[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/aliaklahersan.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]علي عقلة عرسان[/author]” إلى متى تبقى الدول العظمى، الوالغة بالدم السوري بصورة مباشرة وغير مباشرة، ترسم السياسات التي تتسبب بالكوارث للمدنيين السوريين، وبالدمار لبلدنا.. وتنفذ تلك السياسات التدميرية، وتسخِّر من يساهم في تنفيذها، وتحمي مَن تكلفهم بذلك في منطقتنا على الخصوص.. والكل يعلم، أن ذلك يتم بدفع من كيان الإرهاب العنصري، "إسرائيل"، وبمشاركة منها، ومن أجل حمايتها، ولتمكينها من ابتلاع ما تحتلّه وما تتوسع فيه من أرض، وما تقوم بتهويده..”ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــمئتان وسبعون ألف إنسان وأكثر، منهم الطفل والمرأة والشيخ المُسن والعاجز والمريض.. ينتشرون في القفار، يفترشون الأرض، ويلتحفون السماء، ويشقون في ذلك العَراء، حيث لا ظلَّ ولا شجر، وهم في شهر من شهور القيظ، تموز/يوليو.. يعصف بقلوبهم الرّعب.. إنهم هناك، دونما غذاء أو ماء، إلا ما تجود به طبيعة بشرية فقيرة، ودول تتاجر بالناس وآلامهم ولجوئهم ومحنتهم، وتريد الثمن قبل أن تفكر بالرحمة..هذا هو وضع معظم أهل حوران اليوم:"قرى مدمَّرة، وأسَر مُبعثرة، ومدنيون بين ضفتي الخوف والموت.. وأجيال من الشباب والأطفال، ذكوراً وإناثاً، يكتنزون في الذاكرة ما قد يدفعهم إلى عدم النسيان، مع ما يجره ذلك عليهم، "نفسياً وتربوياً واجتماعياً"، وما قد يجره على سواهم عندما يكبرون، حيث الناس دماء ووشائج متداخلات، وصلات وعلاقات ومعاملات.هذا هو وضع المَدنيين في حوران اليوم، المشرَّد منهم في نكبة، ومن بقي حيٌ ميت أو ميت حيٌّ ينتظر الفرج، والرعب محيط به، ومَن لم يغادر داره ولم تقصَف قريته، يعيش في شبه يقين من أن الدور سيجيئ عليه.. والكل في درجات من جحيم العيش.حوران الخير، والكرَم، والمُروءة، والشهامة.. الأرض التي احتضنت الهاربين من حروب، وآوت المُحتَلَّة أرضهم، والخائفين، والجائعين والأيامى واليتامى، وأطعمت الفقراء والمساكين، وكفَت الكثير من المُحتاجين شرَّ الحاجة، ووفرت لهم الحضن الدافئ الآمن، بتعاطفٍ وتسامح.. ولم تمنّ على أحدٍ منهم يوماً، بما قدمته لهم، سواء أكان كثيراً ذلك الذي قدمته أم قليلاً. أبناء هذه الأرض الطيبة، يعيشون اليوم في مِحنة، يشارك في صنعها البعيد والقريب، وأكثر من يكتوي بنارها الفقراء الطيبون الأبرياء، الباحثون عن أمن فيها، في الوطن، وعن كرامة في الحياة، هي عندهم كل معاني الحياة..فبأي حق تُهدَر كرامة هؤلاء، ولماذا يعانون هذه المعاناة المرة في السلم والحرب، وإلى متى يستمر ذلك الوضع؟! وكيف يتحول هؤلاء وما يمثلونه من ماضٍ وحاضر، إلى "بضاعة"في سوق المُقايضات السياسية، وهم بشر أولاً، لا مادة للتجارة، وهم مواطنون يرتبطون بأرضهم ثانياً، ويريدون الخير كل الخير لهم ولوطنهم؟!.. كيف يتم ذلك التواطؤ المكشوف عليهم.. ويصبحون جزءاً من الصفقات التعيسة للساسة، وجزءاً من صفعات القرن البائس، قرن الاستهانة بالحياة والإنسان، ومن صفقات المقامرين والمضاربين في سوق الدم البشري.. تلك الصفقات -الصفعات التي تلطخ جبين الإنسانية بالعار، وتزري بالحقوق والحريات، وبالقيم الإنسانية كافة؟!.. إن أولئك الضحايا، وأمثالهم على امتداد الوطن السوري، وامتداد أقطار عربية تعاني من الحروب المجنونة منذ سنوات.. تَستفرِد بهم القوة العمياء، وتتواطأ ضدهم القوى الكبرى ومن يتفؤن ظلالها، ويصبحون حطب النار، ومَن يحرِق ويحتَرق بها؟! بينما العالم المعني بالإنسان وحقوقه، ينظر ويسكت ويشارك على نحو ما بجرائم ضد الإنسانية، ولا يكف عن التشدق بكلمات فارغات عنها؟!ولنا أن نسأل:إلى متى تبقى الدول العظمى، الوالغة بالدم السوري بصورة مباشرة وغير مباشرة، ترسم السياسات التي تتسبب بالكوارث للمدنيين السوريين، وبالدمار لبلدنا.. وتنفذ تلك السياسات التدميرية، وتسخِّر من يساهم في تنفيذها، وتحمي مَن تكلفهم بذلك في منطقتنا على الخصوص.. والكل يعلم، أن ذلك يتم بدفع من كيان الإرهاب العنصري، "إسرائيل"، وبمشاركة منها، ومن أجل حمايتها، ولتمكينها من ابتلاع ما تحتلّه وما تتوسع فيه من أرض، وما تقوم بتهويده.. ولضمان هيمنتها شبه التامة في المنطقة.. وهي التي تمثل إرهاب الدولة، وفظاعة الجريمة بكل أنواعها وأشكالها؟!كيف تبقي تلك القوى العظمى والمؤسسات الدولية، أولئك الإرهابيين الصهاينة، المعتدين العنصريين المتوحشين، فوق القانون والمساءلة والعقاب، وتزودهم بكل ما يساعد على تفاقم وحشيتهم وعنصريتهم وعدوانهم؟!وهم سرطان المنطقة المنتشر في جسدها منذ عقود من الزمن، وسرطان السياسة الخبيث على مستوى يكاد يشمل بلدان العالم، وأعداء السلم، وسبب الاضطراب والتوتر وانعدام الأمن.؟!إن أهل حوران، مثلهم مثل كثيرين من السوريين في أغلب مناطق سورية/الوطن العزيز، يُسلَمون لمصير مظلم في وطنهم، وتتنازعهم القوى.. وها هم مدنيون من حوران، يقارب عددهم الثلاثمئة ألف إنسان، يحاصرون في العراء، بين نار الحرب في وطنهم وقسوة أخوتهم وجيرانهم في وطن الأمة العربية الذي ينتمون إليه، ولا يُرحَمون، وتُسد بوجههم السّبُل؟!… أولئك بشرٌ، يطلبون أمناً من جوع وخوف في أرضهم، في بيوتهم، في وطنهم، ويتمسكون ببيوتهم وأرضهم التي ذاقوا فيها المُر والمُر والمُرّ، على مرِّ الزمن، ليحفظوا كرامتهم بين الناس، وكي لا يرتموا على أعتاب مَن ينكّل بهم ويتعالى عليهم ويتاجر بهم.نادراً ما ذاق أهل حوران بعض الحلو في حياة هي المعاناة من أجل عيش كريم ووطن مستقل مزدهر عظيم.. إنهم يفضلون حوران على سواها، و"حب الوطن من الإيمان"، والدفاع عن البيت والأرض والعرض والنفس، حقٌ مُصان من حقوق الإنسان، في كل القوانين والشرائع والأديان.. إنهم يتمسكون بأرضهم حتى لا يصبحوا عالة على الناس، وحتى لا تُهدر كرامتهم وكرامة وطنهم على أعتاب من لا يقدرون الناس، ومن لا كرامة لهم من الناس.. إنهم ينادون العرب أولاً، والعالم كله ثانياً، كي لا يُخرَجوا من ديارهم، ولا تُدمَّر بيوتهم فوق رؤسهم، ولا تُستباح أملاكهم ودورهم وأعراضهم ودماؤهم، وكي لا تحتطبهم الفِتنةُ الكريهة وحطابوها المتوحشون، الذين يحتطبون بليل أليل، ويقتلون بهدف القتل والإذلال والتركيع. هؤلاء هم بشر، عرب، مسلمون.. إنهم بعض أبناء سوريا، وسوريا وطن لكل السوريين، وأكثر السوريين عانوا حتى الشقاء والإفناء في حرب عليهم وحرب بهم، وفتنة تأكلهم، ودول تتصارع بدمهم ولحمهم وعظمهم… فإلى متى ولماذا.. إلى متى ولماذا.. إلى متى ولماذا؟!…لقد قدَّم أبناء حوران الكثير الكثير على طريق الاستقلال والتحرير والحرية، قدّموا قوافل من الشهداء في سبيل الوطن وقضايا الأمة.. وقد سُرِقَت أكثر تضحياتهم، وزوِّر تاريخ نضالهم، وصنع لهم الأدعياءُ تاريخاً، ورسموا لهم صوراً مشوَّهة.. شقي أبناءُ حوران وما يزالون يشقون، ويُطحَنون بين الخدمة واللقمة والمِحنة، وهم صامتون عاملون صابرون صامدون.. ولقد سُرقت خيراتهم جهاراً نهاراً، وأشيع بينهم فسادٌ وإفساد ليشلَّ بعضُهم بعضاً، ويفسد بعضُهم بعضاً، ويقتل بعضُهم بعضاً.. وذلك بهدف النهب والتطويع والإذلال والتركيع، ولم يكونوا وحدهم في هذا الجانب من جوانب المأساة الاجتماعية -السياسية.. وهم وسواهم من السوريين، كل السوريين بلا استثناء، لا يستحقون ذلك الذي يواجهونه.لقد بنا أبناء حوران منطقتهم ونهضوا بها بجهودهم الخاصة أولاً وثانياً وثالثاً.. وذاقوا من الويل الكثير، منذ أن كانوا وكانت حوران "إهراء روما"وحتى زَمَن "المِيرَة"أيام الاستعمار الفرنسي، مروراً بالعهد العثماني، وزمن المُرابين والمُحتَكرين وتجارُ الحبوب وأزلام الإقطاع.. واستمرت معاناتُهم في المَهاجِر، ليعيلوا أهلهم، ويبنوا في قراهم وبلداتهم بيوتاً ومزارع، وليستخرجوا من باطن الأرض ماء يشربون منه ويسقون مزروعاتهم ودوابهم، حيث لا أنهار ولا أمطار في سنوات كثيرة امتدَّ فيها القحط.. ودفعوا للمستغلين الفاسدين المفسدين دم قلوبهم..وكان هذا دأبهم في كل وقت.. حتى وهم ينحرهم الجوع، ويستشعرون الإهمال والقهر، ويُضحُّون.. ولطالما ذاقوا طعم الخُذلان في سنوات المَحل وشحّ المطر وقسوة العيش، من دون أن يجدوا مَن يشعر بمآسيهم، شعوراً يخفف من وقع تلك المآسي عليهم في نهاية المَطاف، ولا مَن يقدِّم لهم بعض ما يقيهم شرَّ الحاجة والفاقة.. في الوقت الذي كانت فيه خيراتهم في سنوات الخير، وخيرات مناطق أخرى غير منطقتهم، تذهب لجيوب الفاسدين الجشعين، ولجهات ومناطق وفئات من البلاد، يضجُّ أهلها إذا ما هبَّت عليهم الريح، ويتقاضون تعويضاتٍ عمَّا لحق بهم من "أضرار؟!"جراء هبوب الريح، أو بسبب تدني أسعار محاصيلهم "المصونة؟!".. يتقاضون ذلك من تعب الكادحين، ومن ثمَّ يشتكون فيُزادون، ويشتكون فيُزادون.يجب أن تنتهي معاناة الناس المُشردين الآن، يجب أن تتوقف الحرب ويتوقف التدمير والتهجير، ويجب أن يعودوا من سُكنى العَراء، إلى ديارهم التي تشكل معنى الحياة لهم، فهم حين يكونون خارجها، يكونون مثل نبتَةٍ اجتُثَّت من جذورها وعُلِّقت في الشمس والريح وزوابع القفار.. وأهل حوران يهجسون بديارهم إن هم غابوا عنها، يفعلون ذلك ليل نهار، ويستعيدون تفاصيل المشاهد والذكريات بتدقيق وحنين.. وكلَّما غابوا عن ديارهم زاد تعلّقُهم بها وحنينُهم إليها، ولسان حالهم يقول، بلسان حاديهم البعيد المُبعد، لسان حالهم يقول:"يا دارْ قلبي دايمَ الدُّوم يطريجوان بِتّْ أشوفج بالهواجيس يا دارْيا دارْ ما ظنّيتْ هالعمر يجزيجلكنَّ حكمَ الله عالعبدْ عسَّاريا دارْ ياما حَلى القَعدةْ بعلاليجوالبُن يِرْهِي والفناجين تندارْيجب أن ينتهي العبث بهم وبمصيرهم، وأن ينتهيَ كلُّ عبث بأمن ومصير كلِّ إنسان يُبْعَدُ عن أرضه وداره ووطنه، أياً كان العابث وأياً كانت قدرته وقوته وسلطته وسطوته وغايته.. فالإنسان لا يملكه إنسان، وهو ليس بلا قيمة، ولا هو مجرد أداة ووسيلة، بيد كل من له غاية ويبحث عن أداة ووسيلة.. الإنسان غاية، أو هو غاية الغايات.. وقد كرَّمه الله سبحانه:﴿ وَلَقَد كَرَّمنا بَني آدَمَ وَحَمَلناهُم فِي البَرِّ وَالبَحرِ وَرَزَقناهُم مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلناهُم عَلى كَثيرٍ مِمَّن خَلَقنا تَفضيلًا ﴿٧٠﴾-سورة الإسراء.وعلى من يستهين بالإنسان، وبالحياة وبالآخرين، ولا يأخذ بأحكام الله تعالى ولا تعنيه بشيء.. عليه أن يفكر جدياً بمصير يتعرَّض له، كمصير من يعبَث بهم، ومن يستهين بحياتهم، ويعرّضهم للمهالك، ويزجهم في المجهول والمَهول.. ومن ثَمَّ عليه أن يواجِه حقيقة، أو أن يفكر بكيف تصبح الحياة، عندما يصبح قانونها، والزمن دولاب، كيف تصبح الحياة عندما تكون قاعدتها العامة، وديدن الخلق فيها:"أن يُجرِّع الناسُ الناسَ، كؤس الرّدى، وأن يقودوهم إلى المهالك والمَحارِق.. مَحارق الكرامة، ومَحارق الأجساد".؟!فهل يكون عند ذاك أمن وعدل وعيش وكرامة للكائن الإنسان الذي كرَّمه الله، وهل تكون الحياة حياة؟!يجب أن تتوقف الحرب القذرة، وأن تُلْجَم الفتنة الكريهة، وأن يعود الناس إلى بيوتهم من دون خوف، وأن ينتهي زمن الفوضى والإرهاب والرعب والقوة المتوحشة.. وأن يتحكم العقلُ والوجدان والإيمان بالأمور والناس والأحكام، وأن يشارك كل إنسان بصنع مصيره، بتكافل وتضامن وتعاون وتفاهم وتسامح.. ألا يكفينا.. ألا يكفينا ما وصلنا إليه.. وآن وقت التوقف عن القتل والتدمير والتهجير والإشقاء والتعثير، آن أن نلملمَ أجزاء وطنٍ يتشقّق، وأن نجبُر كسور شعب يتمزَّق، ونبلْسم جراحاً عميقة، لا أن نسممها ونزيدها مِلِّحها ونزفاً، حتى يصبح الإنسان صراخاً وحقداً وثأراً، إن هو عاش، فيفتك الإنسان بالإنسان، ويسكن الثأرُ العقولَ والقلوب.أهل حوران يعانون اليوم، ومنذ بداية الأحداث هم يعانون.. وليس هم وحدهم من يعاني، معظم مدننا وقرانا وأبناء وطننا عاشوا آلام المعاناة، ويعيشونها بدرجات متفاوتات.. وعلى كل منا أن ينظر في مرآة نفسه ليرى صورته ودخيلة نفسه، وأن ينظر بعين عقله وقلبه إلى الآخر ليرى صور من رآهم بعينه أشلاء أو معاناة أحالتهم أشباحاً، وأن يستعيد ما حفظته ذاكرته مما سمع ورأي، ليعتبر ويغير، فيحاكم ويحكم بحكمة وعقل ووجدان، ويختار بمسؤولية وعدل اختياراً يبني الوطن، ويحرره من الوجود الأجنبي والتدخل الأجنبي، ويحترم الحياة والإنسان.لقد آن أن نفعل ذلك بوعي وانتماء وحرية.. والحرية ترتب المَسؤولية إذ تختار، والمسؤولية بمعنى لائق بها وبالحرية والإنسانية، تكون عن القيم والوطن والإنسان، في مدى واسع، يشمل الحياة والإنسان.والله من وراء القصد