الجزائر ـ العمانية:
لا يُمكن للداخل إلى الجزائر العاصمة من الجهة الشرقية عبر طريق "الكورنيش" إلّا أن يرى ذلك المعْلم الشهير المعروف باسم "مقام الشهيد"، وهو يُعدُّ بمثابة أيقونة كلما ذُكرت تبادر إلى الذهن اسم الجزائر، مثلما تُذْكَر فرنسا مقرونة ببرج إيفل والولايات المتحدة بتمثال الحرية ومصر بالأهرامات.
يقع هذا المعلم التاريخي ببلدية المدنية على هضبة الحامة المطلّة على خليج الجزائر العاصمة، وقد شُيّد تخليداً لنضال الشعب الجزائري ضد الاستعمار الفرنسي الذي استمرّ ما بين 1830 و1962. وتمّ تدشينه من قِبل الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد سنة 1982.
وينطوي تشييد المقام بهذه المنطقة على دلالات تاريخية استند إليها منفذو المشروع؛ حيث شهدت هذه الهضبة معارك بحرية عدة، منها حملة شارلكان على الجزائر في 23 أكتوبر 1541، كما شهدت المنطقة وضواحيها أحداثاً تاريخية مهمة، منها الاجتماع الشهير الذي ضمّ 22 من أهمّ كوادر الثورة في 24 يونيو 1954، وتمّ خلاله الاتفاق على الساعة الصفر لانطلاق الثورة التحريرية، علاوة على مظاهرات 11 ديسمبر 1960 التي خرجت للمطالبة بالاستقلال. يتربع مقام الشهيد على مساحة هكتار واحد وموقع يُمكّن من مراقبة كل سواحل الجزائر، وهو ينقسم إلى قسمين: قسمٌ علويٌّ؛ وشُيّد على شكل ثلاث سعفات يبلغ طول الواحدة منها 97 متراً تتعانق عند ارتفاع 45 متراً في بناء أسطواني ينتهي بقبة تتفرع لتنتهي عند ارتفاع 92 متراً.
وتتوسّط السعفاتِ الثلاثَ المتعانقة، منصّةٌ خُصّصت للترحُّم على أرواح الشهداء ووضع باقات الزهور في المناسبات والزيارات الرسمية، وينتصب على الجانب الخلفي لكلّ سعفة تمثال برونزي ضخم يرمز الأول للمقاومة الشعبية، والثاني لجيش التحرير الوطني، في حين يرمز التمثال الثالث للجيش الوطني الشعبي.
أمّا القسم السفلي، فيشغله المتحف الوطني للمجاهد، ويضم: قاعة العرض الدائم، والمكتبة، وقاعة المحاضرات، وأستوديو لتسجيل الشهادات الحية وما يتعلق بالسمعي البصري، ومنتدى الاتصال والإنترنت، ومخبر الصور، وقاعة الأرشيف، والجناح الإداري، والقاعة الشرفية. وغير بعيد عن هذا المعلم، يقع مجمع تجاري وثقافي مكوّن من عدد من الطوابق، ويضمُّ أسواقاً حديثة ومطاعم وقاعات للسينما وعدداً من محلات الصناعات والحرف الشعبية التقليدية، فضلاً عن المساحات الخضراء الجميلة في أرجاء المكان. ومن المثير في قصة هذا المعْلم التاريخي، أنّ قلة من الجزائريين يعرفون اسم الشخص الذي كان له الفضل في إبداعه، وهو بشير يلس، الفنان التشكيلي والمعماري، الذي يَذكر في مذكراته التي تحمل عنوان "بشير يلس.. ترسيخ ذاكرة"، أنّ فكرة إنشاء معْلم لتخليد تضحيات الجزائريين تعود إلى الرئيس الأسبق هواري بومدين، وأنّ الظروف التي مرّت بها الجزائر في تلك الفترة لم تسمح بتنفيذ المشروع إلى غاية وصول الرئيس الشاذلي بن جديد إلى الحكم في بداية الثمانينات، حيث تمّت إعادة بعثه من جديد. وقد قام بشير يلس بالعديد من الزيارات إلى مونتريال بكندا لمتابعة حيثيات هذا المشروع الذي تكفّلت بإنجازه شركة "لافالان" الكندية، والتي قدّمت المجسّم الأوّليّ له في شهر أغسطس 1981، وسلّمته بتاريخ 4 يوليو 1982.