د. سالم الفليتي:
تمهيد:
كثيرٌ ما ترد عبر بريدنا الإلكتروني تساؤلات حول مفهوم مبدأ عدم رجعية القوانين، وهل هو من المبادئ المطلقة التي ـ بطبيعة الحال ـ لايرد عليها استثناءات؟ وغيرها من التساؤلات، لذا كان لزاماً علينا أن نخصص هذه المقالة للحديث في الأحكالم الناظمة لمفهوم مبدأ عدم رجعية القوانين.
كما هو معلوم أن المراكز القانونية قد تنشأ وتنفذ كاملة في ظل قانون واحد، وبالتالي لانجد هنا صعوبة في تعيين تلك المراكز على اعتبار أن القانون الذي وقعت في نطاقه الزمني الأحداث يكون الأولى بالتطبيق. إنما في المقابل تثور الصعوبة ويثار النزاع في ضوء المراكز القانونية التي تستغرق فترة معينة من الزمن بين ولادتها واكتمالها، مما قد تنشأ في ظل قانون وتكتمل في ظل قانون آخر، حينها تتنازع القوانين في أيهما أولى بالتطبيق.
المقصود بالمبدأ:
هو عدم سريان القانون الجديد على ماتم قبل نفاذه من تصرفات وحالات ووقائع قانونية، بل تكون هذه التصرفات محكومة بالقانون القديم خاضعة مرتبة آثارها في ظل هذا القانون وطبقاً لأحكامه.
ثانياً: النص على مبدأ عدم رجعية القانون في النظام الأساسي للدولة
نظراً للأهمية البالغة التي يحظى بها مبدأ عدم رجعية القوانين والتي تأتي في مقدمتها أن هذا المبدأ ماهو إلا تطبيق وتحقيق للعدل واتفاقه مع المنطق القانوني بمعناه الواسع، إذ ليس من العدل والإنصاف أن يتم محاسبة إنسان وتجريم أفعال أتوها حال إباحتها، هذا من جانب ومن جانب آخر ليس من المقبول ولا المعقول أن نطالب أفراد المجتمع أن ينظموا سلوكهم وفق أطر قانونية لم تأت بعد، ولم يعلم بها هؤلاء الأفراد اتساقاً مع مبدأ لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون.
لذا فإن المشرع أورد نصاً في النظام الأساسي للدولة، حيث تنص المادة (75) منه على أنه: "لاتسري أحكام القوانين إلا على مايقع من تاريخ العمل بها ولايترتب عليها أثر فيما وقع قبل هذا التاريخ إلا إذا نص فيها على خلاف ذلك ولايشمل هذا الاستثناء القوانين الجزائية وقوانين الضرائب والرسوم المالية".
كما أن المشرع العماني نص وبشكل أكبر في الجانب الجزائي في المادة (21) من النظام الأساسي للدولة على أنه:" لاجريمة ولاعقوبة إلا بناء على قانون ولاعقاب إلا على الأفعال اللاحقة للعمل بالقانون الذي ينص عليها، والعقوبة شخصية".
من هنا يتضح لنا جلياً أنه ـ كأصل عام ـ عدم رجعية القوانين، إلا أنه في المقابل ترد على هذا الأصل عدة استثناءات أهمها:
1- النص صراحة في القانون الجديد على سريانه بأثر رجعي
وهذا واضح من خلال نص المادة (75) من النظام الأساسي للدولة، مما يعني أن مبدأ عدم رجعية القوانين يقيد ويغل يد القاضي ولايقيد المشرع، تفسير ذلك، أنه لايجوز بأي حال من الأحوال أن يطبق القاضي النصوص القانونية بأثر رجعي خلاف المشرع، حيث يجوز له ـ في غير الأحوال الجزائية ـ أن ينص في القانون الجديد على سريانه بأثر رجعي وهو ما أفصح عنه المشرع في عجز النص في المادة (75) سالفة الذكر. "... إلا إذا نص فيها خلاف ذلك .." مع مراعاة أن هذا الاستثناء مرهون ومقيد بتحقيق المصلحة العامة. ومن ثم لا يجوز له الخروج عن هذا الأصل إلا في حالات الضرورة والتي تقتضيها المصلحة العامة، ولهذا فإن هذه السلطة التقديرية للمشرع تخضع للرقابة القضائية لما لهذه الأخيرة من حق الرقابة على دستورية القوانين، استناداً ونص المادة (70) من النظام الأساسي للدولة والتي يحوي نصها على النحو الآتي: "يعين القانون الجهة القضائية التي تختص بالفصل في المنازعات المتعلقة بمدى تطابق القوانين واللوائح مع النظام الأساسي للدولة وعدم مخالفتها لأحكامه ويبين صلاحيتها والإجراءات التي تتبعها".
مقالتنا القادمة ـ إن شاء الله ـ استكمال لهذا الموضوع.

* نائب العميد للشؤون الأكاديمية
كلية الزهراء للبنات
[email protected]