د/ جمال عبدالعزيز أحمد:وضعت اللغة بعض قواعد لحروف الكتابة، فوضعت الدال (د)، كما وضعن الذال (ذ)، ووضعت الصاد (ص) كما وضعت الضاد (ض)، وكذلك الطاء (ط) والظاء (ظ)، والفاء (ف)، والقاف (ق)، كما وضعت التاء (ت)، ومعها الثاء (ث) والحاء (ح) والخاء (خ)، كما فرقت بين الباء (ب) والنون (ن) فوضعت النقطة في الباء تحتاً، ولكنها في النون فوقاً، وهكذا لبيان خطورة هذه النقطة، وأهميتها في التفرييق بين الدلالات، ووضع ذوق في المعاني من خلال هذه النقطة، فرحم الله من فكر في هذه النقطة، فأخرج هذه الأبجدية الممتازة التي وضعت حدوداً للمعاني، وفواصل بين مكنونات نفس المتحدث أو الكاتب، ونبين هنا كم كان علماء النحو والعرب موفقين أيما توفيق في اختراع هذه النقطة، وسنقف على مدى الحاجة إليها، ولولاها لضاع منا السياق، ولالتبس الحديث، ولضاعت الجمل في سياقاتها والكلمات في سلكها، وسأعرض هنا لشرائح من اللغة سواء أكانت أفعالا أم أسماء أم مشتقات أم كلمات مختلفة ـ لنرى ما أحدثته النقطة من فصل وتمييز بين الدلالات، وقد كان ذلك قد نشأ بين ناظري ان أوضحه من رسالة بيني وبين أحد الناس كتب إلي ـ خطأ منه:(وكانوا يخبونه من بعضهم) يقصد (يحبونه)، فاستمال الحديث وتحول غلى نقيض مراده، فعت إلى نفسي أستجلي خطورة هذه النقطة التي جعلت السياق متناقضاً إلى حد قلب المعنى إلى النقيض تماماً، فوجدت عجباً عندما تأملت اللغة وعدت إلى كلماتها وألفاظها، فوجدت هذا الكنز الكبير، فعلى سبيل المثال ما يتعلق بخطورة النقطة في التمييز بين الأفعال التي سأرصد منها عددا لا بأس به يوضح ما أرمي إليه وأقصده ومن تلك الأفعال: قاء وفاء، فالأولى من القيء، والثانية من الفيء، نقول: قاء فلان قيئا كثيرا ثم فاء إلى ظل شجرة ليستريح من أثر ذلك (كما لاحظت وجود اتصال في المعنى بين الفعلين بشكل أو بآخر). و(عاد) و(عاذ)، فالأول من العود والرجوع، والثاني من العوذ والالتجاء، وبينهما صلة أن العود فيه التجاء وارتكان وعود إلى ما هو ومن هو يمكنه أن يغيث وينجي، وران، وزان، الأول من الرين من الفعل ران يرين، نقول: ران الثوب رنيا تطبع وتدنس، ورانت النفس خبثت وعنثت، وران على قلبه الذنب: قسا قلبه لاقتراف الذنب بعد الذنب، وفي التنزيل الحكيم:(كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون) واران الغطاء والحجاب الكثيف، والصدأ يعلو الشيء الجلي كالسيف والمرآة ونحوهما والدنس، والران ما غطى القلب وركبه من القسوة للذنب بعد الذنب، ورين به: مات، ووقع فيما لا طاقة له به، ولا يستطيع الخروج منه، أو لعلها من الرون (بالواو)، يقال:(ران يرون روناً): استدحره وغمّه، وران الأمر اشتد. فكأن يقترب من دلالة ران يرين (بالياء) ومن خلال النقطة ران تتحول إلى نقيض الدلالة وهي من الزين وهو الجمال والحسن يقال:(زانه زيناً): جمّله وحسّنه، ففرق كبير بين زان وران (سواء بالواو أو الياء) وكذلك أبى وأتى، فالأولى من الرفض والاستعصاء، يقال: أبى علي إباء استعصى، وأبى الشيء كرهه لم يرضه، وفي التنزيل الحكيم (ويأبى الله إلا أن يتم نوره) ونفسى أبين: ذات ترتفع هذا إن أخذناه من أبى (يائية اللام) وأما إن كانت من أبا يأبو (واوى اللام) أي صار أباً، وأبا فلاناً (بالنصب) صار له أباً، ويقال: إنه ليأبو يتيما (أي: يكون له كالأب في التربية والتغذية) ونقول: أبوته وأممته: كنت له أباً وأمّاً.فهنا أبى وأباً، ومعناهما مختلف، وهما يختلفان كذلك عن أتى أي حدث منه إتيان ومجيء، كل ذلك أحدثته النقطة الزائدة.* كلية دار العلوم بجامعة القاهرة ـ جمهورية مصر العربية[email protected]