ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يفعلون)
التَّقَرُّبِ إِلَى اللهِ حَقٌّ لِكُلِّ مسلم مِنَّا لَيْسَتْ حِكْرًا على شخص معين أو فِئَةٍ دُونَ أُخْرَى، أَوْ مُجْتَمَعٍ دُونَ آخَرَ أو من يملك الثروات بل هي نَعَمْة لِمَنْ سابق وسارع لِنَيْلِ مَا عِنْدَ الْكَرِيمِ سُبْحَانَهُ وتعالى و تقرب إلى ربه في لحظات من حياته وغير من حاله إلى الأفضل في طاعة الله وما دمت في دار العمل اجتهد وأسعى واحجز لك مكاناً عاليا في جنان الخلد بإذن الله تعالى وكن من أولياء الله الذين يحبهم الله ويرضى عنهم قال تعالى:(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ) (البروج ـ ١١).
إنّ العمل الصالح هو الذي يبقى في سجل الإنسان في الدنيا والآخرة ولا يبقى للمسلم شيء يستفيد منه في آخرته سوى العمل الصالح قال سبحانه وتعالى:(وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى) (النَّجم ـ 39)، وقال عزوجل:(كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ) (المدَّثر ـ 38)، وقال سبحانه وتعالى كذلك:(يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الإِنْسَانُ مَا سَعَى) (النَّازعات ـ 35).
أيها المسلم: وأنت في دار العمل والسعي والبناء للحياة الحقيقية لا تتكاسل شمرعن ساعدك وأعد العدة لذلك اليوم العظيم قال عز من قائل:(وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِين، الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَالله يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (آل عمران 133 ـ 134).
وقد ذكر الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز المؤمنين جزاء أعمالهم عما قدموه في الدنيا من أعمال صالحة وعما سعوا إليه إلى الدار الآخرة فقال سبحانه:(إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا) (الإسراء ـ 9)، وفي آية أخرى:(وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا، مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا) (الكهف 2 ـ 3).
والعمل الصالح سوف يبقى دائما وابدا أجره متواصل ولا ينقطع أبداً (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) (فصلت ـ 8)، والعمل الصالح خير ما في هذه الدنيا الحقيرة ، قال النبي (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ):(لَأَنْ أَقُولَ سُبْحَانَ اللهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ)، وقال (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ):(رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا) (رواه مسلم).
ومن محبة الله سبحانه وتعالى لأهل الأعمال الصالحة جعل أعمالهم تكفيرا لسيئاتهم عما اقترفوه من الذنوب والمعاصي وتكون نفعا لهم وكذلك اكتساب الأجور والحسنات وقد ورد الكثير من الأعمال الصالحة تكون كفرات من الذنوب كما يتبين أثر الوضوء على الأعضاء وكذلك الصلوات والصوم، وقال النبي (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ):(الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ) (رواه مسلم).
ويحاسب صاحب العمل الصالح بأفضل عمله (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (النحل ـ 97)، وجمع الله تعالى بين تكفيره لسيئاتهم، ومجازاتهم بحسناتهم في قوله تعالى:(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ) (العنكبوت ـ 7)، ومن محيت ذنوبه ومعاصيه وسيئاته بأعماله الصالحة وحسناته كان في الآخرة الجنة مأواه، والآيات توضح ذلك ما أعد للمؤمنين بالجنة على أعمالهم الصالحة (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ) (البقرة ـ 25)، وفي آية أخرى:(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (البقرة ـ 82)، وينال الجزاء الأوفى أصحاب الأعمال الصالحة ولا تكون في حياتهم خوف أو حزن لأن أهل الإيمان والسباقون إلى الأعمال الصالحة حياتهم دائما في أمن وأمان وقد جاء في القرآن آيات كثيرة منها:(فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) (الأنعام ـ 48)، وفي آية أخرى:(فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) (الأعراف ـ 35)، ويقال لهم يوم القيامة (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ) (الأعراف ـ 49) ويخاطبهم الله تعالى بقوله:(يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ، الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ) (الزخرف 68 ـ 69).
والمسلمون عندما يغادرون من هذه الدنيا الفانية ينفعهم العمل الصالح ويكونون عند الموت عند انتزاع الروح في يسر وسهولة وبما سوف تستقبلهم من الكرامات التي أعدها الله لهم كما في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ ـ رضي الله عنه ـ عَنِ النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ:(الْمَيِّتُ تَحْضُرُهُ الْمَلَائِكَةُ، فَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ صَالِحًا، قَالُوا: اخْرُجِي أَيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ كَانَتْ فِي الْجَسَدِ الطَّيِّبِ، اخْرُجِي حَمِيدَةً، وَأَبْشِرِي بِرَوْحٍ وَرَيْحَانٍ، وَرَبٍّ غَيْرِ غَضْبَانَ، فَلَا يَزَالُ يُقَالُ لَهَا ذَلِكَ حَتَّى تَخْرُجَ) عكس على الذي مصر على الكبائر والمحرمات في الدنيا وكان عمله سيئا كما في الحديث نفسه:(وَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ السُّوءُ، قَالَ: اخْرُجِي أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْخَبِيثَةُ، كَانَتْ فِي الْجَسَدِ الْخَبِيثِ، اخْرُجِي ذَمِيمَةً، وَأَبْشِرِي بِحَمِيمٍ، وَغَسَّاقٍ، وَآخَرَ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ، فَلَا يَزَالُ يُقَالُ لَهَا ذَلِكَ حَتَّى تَخْرُجَ) (رواه ابن ماجه)، ويرافق العمل الصالح صاحبه وفي قبره عن أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ:(إِذَا وُضِعَتِ الجِنَازَةُ وَاحْتَمَلَهَا الرِّجَالُ عَلَى أَعْنَاقِهِمْ، فَإِنْ كَانَتْ صَالِحَةً، قَالَتْ: قَدِّمُونِي، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ صَالِحَةٍ، قَالَتْ: يَا وَيْلَهَا أَيْنَ يَذْهَبُونَ بِهَا؟ يَسْمَعُ صَوْتَهَا كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا الإِنْسَانَ، وَلَوْ سَمِعَهُ صَعِقَ) (رواه البخاري).
على المؤمن أن يتفكر في هذه الموافق الشديدة والعظيمة التي لا ينجو مها الإنسان المسلم إلا بعفو الله ورحمته وبالإيمان والعمل الصالح عند سكرات الموت وعند حمل جنازته وفي قبره وعند مستقرة الأخير إلى يوم القيامة فإما أن يكون في هم وحزن وتحسر وعذاب عظيم وإما إن يكون في سعادة وهناء وفرح عظيم قال تعالى:(وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ، وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُون) (الأنعام 48 ـ 49).