الزّكاة في الأصل من حيث اللّغة بمعنى النّماء والبركة والصّلاح والطّهارة، واستخدم نحو هذا في القرآن الكريم.فعن الطّهارة يقول سبحانه وتعالى:)يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ) (البقرة ـ 129(، واستخدام مشتق التّزكيّة بمعنى الطّهارة في القرآن جاء في مواضع عديدة، ولهذا قال العلماء قديماً: زكاة العلم تعليمه ونشره، وهو طهارة له وبركة لأنّ المعلم والأستاذ بتعليمه العلم ونشره له يستفيد فوائد عديدة، كاستقرار المعلومة وتمكينها واستحضارها، ثمّ كذلك بزيادة العلم والمعارف، وأعظم فضيلة هو نقد المعرفة من جهة وتطورها من جهة أخرى، فهذا زكاة العلم!.والمال زكاته كذلك طهارة له لأنّ المزكي يشعر بالرّابط الاجتماعيّ والإنسانيّ للمال، فيكون المال وسيلة لطهارة ذاته قلبيًّا، واستقرار نفسه داخليًّا، والاستقرار والاطمئنان ذاته يجعل الإنسان مطمئنا قادرا على التّفكير، وهذا بحدّ ذاته له أثره الماديّ للمزكي، وقدرته على جمع المال وتدويره إنسانيّا وأخلاقيّا في المجتمع.وبمعنى النّماء والطّهارة جاء في قوله تعالى:(ذَٰلِكُمْ أَزْكَىٰ لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) (البقرة ـ 232)، والآية جاءت في سياق قوله سبحانه وتعالى:(وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ ذَٰلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَٰلِكُمْ أَزْكَىٰ لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) (البقرة ـ 232)، وهنا نهي الأولياء عن عضل النّساء بحقهنّ للرّجوع إلى أزواجهنّ بعد نهاية العدّة، فحقها للرّجوع، وتحقيق رغبتها في ذلك خير وأطهر للجميع، واستخدم هنا لفظة (أزكى) بمعنى الطّهارة، وكذلك الزّكاة خير للإنسان المزكي، وطهارة للمال.والتّزكية أيضاً جاءت بمعنى الطّهارة في قوله تعالى:(وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ) (آل عمران ـ 22)، وقوله:(قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا) (الكهف ـ 74)، زكية أي: طاهرة بريئة، وقوله:(قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا) (مريم ـ 19)، زكيّا أي: طاهراً، وقوله:(جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَٰلِكَ جَزَاءُ مَن تَزَكَّىٰ) (طه ـ 67) أي: تطهر.وجاءت بمعنى الرّفعة في قوله سبحانه:(خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (التّوبة ـ 103)، والمراد بالتّزكيّة الرّفع، أي أنّ الصّدقة لها فضلان رفيعان: الطّهارة للإنسان والرّفعة له، سواء كانت الرّفعة دنيويّة، أم كانت أخرويّة، أمّا كونها دنيويّة فترتفع مكانته عند النّاس لحبهم له ولإسهاماته الإنسانيّة، وأمّا رفعته في الأخرى فلرفعة مكانته عند الله سبحانه، وهذا من أعظم درجات البر، كما يقوله سبحانه:(لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) (البقرة ـ 177).وجاءت بمعنى الأفضليّة والأطيب في قوله تعالى:(قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هَٰذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَىٰ طَعَامًا فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا) (الكهف ـ 19)، والزّكاة كذلك من أفضل وأطيب العبادات، ولذلك قالوا قديما في فضلها أنّها تربط بين حقين: حق الله في وجوبها، وحق المخلوقين في المال وتدويره.وجاءت بمعنى أفعل التّفضيل (خير) في قوله تعالى:(فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّىٰ يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَىٰ لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) (النّور ـ 28)، وخير من الأسماء الثّلاثة: خَيرُ وشَرُّ وحَبُّ الّتي تحذف همزتها في وزن أفعل التّفضيل، وجاءت بمعنى الصّلاح والتّقوى في قوله تعالى: (فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا) (الكهف ـ 81)، أي أفضل صلاحا وتقوى، وكذلك الزّكاة من الأعمال الّتي تقود إلى الصّلاح والتّقوى.وجاءت بمعنى الصّدقة في قوله تعالى:(وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا) (مريم ـ 13)، والصّدقة في القرآن قد تأتي مرادفة للزّكاة المفروضة، وقد تأتي بمعنى أعمّ، وقد تأتي الزّكاة بمعنى الصّدقة لغة.وجاءت بمعنى المدح والإعجاب في قوله تعالى:(فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَىٰ) (النّجم ـ 32)، والإنسان لا يعجب بعمله ولا يتمدح، ولكن يشكر الله تعالى على هذه النّعم، ومنها نعمة المال، فيخرج حق الله تعالى منها شكراً له سبحانه، وهذا يظهر جلياً من خلال قوله تعالى:(الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّىٰ) (اللّيل ـ 18)، أي يخرج ماله لأجل التّطهر والتّقرب إلى الله وأداء حقه، وليس لأجل الرّياء والسّمعة. وجاءت بمعنى الإيمان في قوله تعالى:(وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّىٰ) (عبس ـ 7)، والإيمان تزكية للنّفس من أدران الشّرك، كما أنّ الزّكاة تزكية للمال من أدران البخل.وأمّا قوله تعالى:(قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ، وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّىٰ) (الأعلى 14 ـ 15)، الأشهر أنّ تزكى بمعنى تطهر بالإيمان وترك الشّرك، والصّواب عندي أنّها بمعنى الزّكاة اصطلاحاً، وهي مقابلة للآية التّالية (فصلى) .. هذه أهم معاني الزكاة في القرآن الكريم.