- الهدف من اجراء الفحص الجيني قبل الزواج المحافظة على النسل وعدم اصابة الذرية بأمراض وراثية

قراءة ـ علي بن صالح السليمي:
جاءت ندوة تطور العلوم الفقهية في عُمان من خلال عنوانها:(فقه العصر .. مناهج التجديد الديني والفقهي) والتي عقدت خلال الفترة من 15 إلى 18 جمادى الأولى 1436هـ، الموافق 5 إلى 8 ابريل 2015م في نسختها الحادية عشرة من قبل وزارة الأوقاف والشؤون الدينية بتوجيهات سامية من حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه.
ومن ضمن ما قدم خلال الندوة من بحوث وأوراق عمل كانت لنا هذه القراءة في بحث بعنوان:(الكشف الطبي لراغبي الزواج .. معناه، مشروعيته، آثاره( للدكتور سلطان بن محمد بن زهران الحراصي.
يقول الباحث حول المطلب الأول وهو: الفحص الطبي الجيني الوراثي: إن الهدف من اجراء الفحص الجيني قبل الزواج هو المحافظة على النسل، وذلك بعدم اصابة الذرية بأمراض وراثية، قد تؤثر سلبياً في حياتهم العملية، فقد يصاب أو يحمل الذكر والأنثى ـ المقبلين على الزواج ـ أو أحدهما صفة وراثية مرضية قد تؤثر مستقبلا ـ بنسبة معينة ـ في الذرية.، والأمراض الوراثية مجموعة غير متجانسة من الأمراض المزمنة ذات الأعراض الصحية المستعصية على العلاج الناجح، يتم توارثها من الوالدين الى الأبناء والبنات عن طريق تناسل المادة الوراثية (الحقيبة الوراثية) وتمثل طيفا عريضا من الأمراض يكون في احدى طرفيها اعتلال المادة الوراثية بنسبة ضئيلة وفيها تكون العوامل المعدية النسبة الغالبة وفي الجانب الآخر تمثل الاعتلالات الوراثية الغالبية للأسباب المرضية، وتنشأ نتيجة طفرات في الحامض النووي، فتظهر نتيجة لذلك الأعراض، والأمراض الوراثية اما أن تكون متعلقة بالكروموسومات (الصبغيات) وتنتقل هذه الأمراض الى الأبناء اما بسبب علة وخلل في الموروثات المنقولة من الأجيال السابقة من جهة الأب أو الأم، وهذا الخلل إما أن يكون سائداً أو متنحياً، فالسائد الظاهر تصل نسبة انتقاله الى الأبناء الى 50%، وذلك اذا كان محمولا من جهة الأب أو الأم فقط، وأما المتنحي غير الظاهر لحامله، فإما أن يكون محمولاً من قبل الأب والأم لصفة سائدة معينة فان نسبة انتقالها الى الأبناء تصل الى 100%، وأما اذا كانت هذه الصفة سائدة في أحدهما ومتنحية في الآخر عندها تكون نسبة الاصابة بين الأبناء 50%، وإما بسبب بعض العوامل البيئية التي قد تؤثر في الموروثات كتعرض الانسان للإشعاعات الذرية، أو الأسلحة ذات الدمار الشامل أو الأسلحة الكيميائية أو التلوث البيئي .. الخ، والمرض الوراثي المتنحي لا ينتقل الا مع وجود زوج من الجينات المريضة، أي في حالة توارث الجين المعتل من كلا الأبوين، فتكون نسبة احتمال ظهور المرض في الذرية كالآتي: 25% مريض، 50% حامل، 25% سليم، وفي حالة توارث الجين المعتل من أحدهما فيكون كالآتي: 50% حامل، 50% سليم.
منوهاً بأنه توجد مجموعة من الأمراض الوراثية المتنحية التي لا يمكن اكتشافها الا بالفحص الجيني، اذ لا تظهر آثار هذا الجين المعتل على صاحبه ولا يعاني من مرض ظاهر، ولكن في حالة زواجه من امرأة تحمل الجين المعتل نفسه، فقد يظهر المرض في ربع الذرية، وهنا تظهر أهمية الفحص الجيني قبل الزواج، فما هو مفهوم الفحص الجيني؟، والفحص الجيني الوراثي هو الوسيلة التي يتم بواسطتها التعرف على حاملي المرض في حالة الصفات الوراثية المتنحية، وذلك بإجراء فحص ودراسة جيناتهم لمعرفة سماتهم الوراثية أو أنه: قراءة محتوى المادة الوراثية في الجين، للوقوف على مدى ما تحمله من تشوهات أو أمراض وراثية.
وقال: وبالجملة، فان الفحص الجيني هو مجرد قراءة لتركيب المادة الوراثية، ويكون لبعض الأمراض الوراثية المنتشرة في المجتمع، اذ يتعذر الفحص الجيني لجميع الأمراض الوراثية التي تحملها الجينات، والهدف هو التوصل الى معرفة حاملي الجينات المعتلة، من أجل الحفاظ على سلامة النسل.
أما المطلب الثاني فهو: الأمراض المؤثرة في الحياة الزوجية وتشمل الأمراض المؤثرة في الحياة الزوجية الأمراض المعدية والأمراض المؤذية، أما الأمراض المعدية فأثرها يكون عن طريق العدوى، وأما الأمراض المؤذية فأثرها السلبي يكون من خلال الاجتماع والمعاشرة، فالإنسان اجتماعي بفطرته مدني بطبعه، لا يستطيع الحياة بمفرده، فهو بحاجة ماسة الى غيره من بني البشر، كيف اذا كانت العلاقة علاقة زوجية وما فيها من الالتقاء والحميمية، وتهدف ـ في الأساس ـ الى بناء أسرة، وعليه فالأمراض المؤثرة على الحياة الزوجية نوعان، أولاً: الأمراض المعدية وهي التي تنتقل الى الآخر عن طريق التنفس كالسل الرئوي، أو عن طريق الفم كالتيفويد والكوليرا، والتهاب الكبدي الوبائي، أو عن طريق الزنا أو اللواط كالزهري والسيلان، أو عن طريق الملامسة كالجدري والجذام .. الخ، ومن الأمراض المعدية ما يلي: الجذام والطاعون: علة رديئة تنتشر في البدن، فيفسد مزاج الأعضاء وهيئتها وشكلها، حتى تتآكل وتسقط، وسببها بكتيريا عضوية تشبه ميكروب الدرن، وله صورتان: الجذام الأسدي، والجذام الدرني، وتحتاج العدوى في هذا المرض الى مخالطة طويلة غالباً، يقول ابن القيم:(وهذه العلة عند الأطباء من العلل المعدية المتوارثة، ومقارب المجذوم وصاحب السل يسقم برائحته)، والطاعون ورم ردئ قتال، يخرج معه تلهب شديد مؤلم جداً، ويحدث في الابط، وخلف الأذن، وقد يرشح دما وصديدا، ويحدث القيء والخفقان، والطاعون أنواع منها: الطاعون الغددي، وهو الذي ينتشر من الفئران الى الانسان عن طريق حشرات كالبراغيث، فينتقل الميكروب الى الغدد اللمفاوية، وتتضخم وتتورم الغدد وتنزف دما وتمتلئ صديدا، وترتفع درجة الحرارة ويشعر المصاب بصداع وارهاق شديد. والطاعون الرئوي، وهو خطير جدا، وتنتقل العدوى عن طريق البصاق، حيث تنتقل الميكروبات بواسطة التنفس من المريض الى السليم فتصيب الرئتين والقلب مباشرة، والايدز: تظهر أعراض هذا المرض في عدد من أجهزة الجسم، بسبب نقص المناعة الشديد نتيجة العدوى، وهو سريع الانتشار، وتنتقل العدوى اما بالاتصال الجنسي أو نقل الدم الملوث، أو استعمال الابر الملوثة أو الانتقال من الأم المصابة الى طفلها.
وبالجملة، فان الفحص الطبي من هذه الأمراض المعدية الوبائية يكون من باب الاحتياط، ولا يمكن أن يكون لكل الأمراض الوراثية أو المعدية، بل لا بد من تحديد أنواع معينة مشهورة تؤثر على الصحة العامة وتقتضي المصلحة اجراء الفحوصات عنها، ويتأكد ذلك مع وجود بعض العلامات الدالة على المرض ـ لا سمح الله ـ فيقبل الرجل والمرأة اللذان يرغبان في الزواج بإجراء هذه الفحوصات كالفحص من الأمراض التناسلية كالإيدز والزهري والتهاب الكبد الوبائي، وفحص المرأة للمناعة ضد الحصبة الألمانية، لأن هذه المناعة تحمي الجنين من التشوهات الخلقية، وكذلك فحص فصيلة الدم للرجل والمرأة للتأكد من عدم وجود تطابق بين الفصيلتين مما يعرض الجنين للخطر، ويستحسن الكشف عن بعض الأمراض التي تنافي مقصود النكاح كالأمراض المزمنة في القلب والرئة والعمود الفقري .. الخ.
.. وللموضوع بقية.