[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/zohair.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]زهير ماجد [/author]
منذ زمن بعيد وفي أحد أعياد الفطر هبطت صباحا من البيت لأجد على واجهة بيوت منطقتي جملة تمس حنيني إلى فلسطين تقول "عيدنا يوم عودتنا" .. كان ذلك في الزمان الذي تحدثت فيه البندقية عن قصة شعب يقاتل من أجل أرضه .. يومها أيضا قرأت لأحد المثقفين الفلسطينيين المعروفين حوارا حول الشعر الفلسطيني، وحين سئل عن الفرق بين الشعر الفلسطيني والشعر الإسرائيلي أجاب "الشاعر الإسرائيلي يكتب عن بيت سرقه مني، أما أنا فأكتب عن بين سأعود إليه". كلام يروق لي وأنا أتذكره في كل عيد، وأجد في نفسي حماسة للكتابة عنه، ففي التعبير يتم ترييح النفس من ضغوطها، وخصوصا عندما يكون المناخ العربي على شاكلته اليوم.
اليوم هنالك سوريون بعيدون عن بلادهم، وعراقيون أيضا، وليبيون، ويمنيون، ومن شتى بلاد العرب .. نكبة فلسطين فرخت نكبات، صرنا نكتب على حيطان عواصمنا إهداءات لشتى العرب الذين احتموا بنا من المؤامرات على بلادهم.
كانت فلسطين بداية الانهيار العربي، وبداية المؤامرة الكبرى التي هزت العالم .. لم يكن يومها الإعلام على تقدمه مثل اليوم، ولا كانت محطات التلفزة تعمل على مدار الساعة ويمكنها خلال لحظات تقديم الخبر مصورا .. اليوم هو يوم آخر، عالم آخر، جيل تقدمت به العلوم، فصار لها.
الجملة الأثيرية التي كنت قرأتها منذ تلك السنين على حيطان منطقتنا، أصبحت معتقة، لكثرة الأمل الذي راودنا من أجلها. ظللنا نكتب على أوراقنا وعلى الحيطان ولم نمل من ممارسة الضرورة الوطنية والقومية، وبقدر إحساسنا بأن فلسطين لا بد عائدة، صرنا نخاف أن نخسر واحدا من أقطار العرب الباقية التي أرادت المؤامرة أن تغير وجهها وتاريخها وشعبها.
هكذا يمر العيد ولا عودة إلى فلسطين، فقط الدماء وحدها تنشر على أرضها لتفرخ أبطالا لا يساومون، وجيلا يريدونه صامتا، فإذا به أكثر المتحدثين بلغته المنوعة عن بلاده الجميلة. جيل لا يعرف المساومة، يمشي إلى حتفه بخطى مدركة وواعية، وهو صامت، كأنه يؤكد ما قاله يوما الشاعر الفلسطيني إبراهيم طوقان عن الثائر والفدائي "قل لمن عاب صمته/ خلق الحزم أبكما".
وهكذا يمر العيد والخطر على العرب الآخرين طرق أبوابهم .. موجات عذابهم فرضت على شعوبهم أن تخرج من دائرة الخطر إلى عالم عربي أراد الحماية فيه. هكذا هي أحوال العرب، منذ النكبة الكبرى وما قبلها، وهم يلتفون حول بعضهم، تقع مؤامرة على أحدهم فيهاجر بنوه إلى بلد عربي آخر، هنالك مزيج عربي وخليط صنعته الأحداث والنكبات. يوم نكبت فلسطين هاجر أهلها إلى لبنان وسوريا والأردن والعراق وبعض العرب، ويوم نكب لبنان صار بنوه في بلاد عربية، ثم جاء دور العراق فإذا بأهله في سوريا والأردن ولبنان وفي أكثر من مكان وهكذا حال الليبيين مع مصر الأقرب إليهم .. التفاف على الذات، فكل العرب في النهاية حلم واحد لهتاف عتيق عنوانه الوحدة التي صارت بكل أسف صورة مرسومة بدمهم وعذابهم.
سنظل نكتب على حيطان بيوتنا "عيدنا يوم عودتنا" مع خوفنا من أن تطول الكتابة فيزدهر اليأس ويجف الحبر وترتجف اليد أو تتوقف عن الكتابة بعد أن شاخ صاحبها. إلا أن ما نراه في حقيقة الأمر، أن المحبرة مليئة وثمة أيادي تتناقل القلم وزنود تنغرس في التربة لتلد أبطالا مصنوعين للعودة.