الْحَمْدُ للهِ الَّذِي جَعَلَ حَجَّ بَيْتِهِ الأَمِينِ رُكْنًا مِنْ أَرْكَانِ الدِّينِ، وَشَعِيرَةً مِنْ شَعَائِرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيـكَ لَهُ، الْقَائِلُ فِي كِتَابِهِ الْمُبِينِ " وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (97) ال عمران "، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، الدَّاعِي إِلَى أَنْ نَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْيَمِينِ، صلى الله عليه وسلم وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ الْغُرِّ الْمَيَامِينِ، وَعَلَى التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.أَمَّا بَعْدُ، فِيَا عِبَادَ اللهِ: اتَّقُوْا اللهَ تَعَالَى وَعَظِّمُوا شَعَائِرَهُ " ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32) الحج "، وَاعْلَمُوا أَنَّ رَبَّكُمْ جَلَّ وَعَلا جَعَلَ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ أَوَّلَ بَيْتٍ لِلْعِبَادَةِ وُضِعَ لِلنَّاسِ فِي الأَرْضِ، يَقُولُ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: " إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96) " إِنَّهُ الْبَيْتُ الَّذِي تَعَاقَبَ عَلَى عِمَارَتِهِ وَصَوْنِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الأَنْبِيَاءِ الْكِرَامِ ، فَلَهُ عِنْدَ اللهِ مَنْزِلَةٌ عُظْمَى إِذْ جَعَلَهُ مَثَابَةً للنَّاسِ وَأَمْنًا، وَلا تَحِلُّ حُرمَتُهُ أَبَدًا، وَقَدْ دَعَا لَهُ وَلأَهْلِهِ أَبُو الأَنْبِيَاءِ إبْرَاهِيمُ-عَلَيْهِ السَّلامُ- دُعَاءً مُبَارَكًا حَكَاهُ اللهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ بِقَولِهِ: " وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آَمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (126) "البقرة عِبَادَ اللهِ: لَقَدْ كَرَّمَ اللهُ أَبَا الأَنْبِيَاءِ إبْرَاهِيمَ خَلِيلَ الرَّحْمَنِ-عَلَيْهِ السَّلامُ- لِدَعْوَةِ النَّاسِ إلَى عِمَارَةِ بَيْتِ اللّهِ تَعَالَى بِالْحَجِّ إِلَيْهِ كَمَا قَالَ سُبْحَانَه " وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (26) وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28) الحج " فَلَبَّى النَّاسُ دَعْوَةَ إِبْرَاهِيمَ-عَلَيْهِ السَّلامُ- إِلَى حَجِّ بَيْتِ اللهِ الْمُعَظَّمِ، فَأَخَذُوا عَنْهُمَا الطَّوَافَ وَالسَّعْيَ وَبَقِيَّةَ الْمَنَاسِكِ، وَلَكِنَّهَا لَمْ تَبَقْ عَلَى حَالِهَا بَعْدَ هذَيْنِ النَّبِيَّيْنِ الْكَرِيمَيْنِ، إِذْ سَوَّلَتْ نُفُوسُ بَعْضِ النَّاسِ مِنْ بَعْدِهِمَا أَنْ يَتَنَاوَلُوهَا بِالتَّبْدِيلِ وَالتَّحْرِيفِ، فَبَعَثَ اللهُ جَلَّ وَعَلا رَسُولَهُ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم لِلنَّاسِ نَبِيًّا مُعَلِّمًا كَرِيمًا، فَبَيَّنَ لَهُمْ مَعَالِمَ الحَلالِ وَالْحَرَامِ، وَأَوْضَحَ لَهُمْ سُنَنَ الأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ مِنْ قَبْلِهِ، وَحَرَصَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى وَصْلِ أُمَّتِهِ بِهَدْيِ النَّبِيِّينَ مِنْ قَبْلِهِ، وَعَلَى رَأَسِهِمْ إِمَامُ الأَنْبِيَاءِ وَالْحُنَفَاءِ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلامُ، فَنَقَّى دَعْوَةَ أَبِيهِ إِبْرَاهِيمَ مِمَّا شَوَّهَهَا بِهِ النَّاسُ مِنْ بَعْدِهِ، وَلاسِيَّمَا مَا اتَّصَلَ بِشَعِيرَةِ الْحَجِّ وَبالْبَيْتِ الْكَرِيمِ الْحَرَامِ، وَمُنْذُ كَانَ صلى الله عليه وسلم بِمَكَّةَ مَا كَانَ يَدْنُو مِنْ شَيْءٍ مِنَ الأَوْثَانِ وَالأَصْنَامِ أَوْ مِمَّا يُنْحَرُ لَهَا وَيُقَرَّبُ إِلَيْهَا، وَحَرَصَ عَلَى تَبْيِينِ مَنَاسِكِ الْحَجِّ الصَّحِيحَةِ لِلنَّاسِ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَكَانَ يَقُولُ:((أَيُّهَا النَّاسُ خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ)).عِبَادَ اللهِ:إِنَّ فِي شَعِيرَةِ الْحَجِّ الَّتِي يَلْتَقِي عَلَى أَدَائِهَا الْمُسْلِمُونَ وَالْمُسْلِمَاتِ مِنْ مَشَارِقِ الأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا إِظْهَارًا لِمَبْدَأِ الْوَحْدَةِ فِي الدِّينِ ، فَأَنْتَ تَرَى الْحُجَّاجَ ضَاجِّين َبِنِدَاءِ التَّوْحِيدِ، مُرَدِّدِينَ:(( لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالمُلْكَ، لا شَرِيكَ لَكَ))، مُنْسَجِمَةً أَقْوَالُهُمْ مَعَ أَعْمَالِهِمْ، طَائِفِينَ بِبَيْتٍ وَاحِدٍ، وَسَاعِينَ بِمَوْضِعٍ وَاحِدٍ، وَوَاقِفِينَ بِمَوْقِفٍ وَاحِدٍ، وَنَازِلِينَ لِلْمَبِيتِ بِمَنْزِلٍ وَاحِدٍ، وَمُفِيضِينَ إِفَاضَةً وَاحِدَةً، وَرَامِينَ الجَمْرَاتٍ الثَّلاثَ، فَتَلْتَقِي مَشَاعِرُهُمْ، وَتَتَّحِدُ آمَاَلُهُمْ وَرَغِائِبُهُمْ فِي طَلَبِ الزُّلْفَى وَالْقُرْبِ مِنَ اللهِ، وَاضِعِينَ نُصْبَ أَعْيُنِهِمْ قَوْلَ اللهِ تَعَالَى: " إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13) الحجرات "عِبَادَ اللهِ:لا يَخْفَى عَلَيكُمْ وُجُوبُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ عَلَى الْمُسْلِمِ أَو المُسْلِمَةِ مَرَّةً وَاحِدَةً فِي الْعُمْرِ، وَمَا زادَ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ تَطَوُّعٌ، وَمِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ شَرَطَ الاسْتِطَاعَةَ لِهَذَا الإِيجَابِ، فَمَنِ اجْتَمَعَ لَدَيْهِ صِحَّةُ الْجِسْمِ وَالْمَالُ الْمُبَلِّغُ، وَأَمَانُ الطَّرِيقِ، فَمَا الَّذِي يَجْعَلُهُ يَتَأَخَّرُ؟ فَدَيْنُ اللهِ أَحَقُّ بِأَنْ يُقْضَى، فَتَعَجَّلُوا الْحَجَّ – يا عِبَادَ اللهِ- فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لا يَدْرِي مَاذَا يَعْرِضُ لَهُ، فَقَدْ تَعْرِضُ الْحَاجَةُ، وَيَعْتَلُّ الْجِسْمُ، وَيَذْهَبُ الْمَالُ، وَيَتَغَيَّرُ الحَالُ، فَالْعَاقِلُ مَنْ بَادَرَ إِلَى أَدَاءِ مَا افْتَرَضَ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ فِي زَمَنِ الإِمْهَالِ، وَاللهُ تَعَالَى يَقُولُ :" وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ 133 " ال عمران وَيقُولُ: " سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ 21 " الحديد أقُولُ قَوْلي هَذَا وَأسْتغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لي وَلَكُمْ،فَاسْتغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ الغَفُورُالرَّحِيمُ،وَادْعُوهُ يَسْتجِبْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ البَرُّالكَرِيْمُ.*** *** ***الْحَمْدُ للهِ، وَنَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَريكَ لَهُ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَعَلَى آلِهِ وَصَحْـبِهِ وَمَنْ وَالاهُ.فِيَا عِبَادَ اللهِ: مَا أَكْثَرَ مَا جَعَلَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي شَعِيرَةِ الْحَجِّ مِنَ الْمَنَافِعِ، الَّتِي مِنْهَا مَنَافِعُ خَاصَّةٌ بِنَفْسِ القَائِمِ بِالْحَجِّ، وَمِنْهَا عَامَّةٌ تَتَّسِعُ دَائِرَتُهَا لِتَشْمَلَ الأُمَّةَ بِأَسْرِهَا، يَقُولُ سُبْحَانَه : ليشهدوا منافع لهم " ، فَمِنَ الْمَنَافِعِ الْخَاصَّةِ أَدَاءُ المَرْءِ مَا افْتَرَضَهُ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ، وَاسْتِشْعَارُهُ بَرَكَاتِ الحَجِّ عَلَى نَفْسِهِ، بِرَبْطِهَا بِمُتَرَدَّدِ الْوَحْيِ، وَمَهْدِ خَاتَمِ الْمُرْسَلِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلامُهُ عَلَيْهِ، وَوُقُوفِهِ عَلَى مَعَالِمِ عَهْدِ هَذِهِ الأُمَّةِ الزَّاهِرِ، وَالتِقَائِهِ بِإِخْوَانِهِ المُسْلِمِينَ، وَتَزَوُّدِهِ بِمَا يَتَزَوَّدُهُ مِنْهَا مِنْ حاجَاتٍ مَادِّيَّةٍ أَوْ مَعْنَوِيَّةٍ، وَأَمَّا المَنَافِعُ العَامَّةُ فَفِي نَفْسِ الْتِقَاءِ جُمُوعِ الْحُجَّاجِ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ وَفِي مَوْقِفٍ مَهِيبٍ تَظْهَرُ الوَحْدَةُ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَتَتَنَاسَقُ وَتَتَسَاوَقُ آمَالُهُمْ وَطُمُوحَاتُهُمْ الدِّينِيَّةُ، فَمَظْهَرُهُمْ يَدُلُّ عَلَى تَعْظِيمِ مَا اجْتَمَعُوا لأَجْلِهِ " ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ (30) الحج " فَضْلاً عَمَّا يَدْفَعُ إِلَيْهِ التِقَاؤُهُمْ، مُتَّجِهِينَ إِلى أَدَاءِ عَمَلٍ دِينِيٍّ مُشْتَرَكٍ، وَتَعَاضُدٍ لِلرُّقِيِّ بِهِ وَإِظْهَارِهِ بَأَبْهَى حُلَّةٍ وَأَكْمَلِ مَظْهَرٍ. أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:لا بُدَّأَنْ يَحْرِصَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا عَلَى تَقْدِيمِ عِبَادَاتِهِ، وَمِنْ بَيْنِهَا الْحَجُّ، فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ، وَفِي أَتَمِّ الهَيْئَاتِ، فَإِنَّهَا تُقَدَّمُ لِنَاقِدٍ بَصِيرٍعَلِيمٍ خَبِيرٍ، وَالْحَجُّ مِنَ الْعِبَادَاتِ الْمُهِمَّةِ الَّتِي مَدَارُ قَبُولِهَا الإِخْلاصُ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ، يَقُولُ تَعَالَى : " وأتموا الحج والعمرة لله " أَيْ: خَالِصَةً لِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ سُبْحَانَهُ، وَعَلَى قَاصِدِ الْحَجِّ التَّوْبَةُ إِلَى اللهِ تَعَالَى وَرَدُّ الْحُقُوقِ إِلَى أَصْحَابِهَا، وَتَحَرِي الْخُرُوجِ بِالْمَالِ الطَّيْبِ الْحَلالِ، ثُمَّ لا بُدَّ مِنْ فِقْهٍ بِالأَدَاءِ، فَعَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَتَعَرَّفَ أَحْكَامَ هَذِهِ الشَّعِيرَةِ قَبْلَ سَفَرِهِ لِلْقِيَامِ بِهَا، وَإِذَا مَا عَزَمَ عَلَيْهَا فَلْيَصْطَحِبِ الأَخْلاقَ الْعَالِيَةَ، وَالْخِلالَ الْحَمِيدَةَ، فَبِذَلِكَ تَزْكُو عِبَادَتُهُ، وَيَنَالُ مِنْ حَجِّهِ أَوْ عُمْرَتِهِ مَنَافِعَهَا كَامِلَةً، ثُمَّ لِيُرَاعِ سَعَةَ النَّفَقَةِ؛ فَإِنَّ سَعَةَ نَفَقَتِهِ مِمَّا يُعِينُ عَلَى سَعَةِ خُلُقِهِ، وَلا يَجْعَلْ نَفْسَهُ كَلاًّ عَلَى الآخَرِينَ، بَلْ لِيَكُنْ حَامِلاً لِسِواهُ لا مَحْمُولاً، فَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى، وَخَيْرُ النَّاسِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وَيُرْوَى أَنَّهُ ذُكِرَ لِعُمَرَ-رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- خَبَرُ قَوْمٍ خَرَجُوا لِلْحَجِّ وَلا نَفَقَةَ لَدَيْهِمْ، وَقَالُوا: ((نَحْنُ الْمُتَوَكِّلُونَ))، ثُمَّ أَخَذُوا يَسْتَعْطِفُونَ النَّاسَ، فَقَالَ لَهُمْ عُمَرُ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: ((لَسْتُمُ الْمُتَوَكِّلِينَ، بَلْ أَنْتُمُ الْمُتَوَاكِلُونَ)).فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ-، وَاحْرِصُوا عَلَى أَدَاءِ مَا افْتَرَضَهُ اللهُ تَعَالَى عَلَيْكُمْ، وَبَادِرُوا إِلَى الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الَّتِي تَكُونُ لَكُمْ سَعَادَةً فِي الدُّنْيَا وَثَوَابًا مُدَّخَرًا لَكُمْ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ.هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى إِمَامِ المُرْسَلِينَ، وَقَائِدِ الغُرِّ المُحَجَّلِينَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاةِ وَالسَّلامِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيمًا: " إنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56) الاحزاب "اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ وسَلَّمْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيمَ، فِي العَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، وَعَنْ المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعًا مَرْحُومًا، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقًا مَعْصُومًا، وَلا تَدَعْ فِينَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُومًا.اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ وَالمُسْلِمِينَ، وَوَحِّدِ اللَّهُمَّ صُفُوفَهُمْ، وَأَجْمِعْ كَلِمَتَهُمْ عَلَى الحَقِّ، وَاكْسِرْ شَوْكَةَ الظَّالِمِينَ، وَاكْتُبِ السَّلاَمَ وَالأَمْنَ لِعِبادِكَ أَجْمَعِينَ. اللَّهُمَّ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ يَا ذَا الجَلالِ وَالإِكْرَامِ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ بِكَ نَستَجِيرُ، وَبِرَحْمَتِكَ نَسْتَغِيثُ أَلاَّ تَكِلَنَا إِلَى أَنْفُسِنَا طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ، وَأَصْلِحْ لَنَا شَأْنَنَا كُلَّهُ يَا مُصْلِحَ شَأْنِ الصَّالِحِينَ.اللَّهُمَّ رَبَّنَا احْفَظْ أَوْطَانَنَا وَأَعِزَّ سُلْطَانَنَا وَأَيِّدْهُ بِالحَقِّ وَأَيِّدْ بِهِ الحَقَّ يَا رَبَّ العَالَمِينَ، اللَّهُمَّ أَسْبِغْ عَلَيْهِ نِعْمَتَكَ، وَأَيِّدْهُ بِنُورِ حِكْمَتِكَ، وَسَدِّدْهُ بِتَوْفِيقِكَ، وَاحْفَظْهُ بِعَيْنِ رِعَايَتِكَ.اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاءِ وَأَخْرِجْ لَنَا مِنْ خَيْرَاتِ الأَرْضِ، وَبَارِكْ لَنَا فِي ثِمَارِنَا وَزُرُوعِنَا وكُلِّ أَرْزَاقِنَا يَا ذَا الجَلالِ وَالإِكْرَامِ.رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ،المُسْلِمِينَ وَالمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيعٌ قَرِيبٌ مُجِيبُ الدُّعَاءِ.عِبَادَ اللهِ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) النحل