لقد طبق المسلمون الأوائل قاعدة )أنه لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى(، فقد أرسل عمرو بن العاص عبادة بن الصامت وهو من الصحابة الأجلاء ـ أسود اللون ـ وكان رئيس الوفد الذي أرسله عمرو بن العاص لمفاوضة المقوقس عظيم القبط، فضاق به المقوقس لسواده وبسط جسمه وطلب من الوفد أن يتكلم غيره فرد عليه: إن هذا أفضلنا رأياً وعلماً وهو سيدنا وخيرنا وقد أمّره الأمير علينا فلا نخالف أمره، فعجب المقوقس: كيف يكون الأسود أفضلهم! فردوا عليه بأن الألوان ليست ما تقاس به الرجال وإن الإسلام لا يعرف في تقويم البشر إلا الخلق والمواهب الفاضلة. وقد أنكر النبي (صلى الله عليه وسلم) على أبي ذر الغفاري ـ رضي الله عنه ـ عندما عيَّر بلالاً بقوله:(يا ابن السوداء، فما كان من النبي (صلى الله عليه وسلم) إلا أنه غضب غضباً شديداً وأنكر على أبي ذر حيث قال: طف الصاع أي: طفح الكيل يا أبا ذر ليس لابن البيضاء على ابن السوداء فضل إلا بالتقوى أو بعمل صالح، فوضع أبو ذر خده على الأرض وقال لبلال: قم يا أخي فطأ برجليك على خدي)، إن هذه المشهد الذي وقع فيه أبو ذر يتكرر في أيامنا كثيراً بل لربما يقع فيه أناس يحسبون في الملأ من اهل العلم والتقوى، بل وكثيراً ما نسمع أصواتهم تجلجل من فوق المنابر يبينون للناس معنى التفاضل فيما ما بين الناس وأنه لا تفاضل إلا بالتقوى، وهم بأنفسهم في تطبيق معنى المساواة مبتعدين فطالما سمعت من بعض أهل العلم من يصف وينعت صاحب البشرة السوداء بالعبد أو من أجعد الشعر بالعبد وهكذا (والحق أن لون الجلد الإنساني لا يسوغ أن يكون مثار تقديم أو تأخير، فالمدار على الخُلُق والسلوك في تحديد القيم).إن هذه الآيات وهذه الأحاديث لا تجد تطبيقاً لها عند كثيرين من الناس وإنما هي نصوص نجمل بها خطبنا ومحاضراتنا فقط وفي الجانب المقابل نحن في بعد عن التطبيق، وصاحب هذا الفكر مصاب ـ في ظني ـ بمركب النقص وللأسف الشديد، ولذا كان لازماً وواجباً لكل مسلم أن يراجع نفسه قبل الندم ولات ساعة مندم، إن احتقار الناس له عواقبه الوخيمة يوم الدين يوم يقوم الناس لرب العالمين، فالنبي (صلى الله عليه وسلم) توعد المتكبر بأنه لا يراح رائحة الجنة، فعن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال:(لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، فقال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً، ونعله حسنة، فقال: إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق، وغمط الناس). وقد تقع أخطاء من بعض المسلمين الذين تغريهم الوظيفة فيزعمون أن لهم حقاً يمتازون به على غيرهم، ولكن في ظل هذا الفكر المنحرف عن الجادة هل يسكت قادة الإسلام وحملة دعوته على هذه الأخطاء .. لا بل عليهم أن يعالجوها بصرامة، ليؤكدوا طبيعة الإسلام في احترام الإنسان وإعزاز جانبه ورفعة شأنه مهما اختلفت الأجناس والمذاهب.ويتجلى الهدف من المساواة في ميزان الإسلام هو أن مبدأ المساواة الذي اعتنقه المسلمون، ومحا عن أفهامهم وأقطارهم نظام الطبقات، نابع من عقيدة التوحيد ذاتها، وقد تعلم المسلمون من أصل دينهم أن الذي تعنو له الوجوه، وتسجد في حضرته الأرواح والأجساد وتستجيب لندائه وحكمه الخاصة والعامة، هو قيوم السماوات والأرض وحده.جمعة بن خلفان البطراني