قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز:)وأنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين ((المنافقون ـ 10)، ولعل هذه الآية الكريمة هي أهم آية وعظية للإنسان المتهاون عن الصدقة فهو يتمنى ويرجو الله عز وجل أن يرجع إلى الدنيا كي يستطيع أن ينفق من ماله الذي خلفه لأولاده وورثته، ولكن أنى له ذلك؛ فقد جاء الأجل، وإذا جاء الأجل لم يكن له التأخير، ولا لأحد أن يؤخره؛ إنه حكم الله، وحكم الله نافذ لا مرد له.
فيا أيها الإنسان خذ من هذه الآية الكريمة العظة والعبرة لك ولغيرك ولا تغرنك صحتك ولا قوتك ولا جاهك إنما هي أنفاس معدودة، وآجال محدودة فلا تغرنك المناصب، ولا التكالب على حطام الدنيا، وجمع أموالها من هنا وهناك، واعلم أن الحياة تمر مرّاًّ سريعاً فتدارك نفسك، واحم نفسك من نار لا تطيقها، ولا تطيق رؤيتها احم نفسك من ذلك بصدقة تنفقها لفقير أو لمسكين وأنت في هذه الدنيا الفانية؛ تنفعك في الدار الباقية.
هذا هو الإسلام عندما يضرب الأمثال إنما يضربها بواقع حي فمن شاء فليأخذ، ومن شاء فليعرض، ومن أعرض فإنما يخسر دنياه وآخرته.
إن الصدقة مهمة جداً، ولو لم تكن مهمة جداً لما ذكر الله عز وجل هذا المثال في هذه الآية المذكورة في صدر هذه المقالة، وتكمن فوائد الصدقة في الأمور الآتية:
ـ الصدقة تطفئ غضب الرب، يروى حديث عن النبي (صلى الله عليه وسلم):(الصدقة تطفئ غضب الرب، وتدفع ميتة السوء) يبين هذا الحديث الشريف أن الصدقة سبيل لمرضاة الله عز وجل، كما أنها سبيل لحسن خاتمة الإنسان .. الله أكبر.
ـ الصدقة تكفّر السيئات، لقول الله تعالى:(إن تبدوا الصدقات فنِعمّا هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خيرٌ لكم ويكفّر عنكم من سيئاتكم والله بما تعلمون خبير) (البقرة ـ 271).
ـ (ما نقص مال من صدقة) .. هذا حديث يروى عن النبي (صلى الله عليه وسلم) يبين فيه النبي (صلى الله عليه وسلم) أن الصدقة لا تنقص المال، وقد يسأل سائل: كيف ذلك؟، وهو سؤال وجيه، وللإجابة عنه أقول وبالله التوفيق:
جاء في حديث عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قوله:(ما من يومٍ يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعطِ مُنفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعطِ ممسكاً تلفاً) هذا الدعاء من الملائكة الكرام واضح وضوح الشمس في رابعة النهار فالذي يمسك ماله عن الإنفاق يناله التلف بينما الذي ينفق ماله يُخلف الله له خيراً كثيراً، من هنا كانت الصدقة لا تنقص المال، فالله سبحانه وتعالى يبارك للمتصدق في ماله، ويبارك له في أهله، ويبارك له في ولده، ويبارك له في عمله، ويبارك له في كل شيء وهبه إياه وأعطاه من صحة وعافية ورزق، لأن دعاء الملائكة مستجاب ثم إن الصدقة تزيد من ثواب المؤمن عند ربه عزوجل، فبالتالي يزداد رفعة فوق رفعة، ودرجة فوق درجة، وهذا هو أعظم شيء يناله المتصدق، فكيف ينقص مال المتصدق إن كان هذا حاله؟.
ـ قال الله سبحانه وتعالى:(مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم) (البقرة ـ 261)، يتبين من هذه الآية الكريمة الأجر العظيم الذي يناله المتصدق من ماله، أفلا يحرص المسلم على نيل هذا الأجر العظيم خاصة في شهر الصيام شهر رمضان المبارك وإن من لم يفعل ذلك إنه لمغبون.
ـ جاء في الحديث عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قوله:(سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله)، وذكر (صلى الله عليه وسلم) منهم: (ورجلٌ تصدّق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه) فانظر أيها المسلم إلى هذا الثواب العظيم الذي يناله المتصدق من ماله إنه يُظل بظل الله يوم لا ظل إلا ظله، أفلا تحرص أيها المسلم للإنفاق من مالك كي تنال هذا الأجر العظيم، والتكريم الذي ما بعده تكريم إنك إن لم تفعل إنك لمغبون.
على أنه ينبغي للمتصدق من ماله أن يحرص على الإخلاص في عمله، قال الله سبحانه وتعالى:(يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا لا يقدرون على شيء مما كسبوا والله لا يهدي القوم الكافرين) (البقرة ـ 264)، فالإخلاص هو الذي يقود المتصدق إلى أجر الصدقة وثوابها العظيم، وبدونه يصير وصف عمل المتصدق كما جاء في الآية الكريمة في قوله سبحانه وتعالى:(وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثوراً) (الفرقان ـ 23).
فاحرص أخي المتصدق .. أختي المتصدقة: على الإخلاص في أعمالكما لكي تنالا الأجر العظيم، والثواب الجزيل.

محمد بن زهران الرواحي