كيف تستقر حياتنا الزوجية والعائلية؟! (5)الزواج نعمة النعم، ومنة المنن، تلك الشرعة التي امتن الله بها على البشر، يلبي بها فطرتهم السليمة، وطبيعتهم النقية التي تحتاج إلى أليف، وتتطلب الونيس، وتقتضي الصاحبَ الأمين، والخلَّ الوفي، والزوج الحنون، والزوجة الحنون، والحياة الرقيقة التي تُعِين على مشكلات الحياة، ومتطلبات الواقع المرير، وتُجابِه تلك الحياة بقلب واعٍ، وعقل حصيفٍ، حيث ترتكن الزوجة إلى رأي زوجها، وتنال من عطفه، وتمتاح من كرمه، وتَعُبُّ من فكره، ويعود عليها بخبرته صادقًا حَدِبًا، كريماً، راقي المشاعر، لا يبخل برأي، ولا يمنع عطاء، ولا يُخفِي مشورة، بل يبذل قصارى جهده في تثقيفها، وزيادة واتساع فكرها، وهي تبادله المشاعر، فلا تخالف له رأيًا مادام لا يخالف شرعًا، ولا يناهض ثابتًا، وتخبره برأيها متواضعةً في عرضه وقوله، صادقة في بسْطه، ويتناغمان فتراهما قلبًا واحدًا، وعقلاً واحداً، قد حَلَّ في جسدين شكلاً، لكنه جسدٌ واحدٌ حقيقة، وواقعًا مجسدًا ، فإذا تكلمتْ فكأنها تسمعه، وإذا تفوه فكأنما يراها، فهُما واحدٌ فكراً، وعقلاً، وعاطفة، ونهجاً، تستطيع أن تقول لاطمئنان: إنها شركة لشخص واحد، توزع جسمه في شخصين، فإذا عطس أحدهما في مكان شمَّته الآخر، وهو في مكانه الآخر، وإذا توجع وتأوَّه أحدهما، أحس الوجع نصفُه الثاني، وتألم في مكانه، نعم، إنه الزواج الناجح، والرباط الأسري المتين، هي تستشيره في كل أمورها، وتطلب رأيه في جُلِّ شؤونها لأنها تخاطب ذاتها، وتكلِّم نفسَها، وهو يشير عليها بما يراه الأصوب، وما يناسب الواقع المعيش، وهو كذلك يستشيرها، ويتجول في عقلها، وخصوصا عندما يكون عندها رصيدٌ من السيرة النبوية، ورصيدٌ من تفسير القرآن الكريم، ورجاحةٌ من عقل، فتشير عليه، ولا تبخل برأي قد يكون غاب عنه، أو لم ينتبِهْ إليه، و حبذا لو كانت عاقلة حصيفة، معروفة بالنبل في العشرة، والذكاء في الرأي، والحصافة في النظر، والدقة في البحث، والتروي في النقاش، فيستشيرها في أمور كثيرة، منها ما يخصُّ البيت، ومنها ما يخص الأولاد، بل ربما استشارها في عمله الخاص، وشؤونه الألصق به، يستنير برأيها كسيدة، ويتعرف رأيها كزوجة، وينظر كيف تنظر إلى الأمور، وكيف تراها بعقلها، رغم تزاحم أعمالها البيتية، فتسعد لموقفه، وتشعر بإنسانيتها، وتشكر الله على نعمة الزواج به، والاقتران بمثله، وفي مثل هذه الحال ربما يقول لي قائل: ما هذه الصورة المثالية؟ مثل هذه الصورة لا توجد على أرض الواقع، هذه الصورة في الجنة فقط، أو لعلها تحدث، ولكن في المنام، حيث الأحلام الوردية السعيدة!.وأردُّ عليه، فأقول لهم: هذا هو الزواج الحقيقي في ديننا الحنيف، وماعدا ذلك فهو زيفٌ، ومسخٌ، وضلالٌ، وظلمٌ، ولا يَمُتُّ للزواج الإسلامي بصلة، ولا يمتُّ لشرع الله من قريب أو بعيد، ولا لهدْي رسوله (صلى الله عليه وسلم) بصلة أبداً أبداً أبداً، ولو لم يجد أحدكم هذا في شريك حياته أو شريكة حياته فليراجعْ نفسه أولاً، قبل أن يراجعَ تصرفات الطرف الآخر، فلا أسهل من أن يرفع كلُّ واحدٍ يده ليشير إلى الطرف الثاني، ويتهمه بكل أنواع الاتهامات، وأنه هو سبب التعاسة، أو سبب الانفصال، وفي الوقت نفسه يصعب عليه أن يرى نفسَه سببَ المشكلةِ، أو يفكر في أن ينظر في شأنه لعله السبب فيما حصل، ويحصل، وتراه في هذه الحالة هو يشير بأصبع واحدة لشريكه، في حين أن هناك أربعَ أصابعَ موجهةٌ إليه هو نفسه، والمرجو عندئذ أنه عندما يجد أحدهما خللا ما، أو غضبا ما أو هما وغمًّا ما ، فلينظر كلٌّ منكما إلى نفسه، ويكتشف الخلل الذي هو واقعٌ عنده أولا ، بدل أن يظن في نفسه الملائكية، ويظن في شريك حياته الشيطنة، والغلو، وأنه أساسُ كلِّ بلاء على وجه الأرض.أنت لا تستطيع تغيير أيِّ شخص إلا إذا أراد هو نفسه ذلك التغييرَ ، وكانت عنده الإرادة القوية لفعله، والعزيمة التامة لعمله، فالأسهل عليك أن تغير أنت من نفسك، فأنتَ قائد السفينة، وحادي الركبِ، ولتكن قدوة تُقتَدى، وأسوةً تُؤتَسى، ويا هذا، ويا هذه ، لو أن الطرف الآخر غلطانَ!فعليه أن يفعله لله، وابتغاءَ وجهه الكريم، عليك أن تجتهد قليلاً، وانجحْ في أن تجعله ردَّ فعل جميلا لتصرفاتك، وليكن في خلدك، وليستقر في وجدانك أنه لا يوجد من تقابله بالرضا والقبول، والحب والجمال كله، ثم هو يقابلك بعكسه، إلا إذا كان مريضًا عقليا، أو مختلا نفسيًّا، ولكنْ في أغلب الأحيان يكون السبب عبارة عن تراكماتٍ، وُضِعَ بعضها فوق بعضها، ثم يحدث الصدود، فيقول: هأنذا جرَّبت، وعملت ما ينبغي فعله، ولم يكن ردُّ الفعل من الطرف الآخر جميلاً!.لا تتعامل على أنك حكم أو قاضٍ على الطرف الثاني، بل ساعده على أن يكون مثلما تريد أن يكون معك: ودًّا، وحباً، ورحمة، ساعده، وساعدْ نفسك حتى تحقِّقوا مراد الله من الزواج المبارك، وكن قدوة:(وخيرهما الذي يبدأ بالسلام)، هي حياتك، والجميع ناظر إليك، وإلى أسرتك، فكن خيرَ قدوة، وتحمَّلْ، وابدأْ، وخذْ زمام المبادرة، وعَلِّمْ أهل بيتك أنه لا غرور، ولا كبرياء بين الزوجين لأن المرء لا يغتر، ولا يستكبر على ذاته، وعلى جسده، وخصوصا إذا كان جسده الثاني هو زوجته الحنون، أم ولده، وقرينةُ عمره، من سكبت مهجتها بين يديه عن طيب خاطر، ومحض مزاج، وهي ترنو إلى السعادة أن تظل قابعة في بيتها، لا تروم ولا تحول، ولا تزول، وتأتي على نفسها كثيرًا، وتأمل في الحياة الراقية، مع زوج كريم معطاء، يتمتع بخلق سام، وكرم كبير، فلا تتصيَّد الأخطاء للطرف الثاني، ولا تسطِّر له قائمة سوداء لتقنع نفسك أنه هو السبب، وهو المخطئ، ولا مخطئَ سِوَاهُ، واعلم أن هذا الطريق مسدود، وكله عثرات وحجارة، وحفر، وفجوات، في حين أنه يوجد أمامنا طرق أخرى سهلة، وسلسة، وجميلة نستطيع، وبكل سهولة، أن نسير فيها، ونحن سعداء (لو أردنا هذا بصدق، ورجونا بحق).حقيقة هذا الموضوع سهل جدا لمن يحب أن يراه سهلا، لكن لو لم يُرِد ًالإنسان تغيير قناعته، ولا أن يجتهد في أن يصبح هو شخصيًّا سعيدًا، فلو كتبت ملايين المقالات، فلن يؤثر فيه، ولا تحرك فيه ساكنا، ولا توقظ فيه وازعًا، اعلم علم اليقين أنه عندما أكون كزوجة سعيدة فإن ذلك سينعكس هذا على الزوج، وسينعكس بلا شك على الأولاد، وسيعود خيره على الأهل، وعلى كلِّ المحيطين بهم، واعلمْ كذلك أنه لو سعد الزوج، وبَادَلَها السعادة، فإن ذلك سينعكس هذا على الزوجة، وسينعكس على الأولاد، وسيعود أيضاً الأهل وكل المحيطين بهم.فكروا فيما لو حرص كلٌّ منَّا على سعادة الآخر، فهل سيكون هناك تعيس؟! .. الحمد لله على نعمة الزواج الصالح، والشكر لله على حسن الاستجابة من الجميع، وحقاً:(نفهم صحْ، نعيش صحْ).مها محمد البشير حسين نافعكاتبة مصرية