منذ بدء الخليقة ظل الكائن الحي في الفكر الإنساني كياناً مقدساً لم تجرؤ أية حضارة بشرية قديمة على مس كينونته، كما لم يذكر التاريخ أبداً أن أي منها حاولت، مجرد المحاولة، التدخل في صفاته الوراثية أو تعديل جيناته أو تحسين خصاله الذهنية أو الجسمانية كما يفعل إنسان العصر الحالي من خلال الهندسة الوراثية.غير أن الأمر تبدل أخيراً إلى تمام النقيض، ذلك عندما بدأ العلم الحديث يُسخر تقدمه وتقنياته الفائقة في اللهو بجينات وصفات كل الأنواع ابتداءً بالنبات ثم الحيوان وأخيراً الإنسان نفسه من خلال ما يعرف بالاستنساخ البشري. وقد حدث هذا للمرة الأولى منذ ما يقرب من 30 عاماً عندما أعلن لأول مرة عن محاولة تحوير أحد النباتات جينيا، لكن المحاولة تكررت بعد ذلك كثيرا ثم سرعان ما أصبحت نهجا ثم علما خالصا قلب كل الموازين والمفاهيم بدرجة حولته إلى ثورة أطلق عليها الثورة البيولوجية.وتعد الهندسة الوراثية، بما لها وبما عليها، من أكثر العلوم إثارة للجدل في تاريخ العلم، فإفرازات هذه التقنية ومنتجاتها لاقت من المعارضة ومن التأييد ما يكفي لتقسيم علماء العالم بل ومثقفيه ربما إلى فريقين متساويين، مع وضد هذه الثورة. فإذا كان لمنتجات هذه الثورة فوائد ومزايا وهذا ما يستند إليه المؤيدون، فإن لها أيضا، بحسب المعارضين، محاذير وآثارا جانبية عديدة وقد تقود إلى عواقب وخيمة، لا تتحملها البشرية. والمخاوف هنا لا تقف عند حد تهديد صحة الإنسان واحتمال ظهور أمراض جديدة، ولا عند احتمال سيطرة بعض الكيانات الاقتصادية والشركات الزراعية الكبيرة على مقدرات الإنسان الغذائية، بل إن هناك شكوكا ومخاوف عديدة بشأن تأثيرها على حالة النظم البيئية وصحة الموارد الطبيعية.وهو ماتناولته هوليوود في فيلم نهوض كوكب القرود " Rise of the Planet of the Apes " الذي حكى قصة القرد المعدل جينيا ( سيزار ) الذي خرج عن سيطرة صديقه ومطوره ، وانقلب على الجنس البشري بمساعدة بني جنسه من القرود .واليوم تستكمل لنا هوليوود احداث الفيلم الذي حقق نجاحا هائلا انذاك ، حيث استمرت في ابهارنا بتتمة للجزء الاول ، مكتسحا لشباك الايرادات الاميركية ومحققا ايرادات بلغت 148 مليون دولار اميركي حتى الان . في حين بلغت تكلفة إنتاجه قرابة الـ 120 مليون دولار .بزوغ كوكب القرود (Dawn of the Planet of the Apes) : هو فيلم خيال علمي أميركي ، مستنبط عن رواية للكاتب الفرنسي بيير بولي. من إخراج الاميركي مات ريفز الذي بدأ شغفه بالإخراج السينمائي وتنفيذه للأفلام وهو في عمر الثامنة. واشتهر بـ (Cloverfield) 2008، و (Let Me In) عام 2011 ، الفيلم من تأليف مارك بوماك وريك جافا .بزوغ كوكب القرود من بطولة أندي سركيس وجيسون كلارك وجاري أولدمان وتوبي كيبيل وكودي سميت- ماكفي وكيري راسل .ورغم اسفنا لغياب المخرج روبرت وايت والممثل جيمس فرانكو عن هذه التتمة ، الا اننا لا نستطيع اخفاء فرحتنا باستعادة البارع اندي سيركس دور القرد سيزار. لم يخذل المخرج الاميركي الشريط الاول وتمكن من تقديم تكملة ناجحة جمعت المناخ الملحمي المفعم بالقلق والتوتر، بالجو الحميمي والنظرة الانسانية الدرامية العميقة. وقدم لنا قالب مشهدي ساحر وتصوير مختلف تلك المرة لاعتماده تقنية البعد الثالث (3D)، و اسلوب فريد وواقعي في تجسيد القرود الذين بدوا حقيقيين .بدوره التمثيل بارع والاداءات قوية وخصوصاً مع انضمام القدير غاري اولدمان الى المغامرة كقائد مجموعة البشر الباحثين عن البقاء على قيد الحياة ....................................قصة الفيلم وأحداثهبعد أن نجحت القرود المعدلة جينيًا فى السيطرة على العالم ، وإجبار ما تبقى من الجنس البشرى بالخضوع للأمر الواقع، وبعد انتشار فيرس اطلقه العلماء عند اختباره على القرود ، يسمى " آلي " قضي على معظم البشر ، يصبح العالم على اعتاب حرب شرسة جديدة ، في حين قررت مجموعة من البشر المقاومة ، ومحاولة التصدى لسيطرة القرود .يبدأ الفيلم بولادة الابن الثاني لسيزار قائد القرود ، الذي يداعبه الحنين والاشتياق الى صديقه من البشر ومطوره العالم رودمان ، بعد ان استقل هو ومن معه من القرود وأنشأوا مستعمرة خاصة بهم في غابات سان فرانسيسكو ....................................عين حمراءفي مشهد مهيب ، حيث يمتطي جيش من القرود بقيادة سيزار ، زاحفين الى بوابة المستعمرة الخاصة بالبشر القريبة منهم ، لأظهار القوة والعين الحمراء لهم موجهين انذار على لسان قائدهم المتكلم بلغة البشر ، بعدم الاقتراب من مستعمرتهم الخاصة ، وذلك بعد ان توجه فريق من البشر للاستطلاع بالقرب من منطقتهم لايجاد طريقة لاستعادة مصادر الطاقة التى تسيطر عليها القرود والتى على وشك نفاذها من البشر ، ورغبتهم في البحث عن ناجين حولهم في البلدان المجاورة .يقرر مالكوم وهو احد اعضاء فريق البحث عن الطاقة التوجه لسيزار والتفاوض معه بشأن تشغيل السد لانارة المدينة وتوفير الكهرباء لهم جميعا، فيوافق سيزار على عمل الفريق المكون من مالكولم وصديقته وابنه وثلاثة اخرين ، مشترطا ترك اسلحتهم ، وذلك برغم اختلاف القرد كوبا معه ، وهو احد الحاقدين على البشر.في غضون ذلك يتسلل كوبا لمستعمرة البشر ولكنه لم يخبر سيزار بما شاهده من اسلحة كثيرة تكفي لتدميرهم جميعا ، لتيقنه بوثوق سيزار وحبه للبشر ....................................حقد كوباتتوالى الاحداث ويتسلل كوبا مرة اخرى لمخزن الاسلحة ويتمكن من قتل اثنين من الحراس والاستيلاء على احد اسلحتهما والعودة به ، في تلك الاثناء تضيء انوار المدينة بعد عودة السد للعمل وتوليد الكهرباء .ولحقده على البشر وتمنيه الزعامة ، يشعل كوبا فتيل الحرب بين القردة والبشر ، وذلك بعد اطلاقه النار على سيزار دون ان يشاهده احد ، ويحرق بعض اشجار الغابة ليقنع القردة بأن البشر من فعل ذلك ، وعليهم ان يتبعوه للانتقام لسيزار من خلال مجابهة البشر داخل مستعمرتهم التى تعمها الافراح بمناسبة عودة الكهرباء .يسلح القرود انفسهم من مخازن اسلحة البشر ، ويتجهوا لمهاجمتهم بقيادة كوبا والابن الاكبر لسيزار ، الذي يدفعه كوبا للقتل بزريعة الانتقام لأبيه ، في تلك الاثناء يعثر مالكولم ومجموعته على سيزار حيا داخل الادغال ويساعدوه باستخراج الرصاصة من داخله ، وسط سيطرة كوبا على المدينة وحبسه البشر داخل الاقفاص الحديدية ....................................مواجهةيتواجه كوبا و سيزار في صراع على الزعامة والسلطة ، امام مئات القرود الذين يفضلون الاخير ولكنهم يتبعون الاقوى دائما ، ويعتبرونه الاصلح للقيادة ، وتنتهي المعركة بالقضاء على كوبا ، في حين تقترب مروحيات الجيش من الوصول للمنطقة بعد تلقيهم اشارة ببدأ الحرب مع القرود ، وقتها يخبر مالكولم سيزار بالهرب هو وقبيلته ، لكن يقابله سيزار بنظرة بائسة وينصحه هو بالرحيل ويخبره بعدم الفائدة من الهرب فالحرب قد آذنت . فيلم ذكي ذو حبكة مركبة ممتعة ، استطاعت الاستقلال به عن السلسلة الشعبية المشهورة واعادة طرح القصة بأسلوب جديد مختلف تماما عما سبق، فهو يستغل الاسم التجاري لكوكب القرود ولكنه يظهر بقصة مختلفة ومميزة تجعله فيلما مستقلا عن السلسلة يحمل من الاثارة بقدر ما يحمل من عمق بطرحه جدلا أخلاقيا مستخدماً حاليا في الدوائر العلمية التي تتخصص في علم الجينات، فيلقي بعض الضوء على ذلك ويعطي نوعاً من التحذير من فكرة العبث بالجينات وما قد يجلبه ذلك من مضار بقدر وربما أكثر مما قد يأتي به من منافع. رؤية : طارق علي سرحان [email protected]