القاهرة ـ (الوطن):
تعد البنية الأساسية وخطط تطويرها من أهم ركيزات حكومات الخليج الساعية نحو تحقيق التنمية المستدامة، فتلك البنية تضمن رفع مستوي المعيشة بشكل ملفت والصعود بقوة نحو رفاهية المواطنين، وتقديم خدمات ملموسة تشمل المرافق والصيانة والسكن والطاقة ومتطلبات الحياة، وقد قامت بلدان مجلس التعاون خلال الحقبة الماضية باحداث نهضة شاملة في قطاعات البنية الاساسية والتحتية والإنشائية تبؤت بها مكانة عالمية في مجالات عديدة أثمرت عن تنمية وإيجاد فرص عمل وتوفير مقومات أساسية للوصول لمكانة متميزة. والبنية الإنشائية التي تسعى دول مجلس التعاون لتأسيسها تعتبر دفعة قوية لإنماء المشروعات الضخمة في الطرق وشبكات الكهرباء والماء ومصادر الطاقة البديلة والسكك الحديدية والمطارات للسير قدماً في خطط التحديث الشاملة للبنية التحتية والمرافق الخدمية.

قطاعات متعددة
وتعتبر البنية الإنشائية تستشرف الغد وتلبي احتياجات الحاضر، وتعد الإنشاءات ركيزة قطاعات الكهرباء ومصانع بدائل الطاقة والزراعة والأغذية والاتصالات والتكنولوجيا، التي يتطلب معها الاهتمام بتوفير بنية إنشائية سليمة، تستشرف الغد وتلبي احتياجات الحاضر، إضافة إلى المنشآت الخادمة لأغراض التنمية من مصانع ومرافق ومنشآت عمالية وبيئية، ومن هنا اكتسب قطاع البنية التحتية أهمية قصوى في دول التعاون. وحجم الموازنات المرصودة لقطاعات الكهرباء والماء والأغذية والسياحة والطرق والمطارات تبين مدى الحاجة الضرورية للبنية الإنشائية الممهدة لقيام كيان اقتصادي أكثر حداثة، ومراعياً للمواصفات الدولية في توفير بيئات أعمال جيدة. فمقدار عملية الربط الكهربائي الخليجي سيخفض التكاليف التشغيلية لدول التعاون بما يفوق 300 مليون دولار، وستعمل عمليات الربط الكهربائي على تشغيل العديد من المنشآت الصناعية والتجارية والخدمية التي ستحرك القطاع الإنشائي بقوة. وتخدم البنية التحتية الخليجية وخطط تطويرها الاستثمار في القطاعين الزراعي والغذائي فهناك مليارات الدولارات لتشغيل خطوط القطارات والسكك الحديدية والطرق والأنفاق والمطارات، وجار تحديثها في دول التعاون، والتي تتطلب أيضاً تكاتف القطاعات الإنشائية المحلية والعربية والأجنبية للعمل على قدم وساق لتلبية احتياجات التنمية خلال السنوات القادمة. والقطاعان الزراعي والغذائي يتطلبان أيضاً بنية إنشائية من صوامع المحاصيل والمخازن والمصانع الغذائية، حيث تنتهج دول التعاون نهج الاستثمار في هذين القطاعين المهمين بسبب قلة الإنتاج الزراعي وندرة الأمطار، ويطلب هذا النهج بنية إنشائية ضخمة لتأمين الاحتياجات من الزراعة والغذاء. أما المشاريع الجديدة التي تعتزم دول الخليج الاستثمار فيها فأبرزها الطاقة الشمسية والمياه والحرارة، وهذه تحتاج إلى بنية إنشائية مؤهلة لبدء إنتاجية فاعلة، وهذه المشاريع ترسى معالم إنشائية متوافقة مع المتطلبات الدولية. كما أن مشاريع الملاعب والمرافق الخدمية والرياضية والترفيهية الأوفر حظاً في أخذ نصيب أكبر من الإنشاءات للشباب، وقد بدأت دول المنطقة بالفعل انتهاج نهج المشاريع العملاقة التي تستوعب أحداث عالمية مهمة.

خدمة الأنشطة
ركزت الخطط الخليجية على نهج توفير المسكن الملائم، واقامة مجتمعات عمرانية جديدة، وحسن استغلال الأراضي، والاستثمار في الاستصلاح، وتوزيع الأراضي على المجالات الاقتصادية بحيث يتم استغلالها في كافة الأنشطة، بجانب ضخ ملايين الدولارات في المصانع المنتجة لمواد البناء والإنشاءات لاقامة أكبر تجمعات ممكنة من المساكن داخل وفي حدود المدن، ومراعاة مد المرافق للمناطق البعيدة عن العمران، وحسن استغلال الثروات في الاستثمار العقارى لتعظيم قيمة هذا القطاع المهم الذى يخدم المواطنين والسياح والوافدين والمقيمين سواء من العرب أو الأجانب داخل بلدان المجلس. ويتوقع الخبراء ارتفاع نسبة نمو قطاع الإنشاءات بنسبة ما بين 5% إلى 8% بمنطقة الخليج في عام 2015، في ظل توقعات أيضاً بإطلاق استثمارات بقيمة تريليون دولار في 117 مشروعاً من مشاريع البنية التحتية. ولعل دول التعاون من أكثر دول العالم استهلاكاً لمواد البناء ففي عام 2005 أنفقت 570 مليار دولار على مشاريع البناء والتشييد، ويتوقع أن تفوق قيمة المشاريع الإنشائية المخطط لها تريليون دولار و45 مليار، وهذا سيسهم بشكل كبير في زيادة الطلب على مواد البناء. بجانب 45،8 مليار دولار استثمارات شركات مواد البناء، وتفيد الإحصائيات أن الشركات العاملة في مواد البناء تبلغ 6070 شركة بدول التعاون، وتقدر استثماراتها بـ45،8 مليار دولار في صناعات الأسمنت والرمل والجبس والأحجار والزجاج والألياف الزجاجية والمواد البلاستيكية ومواد البناء والعزل والصناعات المعدنية من الحديد والألمنيوم. وذكر تقرير للأمم المتحدة أن سكان دول التعاون يزداد بنسبة 36% ليصل إلى 50 مليون نسمة في 2025، وهذا يعد أحد المؤشرات المهمة في قطاع نمو الإنشاءات لحاجة الزيادة السكانية إلى مرافق خدمية وسكنية، ويتوقع أن تستثمر الدول الخليجية ودول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أكثر من تريليون دولار في مشاريع عملاقة تعد الأحدث في البنية التحتية. وتنظر دول التعاون إلى عام 2030 كهدف عنده يكون قد تم استكمال مسيرة البناء بالكامل، حيث يستحوذ قطاع الإنشاءات على البنية التحتية والخدمات والنقل وقطاع اللوجستيات، كما ظهرت قطاعات تستمد حاجتها ونموها من البنية الإنشائية، والتي إن وجدت لأمكن للقطاعات الأخرى أن تنهض وتنمو، ومن هذه القطاعات السياحة والزراعة والأغذية والخدمات وبدائل الطاقة. وقد زاد الدعم الحكومي لقطاع الإنشاءات بسبب التوسع العمراني والطفرة الاقتصادية والزيادة السكانية وخطط التحديث التي طرقت كل المجالات، ورؤى التنمية المستقبلية التى تحرص حكومات الخليج على اطلاقها.

خريطة الأعمال
مع ارتفاع حجم الناتج المحلي الخليجي في السنوات الأخيرة توقعت التقارير تسجيل قطاع المقاولات في دول الخليج نموا خلال الأعوام المقبلة مما يتيح فرصا استثمارية واعدة للقطاع الخاص خاصة في المشاريع الحكومية التي رصدت ميزانيات ضخمة. وهناك عدد من التحديات التي تواجه قطاع المقاولات بدول المجلس يتطلب معالجتها التشاور بين القطاعين العام والخاص. حيث نما سوق الإنشاءات في دول المجلس مع نمو الناتج الإجمالي بنسب تتراوح بين 5 و6%. وسيصل حجم الناتج المحلي لدول الخليج إلى 3.6 ترليونات دولار بحلول 2016 في مقابل 2.4 تريليون خلال عام 2012، إضافة إلى النمو السكاني السريع لدول المنطقة وتطور البنية التحتية والحاجة الملحة لزيادة المساكن وتطوير الخدمات. ويتوقع أن يصل حجم المشروعات الإنشائية في المنطقة خلال الخمس سنوات المقبلة إلى نحو 800 مليار دولار تتنوع في مشروعات البنى التحتية والخدمات مما يساهم في نمو القطاعات المساندة لها مثل قطاع التجهيزات والمعدات. وسيظل القطاع الحكومي الخليجي محركا أول للمقاولات والإنشاءات الجديدة لاستئثاره على 50% من المشاريع خصوصا مشاريع البنية التحتية والمرافق الخدمية. وتخصص دول مجلس التعاون ميزانيات ضخمة للاستثمار في مختلف قطاعات البنية التحتية لتلبية الطلب المتزايد للتركيبة السكانية لذا فإن هناك عدة شركات عالمية وخليجية تتنافس على هذه المشاريع مما يحسن التنافسية في بيئة الأعمال. وتشمل المشروعات التي تنفذها مشروعات الطرق والموانئ والسكك الحديدية والمطارات مما يحقق نموا في قطاع الإنشاءات والمقاولات يصل إلى 35% حتى عام 2015 بدعم من الإنفاق الحكومي المتوقع لاستكمال المشروعات التنموية. كذلك فإن دخول الاستثمارات الأجنبية في البلاد سينعكس بشكل إيجابي على دخل قطاع الإنشاءات والمقاولات في حال تمكن القطاع من تجاوز التحديات المقبلة والمتعلقة بارتفاع أجور الأيدي العاملة. وهناك تحديات حقيقة تواجه سوق المقاولات في مقدمتها المنافسة الشرسة من كبرى شركات المقاولات الأجنبية الأمر الذي يتطلب منح قطاع المقاولين الخليجيين الأولوية لتنفيذ المشاريع أو الدخول في شراكات في المشاريع التي تحتاج إلى الخبرة والتقنية الدولية. ويتطلب الأمر إشراك قطاع المقاولين الخليجيين مع الشركات العالمية بتنفيذ المشاريع ذات القيمة المضافة كالسكك الحديدية وغيرها التي تحتاج إلى الخبرة والتقنية والتكنولوجيا العالمية غير المتوافرة خليجيا، إلا أن جذب الاستثمارات الأجنبية يمثل تحديا آخر بسبب عدم توافر المعلومات وضعف إنفاذ العقود وعدم توافر الحماية لمصالح المستثمرين. كما أن ضعف توفر الأيدي العاملة المحلية الماهرة يزيد من الاعتماد على العمالة الأجنبية بصورة كبيرة مما يستنزف جزءا كبيرا من القيمة المضافة ويحولها للخارج. كما أن شركات المقاولات في دول مجلس التعاون مطالبة بالإسراع في مواءمة استراتيجياتها العامة ونماذجها التشغيلية مع متطلبات البيئة الجديدة التي تتسم بإدخال وسائل التكنولوجية المتقدمة وبنفس الوقت الصديقة للبيئة. ودعا الخبراء إلى وجود برامج حكومية لتحفيز شركات المقاولات الخليجية عبر توجيه البنوك الوطنية لتشجيع طرح الأدوات المالية وبرامج وطنية تسهم في تشجيع العمالة الوطنية للدخول في هذا القطاع الحيوي الذى يوفر آلاف الوظائف التي تستوعب الأيدي العاملة الوطنية من مختلف التخصصات.