باعتبارها مصدرًا من مصادر السماعمسقط ـ العمانية:لقد لقيت الأمثال العربية عناية علماء العرب والمسلمين بها لأنها تمثل ديوان حياتهم وخلاصة تجاربهم فأفردوا لها المصنفات وقاموا بشرحها وبينوا موردها ومضربها، وقصة كل مثل، إذ أنَّ كل مثل يعبر عن واقعة حدثت لصاحبه، فأطلق مقولته لتنتشر وتذيع بين الناس. ومن أبرز المصنفات التي تم تأليفها حول الأمثال كتاب عبيد شريه الجرهمي (المتوفي حوالى 67 هـ) والذي وضعه لمعاوية بن أبي سفيان ويعد هذا أول كتاب في الأمثال، ثم كتاب الأمثال للمفضل الضبي (المتوفى في 170هـ)، والأمثال لأبي عبيد بن القاسم بن سلام (المتوفى 224هـ). وكتاب الفاخر للمفضل بن سلمة (المتوفى 295هـ)، وجمهرة الأمثال لأبي هلال العسكري (المتوفى 395هـ)، وكتاب مجمع الأمثال للميداني (المتوفى 518هـ)، وكتاب المستقصى في الأمثال للزمخشري (المتوفي 538 هـ). ونجد أن علماء العربية لم يقفوا عند الجمع والتوثيق لتلكم الأمثال بل لا تكاد مؤلفات الأدب واللغة والنحو تخلو من وجود الأمثال، سواء تمثل ذلك الوجود لهدف تزيين الكلام أو تدعيم أقوال المؤلف وبيان حجته. وقد خص علماء اللغة والنحو الأمثال بعناية خاصة حيث اعتبروا الأمثال نبعًا من منابع اللغة الغنية بغريبها وشاذها، ولذلك اتجهت أنظار اللغويين وأصحاب المعاجم للاستشهاد بها على ألفاظ اللغة وغريبها كما صنع الجوهري في الصحاح وابن منظور في لسان العرب والزبيدي في تاج العروس، بل إنهم عدوا المثل مصدرًا من مصادر السماع إذا كان قائله من عصور الاحتجاج في اللغة. واحتفل النحاة بالأمثال العربية فاستشهدوا بها في تقعيد الحكم النحوي، واستأنسوا بها في ترسيخ القاعدة النحوية واللغوية، أو بيان الشذوذ والخروج عن القاعدة العامة أو الحكم الكلي عندما تخالفه وتخرج عن إطاره وأحكامه.ويسعى الباحث الدكتور أحمد عبدالرحمن بالخير في كتابه المعنون بـ "الأمثال في شرح الكافية للرضي: دراسة نحوية تحليلية" إلى النظر في أهمية الأمثال في الدرس النحوي باعتبارها مصدرًا من مصادر السماع، فالدكتور أحمد بالخير هنا يهدف إلى إكمال الاهتمام الذي أولاه الإمام عبدالقادر البغدادي بكتاب شرح الكافية للرضي، حيث إن البغدادي قد اهتم بشرح الكافية بشكل لم يسبقه أحد من قبل وصنف ثلاثة كتب تدرس مصادر السماع وأتت تلك المصنفات لتدرس الشواهد الشعرية ، ومصنف آخر شرح فيه الأحاديث النبوية الشريفة، والمصنف الثالث درس فيه أقوال الأمام علي بن أبي طالب. ولم يفرد الإمام البغدادي الأمثال بمصنف خاص. وقد قام الدكتور أحمد بالخير في كتابه هذا بحصر الأمثال وبيان الشواهد في شرح الكافية للرضي. وتهدف هذه الدراسة إلى إكمال منظومة عبدالقادر البغدادي بوضع دراسة مستقلة في بيان الشاهد النحوي في الأمثال العربية في شرح الكافية للرضي، وبيان أثر الأمثال في ترسيخ القاعدة النحوية، أو الخروج عنها من خلال شرح الكافية. ومن أجل الوصول إلى تلك الغاية مرت الدراسة بمراحل هي: جمع الأمثال العربية من الكتاب، وتخريجها من كتاب الأمثال والمعاجم وكتب النحو وغيرها، ثم كذلك بيان الشاهد في تلكم الامثال من منظور الإمام الرضي مع بيان موقف النحاة من هذه الشواهد. ثم قامت الدراسة على ترتيب الشواهد على حسب الأبواب الواردة في كتاب شرح الكافية. وقامت الدراسة على محورين هما: المحور الأول يتناول الرضي والأمثال العربية وتم التركيز في هذا المحور على نقطتين هما مكانة الأمثال بين مصادر السماع في شرح الكافية، ومفهوم المثل عند علماء اللغة والنحو. ويرتكز المحور الثاني على دراسة الشواهد النحوية في الأمثال العربية. وفي الخاتمة قدم الباحث ثلاثة عشر خلاصة من دراسته هذه. جدير بالذكر أنَّ الكتاب صدر عن دار الفرقد في العام 2017م ويقع في 119 صفحة.