[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/uploads/2017/03/rajb.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د. رجب بن علي العويسي[/author]الابتكار لغة حالمة تستهدف إعادة إنتاج الموارد بطريقة اكثر تحولا واستدامة، نظرا لتعدد البدائل التي يعمل على صناعتها ويبتكر ادواتها لتظهر بصورة جديدة أقرب إلى التوقعات، متناغمة مع مسيرة العطاء الانساني، لذلك لا يقبل المعالجات السطحية المهمشة أو البدائل المعقدة أو الأحداث الرتيبة لأنه يرتبط بمفهوم التجديد المتوازن والتطوير الحاذق المتفاعل مع الخصوصية والمتقلد وسام الهوية، والبحث في العمق وفهم تراكيب المنتج، والإبهار في محتواه مع ضمان الجودة والفاعلية والكفاءة فيه، لذلك لم يعد الحديث عنه ترفا فكريا، بل ضرورة للعيش في واقع متغير سمته المنافسة، وقراءة الحاضر واستشراف المستقبل بطريقة أكثر احترافية ومهنية، يرسم طريقه الوعي ويحدد معالمه هدف التغيير، في ظل التزام بتحقيق نواتج اقتصادية وسوقية عالية وعوائد مادية ملموسة، لُيظهر المنتج في أذواق مختارة ومواصفات مقننة تستجيب للتوقعات وتتوافق مع الرغبات، لتتحول الأفكار العائمة إلى نماذج وتطبيقات عملية كمشروع تجاري أو منتج اقتصادي يتميز بمعايير معينه تتطابق مع الحالة العمانية وخصوصيتها بحيث يعزز العمل الابتكاري أحد الغايات التي تسعى الدولة إليها وعبر استراتيجيات الابتكار وخطط التنويع الاقتصادية التي تعمل عليها.ومع أن تفاعل هذه الموجهات جميعها، سوف يضع الابتكار أمام مسؤولية التزامه هوية واضحة يقوم عليها في تحقيق التميز في العمل المقدم سواء كان صناعيا أو تعليميا أو أكاديميا أو مجتمعيا، إلا أن المسألة الابتكارية لا تقف عند هذا الحد بل تتطلب مرحلة أخرى تقوم على المنافسة في التميز الحاصل بشكل يصنع منه علامة فارقة وينتج عنه رقما ذا قيمة ينعكس على السياسات والتوجهات والمبادرات الابتكارية الوطنية كأرصدة استحقاقات قادمة تظهر في المشهد الوطني كزيادة الفرص للحصول على الملكيات الفكرية وبراءات الاختراع، فإن ما حققته السلطنة من تقدم إيجابي في ترتيب مؤشر الابتكار العالمي لعام 2018م، مقارنة بالسنة التي قبلها، وتمكن السلطنة من إحراز تحسن ملحوظ بواقع 8 مراكز، في الارتقاء إلى المرتبة 69 في مؤشر الابتكار العالمي من بين 126 دولة مشاركة في عام 2018م، بعد أن كانت في المرتبة 77 عام 2017م، أحد المعطيات التي يمكن أن ترفع من سقف هذا التكامل المنشود في السياسات والحزم التطويرية الوطنية الموجهة للابتكار، كما أن الاستراتيجية الوطنية للابتكار أحد المرتكزات التي يمكن أن تصنع علامة فارقة في الاستفادة من المعطيات الحالية وتوظيفها، بالرغم من انها ما زالت في فترة التداول والتعريف بها بين القطاعات والمؤسسات والمجالس التشريعية والبرلمانية والقطاع الخاص ومؤسسات التعليم، إلا أنها أعطت صورة نوعية للحراك الوطني المتجه إلى صناعة المستقبل في ظل التأصيل الفلسفي والتأطير الفكري والمفاهيمي للابتكار، والذي أدخلت مفاهيمه بشكل أوسع في الخطة الخمسية التاسعة واستراتيجية عمان 2040، والبرنامج الوطني للتنويع الاقتصادي "تنفيذ". وعليه فإن صناعة الابتكار كقيمة في سلوك الإنسان العماني يعني توفير بيئة داعمة له، تأخذ بيده، وتعزز من فرص الاختيار الواعي له من بين بدائل متعددة يجد فيها قدرته على تحقيق الالهام وحشد قدراته لصناعة إنجاز يرقى بالمجتمع، ولذلك نعتقد بأن وجود مجمع الابتكار مسقط اليوم كأحد أبرز المبادرات الوطنية التي يقوم مجلس البحث العلمي بتنفيذها، كمنطقة علمية يتم تشييدها في منطقة الخوض على أرض تتسع مساحتها إلى 540,000 متر مربع مخصصة للبحوث والابتكار، وبرامج دعم المشاريع الناشئة والمشاريع الصغيرة والمتوسطة، ومزودي الخدمات والاستشارات من المهتمين بدفع مسيرة الابتكار في أربعة قطاعات حيوية هي: المياه والبيئة، والطاقة المتجددة، والأغذية والتكنولوجيا الحيوية، والعلوم الصحية، والتي يستهدف المجمع خلالها استقطاب الشركات المحلية والاجنبية للاستثمار في إنشاء مراكز بحث وتطوير، بهدف تنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على مورد واحد وهو النفط، والمساهمة في رفد الاقتصاد الوطني بمنتجات قائمة على المعرفة، وتحقيق الفائدة في التبادل المعرفي والإداري والتقني، بين الشركاء المحليين والدوليين، سوف يصنع حضورا مثيرا للابتكار في المشهد العماني، مع ما يستدعيه وجود هذه البيئة من زيادة التواجد الفعلي والمستمر للمبتكر العماني في كل محطاتها ومنصاتها، وإيجاد آلية وطنية في بناء قدرات المبتكرين العمانيين، لتتسع لكل فئات المجتمع العماني، مع إعطاء حضور المواطن واستفادته القصوى من المركز أولوية، وتبني استراتيجيات عمل واضحة تعمل على ترقية الشعور الوطني بالقيمة المضافة التي يقدمها المركز على صعيد بناء الابتكار في السلطنة. ووضع الابتكار العماني أمام مسارات تقييم ومراجعة وتصحيح ومحاكاة مع تجارب الآخرين، وتوأمة مع مراكز الابتكار العالمية التي يعمل المركز وفق شراكات وتفاهمات على التفاعل معها وتوجيهها لصالح بناء وتطوير الخبرة العمانية.ومع ذلك فإن التحدي الأكبر الذي نعتقد بأن على مجلس البحث العلمي أن يتعامل معه بمهنية عالية، يكمن في مرحلة مع بعد الابتكار، وكيف يمكن إقناع الشركات والمؤسسات بتبني ذلك وفق أطر ومعايير والتزامات وتعهدات واضحة، وهل يمكن أن تتخلى المؤسسات أو الأفراد عن ممارساتها الحاصلة التي قد لا تحقق معايير الابتكار في ظل نواتجه ومؤشراته المتحققة، بالإضافة إلى كيف يمكن أن يحافظ على سقف التوقعات الوطنية في المبتكر والمنتج والمطور العماني، ليستمر في مراحل عمله دون إغراقه بعائق الإجراءات، ونعتقد بأن قدرة مجلس البحث العلمي كمؤسسة مرجعية وطنية للابتكار على خلق التحول في سلوك المبتكر والمطور والمنتج العماني بالقيمة الناتجة عن مواصلة مشوار العمل الابتكاري بطريقة أكثر احترافية في ظل زيادة حزمة المحفزات التطويرية التي يعمل مجلس البحث العلمي مشكورا على تحقيقها وترسيخها في ثقافة المبتكر العماني والطلبة والمجتمع على حد سواء، سوف تكون الضامن لإبقاء مؤشرات التطور الإيجابي للابتكار الوطني مستمرة وقابلة للارتقاء وفق المعيار العالمي للابتكار، كما أن الحد من التدخلات والاستثناءات والمشوهات التي قد تؤثر على رصانة الابتكار الوطني وحماية حقوقه الفكرية بالتشريعات، سوف تضمن استمرار لغة الابتكار في تصدرها كواجهة حضارية في التعامل مع متطلبات التحول، فالابتكار المطلوب في الحالة العمانية هو ابتكار استثماري يظهر أثره في تحسين المنتج أو تطويره أو إعادة هندسته أو توفير منتج جديد، وبالتالي ليس ابتكارا استهلاكيا وقتيا لمجرد الحصول على علامة تجارية او براءة اختراع محدودة التداول، بحيث يتحول إلى ممارسة ومنتج استهلاكي مقبول، بما يقلل من تحدي العوائق المادية وصعوبة التمويل التي تواجه اليوم عقبات كبيرة في ظل اعتمادها على الموازنات العامة للدولة.إن من بين الأمور التي نعتقد بأهميتها في ضمان مرونة هذه البيئة الابتكارية الوطنية توظيف مجمع الابتكار ليكون مركز عملياتي وبيئة محفزة لإنتاج الابتكار، عبر معالجة فاقد العمليات الحكومية المتكررة الموجهة للابتكار، وتعميق مسارات البحث العلمي والاختراع والريادة، كمنطلق لنمو هذه الثقافة في المجتمع، وضمان قدرة أساليب الدعم المقدمة للمبتكرين والمخترعين وأصحاب المبادرات الابتكارية والاختراعية على خلق التحول في طبيعة المنتج، وتعزيز جوانب المتابعة والمساندة الفنية والادارية عبر التشريعات الداعمة لابتكار مستدام، وتوجيه الفرص التي تقدمها الشركات والقطاع الخاص والمؤسسات الأخرى في بناء قدرات وطنية في الابتكار، وعندها ستتحقق تحولات مشهودة على الأرض، بحيث تفصح لنا في قادم الوقت عن أرقام ذات قيمة تضاف في رصيد الابتكار الوطني ومؤشرات تميزه، إذ من شأن ذلك أن يقّوي مستوى الثقة لدى الشباب والمبتكرين العمانيين في أنفسهم، وبأن ابتكاراتهم تحظى بالاهتمام والدعم والمساندة، وأن الفكر الاستراتيجي يشهد حضورا قويا في القرار المؤسسي والانتاجية الوطنية في المجالات ذات الأولوية في رؤية التنويع الاقتصادي.وحتى لا نرجع بهذه المؤشرات والجهود إلى نقطة الصفر التي بدأنا منها، نحتاج إلى بادرة تفاؤل تزيل الأوهام والتراكمات التي ما زالت عالقة في تشخيصنا لمستقبل الابتكار في عمان، ونقل حديثنا الاعلامي عنه من دائرة عجز المسوغات والاعذار وأزمة الثقة وفجوة الحصول على الكفاءات في السلطنة، بحجة أننا نحتاج إلى المزيد من السنوات لتكوين موارد بشرية مؤهلة وبناء قدرات متخصصة في مجال الابتكار بالشكل المطلوب حتى يحقق منجزنا الابتكاري المعايير ويصل مبتكرنا العماني إلى العالمية والمنافسة.