الإمام الوارث بن كعب الخروصي
رصد وتصوير – سالم بن عبدالله السالمي:
بعد محمد بن أبي عفان، بويع بالإمامة الوارث بن كعب الخروصي من بلدة همار من وادي بني خروص، ولا يخفى أن بني خروص في عـُمان حصيرة الإمامة ومنبت الزهد والورع وبيت القصيد في الفضل دنيا وإيمانا وزهدا وورعا ومعدن فضل في عـمان لا ينكره إلا جاهل، وكيف يلحق عين الشمس نكران.
اشتهر الوارث بن كعب بالورع والزهد وتحدث بذلك عنه الناس في النوادي وشاعت كرامته حتى تحدث الكون معه بإمامته وخوطب من حيث لا يعلم بل يسمع صوتا ولا يرى شخصا، فكان في أيام بني الجلندى سرا مخزونا خبأه الله لوقته، فكان يرى الرؤيا في نومه تدل على ظهور الحق على يديه وأنه كان ذات يوم يحرث في زرع له فسمع صوتا يقول له أترك حرثك وسر إلى نـزوى وأقم بها الحق ثم ناداه ثانية وثالثة فألهم الوارث أن يجيب القائل بقوله ومن أنصاري وأنا رجل ضعيف فقيل له أنصارك جود الله فقال في نفسه إن يكن هذا حقا فلينبت مصاب مجزي في ينبت ويخضر من الشجرة التي أصله منها فنبت شجرة ليمون، ويقال إن هذه الشجرة موجودة حتى الآن، ثم سار إلى نـزوى وهي في أيدي الجبابرة من آل الجلندى فلما وصل نـزوى وجد خبازا يخبز وجنديا من جنود السلطان يأكل الخبز والخباز يستغيث بالله وبالمسلمين منه فلما رآه الوارث على ذلك الحال زجره ثلاثا فلم ينتبه فقتله فمضى مسرعا إلى مسجد هناك على ضفة الوادي قريبا والآن يسمى مسجد النصر فأسرعت إليه جنود السلطان لتقتله فلما وصلوا قريبا منه فرأوا المسجد وقد غص بالرجال المقاتلة فلم يصلوه، وقد بويع بالإمامة في ذي القعدة سنة 197 هـ على ما بويع عليه أئمة العدل على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولإظهار الحق وإخماد الباطل والجهاد في سبيل الله.، وفي أيامه أراد هارون الرشيد إسترداد عـمان وأن يضمها تحت ملكه وسلطانه فجهز جيشا على رأسه أبن عمه عيسى أبن جعفر المنصور من غير أن يرسل للعمانيين بذلك أو يعرف ما عندهم فلم يرض العمانيون بذلك فقاتلوهم حتى مكنهم الله منهم وأسروا قائدهم.
بعد ما قضى الوارث بن كعب إثنتي عشرة سنة وأشهرا في إمامته قائما لواجبات الله عز وجل وسيرة حسنة أساسها العدل وتطبيق شرع الله في إمامته، فلم يزل هكذا حتى اختار الله له ما لديه، وكان سبب موته أنه غرق في سيل وادي كلبوه – أحد أودية نزوى وغرق معه سبعون رجلاً من أصحابه، والسبب أن السجن كان يقع في مكان على مشارف الوادي وكان به ناس محبوسون فأمر بإطلاقهم، فلم يتحفز أحد من أن يمضي لإخراجهم خوفاً، فمضى إليهم وتبعه ناس من أصحابه، فما كان إلا أن جرفهم الوادي، وبعد أن يبس الوادي وجدوا جثته كأن لم يصبها شيء، ولم يتغير منها إلا خروج روحه الطاهرة منها، وأرادوا دفنه فتشاجر عليه أهل العقر وسعال – قريتان في نزوى – كل يريد أن يدفنه معه، فرأى ممن حضر من أهل الرأي أن يدفن مكانه – أي حافة مجرى الوادي – صلحاً بين الفريقين، وقبره معروف بين العقر وسعال، وكان كلما سال الوادي جارفاً يدور بقبره دون أن يضر به فكانت هذه كرامة ظاهرة. وكانت وفاته في سنة 192 هـ حيث يوجد قبره جنوب مركز الولاية.