(دراسة للأخطاء الإملائية الشائعة وبيان صوابها وضوابطها) (5)لا يزال حديثُنا حول الصواب اللغويِّ موصولًا، نتعرَّف من خلاله على طبيعة الرسم الإملائي الصحيح لكلمات اللغة، وضوابط الإملاء القويم لألفاظها، ونقف على الأخطاء الشائعة في كتابات الباحثين، والصحفيين، والطلاب، وكلِّ من له صلة بالكتابة من قريب، أو بعيد، ونحاول وضعَ الضوابط والقواعد الحاكمة لهذا الصواب اللغوي، وننشُد من وراء ذلك إلى وجود مجتمع لغويٍّ خالٍ من كلِّ الأخطاء اللغوية، والإملائية التي زُكِمَتْ منها أنوفُنا: نطقًا وكتابةً، وامتلأت بها بحوثُ الطلاب في الجامعات، وفي المؤسسات العلمية، والتعليمية، ولا يصح في الحقيقة أن يُوضَع بحث علمي أكاديميٌّ كُتِبَ باللغة العربية في مكتبة الدراسات العليا في الجامعة أو في المؤسسة العلمية المعينة وهو غَاصٌّ بالأخطاء اللغوية، وأن يُطَالَبَ الباحثُ وغيره من الكتَّاب بضرورة تصويب تلك الأخطاء بشكل دقيق قبل تسليم البحث بشكل نهائي للجامعة أو المؤسسة التي نُوقِشَ فيها البحث، أو أُجِيزَ منها، بحيث يجب أن يَمُرَّ البحث أو الرسالة أو الكتاب أو التقرير المفصَّل على مدقق لغوي محترف، لا يترك شاردة، ولا واردة، ولا إملاءً، ولا ترقيمًا إلا ويُعِيد إليه صوابه، ويُنَقِّيه مما علق به من أوشاب وأخطاء تقلِّل من قدره، وتجعله دون المستوى المقبول أكاديميًّا، ونتحدث هنا ـ من بين ما نتحدث فيه ـ عن الأخطاء المتعلقة بكتابة الألف المقصورة، أو التي تسمى (الألف اللينة)، ولها في الرسم الإملائي العربي صورتان، هما (ى)، وتسمى الألف المقصورة، و(ا) وتسمى الألف القائمة، وكلاهما مقصورتان، لكنْ هناك ضوابطُ تجعل تلك الأولى تُكتَب ياءً غيرَ منقوطة، وتلك تُكتَب ألفا قائمة، مثل:(منى ـ عصا يعصُو ـ عصى يعصِي ـ هدى ـ مها ـ قضى ـ غلا يغلُو ـ غلى يَغْلِي) وهكذا، والقاعدة في رسم الألف اللينة أنها تَرِدُ في الأفعال والأسماء بضوابط محددة ومعينة وفق التصور، أو الضوابط الآتية:ـ تكتب الألف اللينة في الأسماء، والأفعال الرباعية فصاعدًا ياءً دائمًا بشرط ألا تكون مسبوقة بياء وذلك لكراهة اجتماع ياءين، وسواء أكان اللفظ ثلاثياً أم فوق الثلاثي، فإن سبقت الياء بياء أخرى كتبت الياء ألفاً، نحو:(اهتدى ـ مستشفى ـ صغرى)، ونحو:(استحيا ـ تغيَّا أي: اتخذها غاية ـ تزيَّا ـ رؤيا ـ يحيا (فعلاً لا اسماً) ـ العليا ـ الدنيا ـ مزايا ـ وخطايا ـ ومرايا ـ وهدايا ـ ومطايا ـ منايا ـ قضايا). وتُكتَب الألف اللينة في الأسماء الأعلام ياءً إنْ كانت مسبوقة بياء، نحو: يحيي أخي تفوق / رَيَّي بنتي كوفئت / ثُريَىَّ أختي سافرت، ونحوها مما فيه ياءان، وهو عَلَم على شخص، أيْ يرد اسمًا، وليس فعلاً، فنتنبَّه لذلك، وفَرِّقْ بينهما جيداً.ـ ويمكن أن نتعرف على أصل الألف اللينة هذه في الأفعال الثلاثية بطرق كثيرة، منها الآتي: أ) أن نأخذ مصدر الفعل الثلاثي، فإن جاءت الواو فيه آخِرًا علمْنا أن الألف في الفعل مُنقلبةٌ عن واو، فتكتب في الفعل ألفًا وجوبا، نحو:(سَمَا سُمُوًّا، وغَدا غُدُوًّا، وعَدَا عَدْوَا، وشَجَا شَجْوًا، وذَرَا الحب ذَرْوًا، وشَدَا الرجل شَدْوًا)، وإن جاءت الياء فيه علمْنا أن الألف منقلبة عن ياء، فتكتب في الفعل ياء وجوبًا، نحو:(رمى رمْيًا، سعى سعْيًا، ومضى مُضِيًّا، وجرى جَرْيًا، وهدى هَدْيًا، ومشى مَشْيًا، وصدى صَدْيًا: إذا عطش)، فالعبرة بالفعل المضارع، فإن كانت لامه (أي آخره) واوًا رُسِمَتْ في الماضي ألفًا مقصورة، أي: ألفًا قائمة، وإنْ كانت لامه ياء رُسِمَتْ في الفعل ألفًا مقصورة وليست قائمة، كما مثَّلنا في نحو: دعا يدعو، ورمى يرمي، ونحوهما مما مضارعه واو، ومما مضارعه ياء، فثمة فرقٌ بينهما في رسم الماضي ـ كما رأينا ـ نقول: دعا المؤمن ربه، فهو يدعوه دعاء صادقاً، وقضى القاضي بين المتخاصمين، فهو يقضي بينهما بالعدل، ويمشي بالسَّوِيَّة دونما ظلم. ب) بإسناد الفعل الثلاثي إلى ضمير الرفع المتحرك، وضمائر الرفع المتحركة هي:(تاء الفاعل/ نون النسوة/ نا الدالة على الفاعلين)، أو بإسناد الفعل الثلاثي إلى ألف الاثنين، فإنْ جاءت الواو في هذه المواضع الأربعة علمْنا أن الألف في الفعل منقلبة عن واو، فتكتب ألفا وجوبا نحو:(سما سموت، سمون، سمونا، سَمَوَا، سَمَوَتَا ـ رَجَا / رجوْت/ رجوْنا/ رَجَوْن/ رجوا، رجَوَتا)، وإنْ جاءت الياء في الفعل علمْنا أن الألف منقلبة عن ياء وجوبًا، نحو:(رمى/ رميت / رمينا / رمين/ رميا/ رميتا ـ سعى/ سعيت/ سعينا/ سعيْن/ سعَيَا/سعيَتَا)، وهكذا في كلِّ واويٍّ ويائيٍّ.ج) بتحويل الياء في الفعل الماضي الثلاثي إلى مضارع (سما يسمو/ رجا يرجو/ شتا يشتو/ هجا يهجو/ رمى يرمي/ سعى يسعى، قضى يقضي/ مضى يمضي). والأسماء المبنية المنتهية بألف ليِّنة، تُكتب ألفها ألفاً (مثل: ماذا ـ هذا ـ ذا)، ما عدا عدة أسماء مبنية منتهية بألف لينة، فإنها تُكتب ياء غير منقوطة (مَتَى ـ لدى ـ الأُلَى ـ أنَّى) فمثل تلك ترسم ياءً من غير نقط لا ألفًا قائمة كالكلمات الماضية.وأما إذا كانت الألف اللينة في الاسم رابعة فأكثر، فإنها تُكتب ياءً بصرف النظر عن أصلها: الواو أم الياء، نحو:(مقهى ـ ملهى ـ مبنى ـ ليلى ـ لبنى ـ سعدى ـ مصطفى ـ مرتضى ـ مرتجى ـ مجتبى ـ مستشفى ـ مُستلقًى ـ مُستهدًى ـ مستقصًى)، وتُكتب الألف اللينة في الأسماء الأعجمية ألفًا، نحو:(سويسرا ـ أميركا ـ أوربا ـ موسيقا ـ هولندا ـ بولندا)، ما عدا بعض الأعلام القليلة التي تُرسَم فيها الألف مقصورة كالياء من غير نقطتين تحت الياء، ومنها الكلمات الآتية:(موسى ـ عيسى ـ مَتَّى ـ كِسرى ـ بخارى ـ بُصْرى بالشام ـ بَرَدَى نهر بسوريا ـ رَضْوى جبل بالحِجاز).وأما رسم الألف اللينة في الحروف فتحددها الضوابط والقواعد الآتية كالآتي: تُرسم الألف اللينة في آخر الحروف ألفا قائمة، وذلك في جميع الحروف ، مثل:(إلَّا ـ ألَّا ـ ألَا ـ أمَا ـ أمَّا ـ مَا ـ لا)، ونحوها، ما عدا أربعة حروف ، حيث ترسم فيها ألف قصر، أي ياء لا نقطتين تحتها، مثل: كلمة (منى وهدى)، وذلك حاصل في أربعة حروف في اللغة العربية، هي:(إلى ـ بلى ـ حتى ـ على) فترسم مقصورة.تلك هي قاعدة رسم الألف اللينة في الكلمة العربيَّة، لكننا نجد بعض الكُتَّاب والباحثين يخطئون في رسم الألف اللينة، وخصوصًا في الأفعال، كأنْ يكتبَ مثلاً كلمات مثل:(دعا ـ غزا ـ رجا) هكذا:(دعى ـ غزى ـ رجى) بالياء، أو يكتب الأفعال الآتية هكذا:(استوا ـ اكتوا ـ يحيي (فعلا) هكذا، والصواب اللغوي فيها أن ترسم هكذا:(دعا ـ غزا ـ رجا)، ونحو:(استوى ـ اكتوى ـ يحيا)، وكأنْ يكتب خطأً منه بألف القصر التي تشبه الياء:(الرُّبى ـ والذُّرى) (جمع ربوة وذروة)، أو يرسم كلمة: عصا (اسمًا) أو رحا (اسمًا) هكذا: (عصى ـ رحى)، والصواب كتابتها بالألف القائمة، هكذا:(الرُّبَا والذُّرَا)، و(عصا) (بالألف القائمة)، ورحى (بالياء غير المنقوطة من أسفل)، ولعل السبب هو عدم الإلمام بالقاعدة وهي ـ كما سبق ـ أن الفعل الماضي المعتل الآخر، أي:(المنتهي بحرف علة) يكتب بالألف إن كان مضارعه واوياً، نحو:(دعا يدعو ـ سما يسمو ـ غزا يغزو)، أما إذا كان مضارعه يائيًّا كُتِبَ في الماضي بالألف المقصورة (التي ترسم ياء)، مثل: سعى (من السعي) مشى (يمشي) قضى (يقضي) رمى (يرمي) عوى (يعوي)، هذا إذا كان الفعل ثلاثياً في الماضي، أما إذا كان رباعيًّا فأكثر كُتِبَتْ ياءً، نحو:(أعطى ـ أبكى ـ أجرى ـ احتوى ـ تربَّى ـ تزكَّى ـ استرضى ـ استعدى)، ويستثنى من تلك القاعدة كلمة:(يحيا) حيث ترسم بالألف، وهي فعل، لتتميز عن العلم (يحيى)، وكذلك (يحيا) حيث ترسم ألفًا لأن الأصل أن ترسم الألف اللينة رابعةً، فصاعداً بالياء، إلا إذا كان ما وُجِدَ قبل الألف ياءٌ، فترسم ألفاً طويلة (مثل: أعيا ـ تزيا ـ استحيا ـ يحيا) وهذا الحكم في كتابة الفعل الثلاثي ألفًا إن كان مضارعه واوياً، وتكتب ياء إن كان مضارعه يائيًّا ينسحبُ كذلك على الاسم الثلاثي مثل:(عصا ـ ذرا) لأن أصل الألف واو، أما (فَتًى ـ قُرًى) فتُكتب بالياء، ونواصل حديثنا حول الصواب اللغوي في الإملاء العربي، وما يمكن أن نحترز به من أخطاءٍ قد تقع منا سهوًا أو جهلًا بقاعدتها وضابطها الإملائي في اللقاء القادم، والله الموفق، والهادي إلى سواء السبيل، والحمد لله الذي بنعمته تتمُّ الصالحات، وصلى الله وسلم، وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله، وصحبه وسلم.