أسماء الله الحسنى هي أسماء عظيمة جليلة لارتباطها بالله ـ جلّ وعلا ـ فهو سبحانه يتسم ويتصف بها، وهي أسماء مدح وثناء وتمجيد وحمد لله، وصفات كمال له سبحانه وتعالى، وقد بلغ عددها تسعةً وتسعين اسماً، ومنها الصمد، الحفيظ، اللطيف .. وغيرها الكثير، وفي هذه الأسطر البسيطة أحاول جاهداً أن أعرض للبعضٍ منها لا الكل، مبيناً للمعنى، وموضحاً للأثر الذي تحدثه هذه السماء العظيمة، وسأبدؤها باسم (الصمد).
لو طرحنا سؤالاً على أحد العوام عن معنى (الصمد) لربما أجاب بأن الصمد هو أحد أسماء الله الحسنى التي بلغت تسعاً وتسعين اسماً، وجوابه هذا كافٍ إلى حدٍ بعيد، ذلك نظراً لارتباط الاسم بالمُسمى العظيم وهو (الله)، فكل ما هو من الله وإليه ومرتبط به هو عظيم وكامل لأن العظمة والكمال ينفرد بهما سبحانه وتعالى جلّ في عُلاه، ولقد ورد اسم (الصمد) في السورة التي تعدل ثلث القرآن الكريم، وهي سورة (الإخلاص)، كما يقول الحق تبارك وتعالى في الآية الثانية (2) منها.
وبالرغم من تعدد معاني ودلالات اسم (الصمد)، إلا أنها مع اختلافها في اللفظ تبقى متفقة في المعنى، وهو أنها تُجمع بعودتها ومآلها إلى الله سبحانه وتعالى، ولعل من بين تلك المعاني والدلالات هو أن الصمد الذي تصمد إليه الخلائق أي: أنها تعود وترجع إليه لقوته وقدرته وعظمته وجاهه، ولحاجة الخلائق إلى ما عنده من شتى صنوف الفضل والخير والمنّ.
(الصمد هو المقصود في الرغائب، المستغاث به عند المصائب، والمفزوع إليه وقت النوائب) (علي بن جابر الفيفي...لأنك الله، ص: 14)، ومن منا ليس فقيراً أو محتاجاً ليصمد إليه سبحانه ويعود، فمع الإيمان الراسخ، واليقين التام بأن كل ما في الكون مُسيرٌ بأمر الله، وخاضعٌ لتصرفه المطلق لا يبقى أدنى شك أن المرجع لقضاء الحوائج، وتحقيق الأمنيات، وتلبية الحاجات، والقضاء على المُلِمات لا يكون إلا بالعَوْدِ والرجوع إلى الله تعالى، وهنا يتحقق معنى الصمد بشقيه، فالمولى ـ جلّ وعلا ـ هو صمدٌ تَرْجِعُ إليه الخلائق في كل حاجاتها، وهي كذلك (الخلائق) تصمد إليه (الله) بالرجوع والعَوْدِ.
كثيرةٌ هي حاجاتنا، وعديدة هي رغباتنا، ومختلفة هي مصائبنا، ومتنوعة هي طلباتنا، والتي نرغب أن نحصل عليها أو تلبيتها، كالمال والأولاد والمنصب .. وغيرها الكثير من متاع الدنيا وزخرفها، ونبذل قصارى الجهد والعمل بغية الحصول عليها، إلا أننا قد نصل إلى طريق مسدود، وندرك حينها أن المشيئة الربانية لم تشأ ، والإرادة الإلهية لم تُرِد ذلك وليس ثمة سبيل أو مناص إلا اللجوء بالدعاء والرجاء والتضرع بالابتهال إليه سبحانه وتعالى، فكم رأينا وعلمنا عن الكثير من الناس لم يشأ الله أن يرزقهم أولاداً، أو ربما لم يرزقهم ذكوراً أو إناثاً، وضلوا مدة من الزمن على هذا الحال لم يتركوا طبيباً قريباً أو بعيداً إلا وذهبوا إليه آخذين بالأسباب لوجوب العلاج وغيرها، وبعد يأس وقنوط مقرون بالدعاء والرجاء والخشوع والتذلل إليه سبحانه يأتي الفرج من لدنه ليُسبغ نعماً تتوالى على ذلك العقيم الذي ظل سنوات يرتجي الفضل منه سبحانه يدعوه خوفاً وطمعا ، وما ذلك الدعاء والرجاء والخشوع والتذلل إلى المولى سبحانه وتعالى إلا تجلياً بيناً لمعنى الصمدية، وما دعاء نبي الله زكريا عليه السلام طلباً للذرية إلا إدراكاً منه لمعنى الصمدية ووجوب الصمد إليه سبحانه وتعالى، كما يقول الحق تبارك وتعالى في كتابه العزيز في الآية التاسعة والثمانين (89) من سورة الأنبياء، فكان الجواب الرباني العظيم كما ورد في قوله تعالى في الآية التالية (90) من ذات السورة.
ومن ابتلاه الله بمرض مزمن لا يرجو البرء منه، ويظل يتردد على الأطباء أملاً في الشفاء إلى أن يؤلَ به الأمر ويمارس المعنى الحقيقي للصمدية دون إدراك منه لذلك، فيعود إلى الله العَوْدُ الحق بالدعاء والرجاء والتذلل والخشوع ابتهالاً وتضرعاً طالباً للشفاء، حينها يمنّ الله عليه بالشفاء العاجل بعدما تحققت الصمدية إليه سبحانه، وليس أدل على ذلك من دعاء نبي الله أيوب ـ عليه السلام، كما ورد في قوله تعالى في الآية الثالثة والثمانين (83) من ذات السورة الكريمة، فكانت الاستجابة منه تعالى بكشف الضر، كما ورد في الآية الرابعة والثمانين (84) من السورة ذاتها .. وغيرها الكثير من الأمثلة والأدلة التي توضح وتبين المعنى الحق للصمدية.
ولقد بيّن ووضح الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) معنى (الصمد) من خلال حواره مع إعرابي اسمه الحُصين الذي سأله النبي (صلى الله عليه وسلم) قائلاً: كم تعبد يا حُصين؟ فقال: سبعة، ستة في الأرض وواحد في السماء، فسأله النبي (صلى الله عليه وسلم): من لرهبك؟ قال: الذي في السماء، قال: من لرغبك؟ قال: الذي في السماء، فقال له النبي (صلى الله عليه وسلم): فاترك الَذِينَ في الأرض واعبد الذي في السماء، فاسلم الحُصين.
إن المتمعن في الصمد يجد العجب العجاب، فليس ثمة شك ـ والعياذ بالله ـ في قدرته تعالى ومشيئته وعظمته وقوته، ويقيننا تام أكيد أن الله غني عن البشر، فهو ليس بحاجة إليهم بقدر ما هم بحاجة إليه سبحانه، وبالرغم من ذلك نجد أن الله تعالى يخلق لنا الأسباب لنصمد إليه بدعائنا وتوبتنا ورجائنا وابتهالنا وتضرعنا ليتحقق بذلك معنى الصمدية، فهو يُمرضك لتلجأ إليه طالباً للشفاء، وهو يُنزل الخوف في قلبك لتلجأ إليه طالباً للأمن، وهو يفقرك لتلجأ إليه طالباً الغنى، وفي كل لجوء إليه تتحقق الصمدية، فيا سبحان الله رغم غناه عنا يدعونا إليه لنصمد بطلب الحاجات وتحقيق الأمنيات، وتلبية الرغبات.
ولذا يتوجب علينا أن نصمد إليه سبحانه في كل لحظة وحين، في صباحنا ومسائنا، في ليلنا ونهارنا، في سرنا وجهرنا، ليظل ويبقى القلب متعلقاً بالصمد، ولنبقى على تلك العلاقة الدائمة مع الله .. اللهم اجعلنا نصمد إليك في كل لحظة وحين يا رب العالمين.

زكي بن محمد الرمحي