(دراسة للأخطاء الإملائية الشائعة وبيان صوابها وضوابطها) (4)نتحدث هنا عمَّا يقع من أخطاء إملائية في رسم الهمزة المتطرفة، وهي تلك الهمزة التي تقع في آخر أو في طرف الكلمة، ولا يأتي بعدها أيُّ حرفٍ، وتسمَّى عند علماء الرسم الإملائي بالهمزة المتطرفة (أي: الواقعة في طرف الكلمة أو نهايتها)، ولعل من الخير هنا أن نورد ضابطها الإملائي قبل أن نشرع في بيان الأخطاء التي تَرِدُ من الكتاب في رسمها ليكون ذلك أدعى لفهمها، وعدم تكرار الخطأ في رسمها، وتجاوز كل رسم مخالف لتلك القاعدة أو لذلك الضابط، وبيان الصواب اللغوي فيها، وضابط تلك الهمزة المتطرفة هو: أنها تكتب في آخر الكلمة على الحرف الذي يناسب حركة الحرف الذي قبلها فقط، دون نظر إلى حركتها حتى وإن كانت أقوى من حركة ما قبلها، وأقوى الحركات ـ كما سبقت الإشارة إليه ـ الكسر (وتناسبه الياء)، ويليه الضم (وتناسبه الواو)، ويليه الفتح (وتناسبه الألف)، ويليه السكون، (وتناسبه أن تكتب الهمزة مفردة على السطر)، ومثال تلك الهمزة المتطرفة ما يأتي:(مبطئ ـ جرؤ ـ يتباطأ ـ حياء ـ عبء ـ ينبئ ـ امرؤ ـ يكلأ ـ ينوء ـ يسوء ـ يشاء ـ شيْء ـ فيْء ـ نشْء ـ عبْء ـ وطْء) .. ونحوها ممَّا قبل آخره حرف صحيح ساكن، أو حرف معتل كما هو الحال في تلك الكلمات الواردة بين القوسين.وخلاصة هذا الضابط، وتيسيره مشروحًا، من خلال التمثيل، والتوضيح فيما يأتي: كتابة الهمزة في آخر الكلمة على ألف، وخلاصته أنه: إذا كان ما قبلها مفتوحاً مخففاً أو مشدداً نحو:(قرأ ـ لجأ ـ ملجأ ـ صدأ ـ يملأ ـ يتبوَّأ ـ مهيَّأ ـ عبَّأ الجيش ـ يتباطَأ ـ نشأ ـ تبرأ ـ يتبرأ ـ يقرأ ـ يبدأ ـ مبتدأ ـ مرفأ ـ يدرأ ـ الخطأ ـ الملأ ـ املأ ـ جزّأ ـ أنبأ ـ لن يهنأ ـ هيأ ـ رأيت امرَأ القيس). وأما كتابة الهمزة في آخر الكلمة على ياء فيكمن في أنه: إذا كان ما قبلها مكسوراً، فمثل:(منشِئ ـ برِئ ـ مبتدئ ـ قارِئ ـ لم يجِئْ ـ يبتدِئ ـ يجترِئ ـ ملاجِئ ـ لآلِئ ـ موطِئ قدم ـ البارِئ ـ يلألِئ ـ بادِئ ـ يخطِئ ـ مُلْجِئ ـ ظَمِئَ ـ متبرِّئ ـ شاطِئ).وأما كتابة الهمزة في آخر الكلمة على واو فخلاصته أنه: إذا كان ما قبلها مضموما مثل: (لؤلؤ ـ التباطؤ ـ هزؤ ـ وضؤ ـ يجرؤ ـ جرؤ ـ بؤبؤ ـ جؤجؤ ـ التقيؤ ـ التهيؤ ـ التواطؤ).وأما كتابة الهمزة في آخر الكلمة مفردة (على السطر) فيكون وفق الضابط الآتي: تكتب الهمزة من غير أن تُصوَّر بحرف من الأحرف الثلاثة، بل توضع على السطر في محلها ـ في موضعين: أ) إذا كان ما قبلها ساكناً مطلقاً (أي سواء أكان حرفاً صحيحاً ساكناً أم حرف علة) نحو:(جزء ـ برء ـ دفء ـ وطء ـ نشء ـ شيء ـ ملء ـ كفء ـ المرء ـ جزاء ـ صفاء ـ هناء ـ كساء ـ بناء ـ وعاء ـ عزاء ـ عواء ـ ماء ـ وفاء ـ سفهاء ـ يسوء ـ ينوء ـ سوء ـ يبوء ـ ضوء ـ جريء ـ بريء ـ يضيء ـ دنيء ـ رديء ـ هنيء ـ بطيء).ب) أن يكون ما قبلها واوا مشددة مضمومة نحو:(التبوُّء)، لكن هناك كلمات تعامل معاملة الهمزة المتوسطة، وفي الوقت نفسه تعامل معاملة الهمزة المتطرفة، وهي الكلمات التي نسميها التطرف العارض، أو الهمزة المتطرفة عرضاً، ويفرق أهل الرسم الإملائي بين العارض منها في الفعل، والعارض منها في الاسم على التفريق الآتي: وضابط الهمزة المتوسطة عَرَضًا في الأفعال أو التي نَعُدُّها قد أتت بصورة غير أصلية فيها هو: أنه إذا كانت هذه الهمزة العارضة قد وردت في الأفعال فيجوز فيها الوجهان، حيث يمكن أن نعتبرها همزة متوسطة، فنعاملها معاملة الهمزة المتوسطة (فنقارن بين حركتها وحركة ما قبلها، ونرسمها على الحركة الأقوى)، وإما أن نعاملها معاملة الهمزة المتطرفة (فلا نراعي إلا حركة ما قبلها فقط)، فإذا عاملناها معاملة الهمزة المتوسطة، فننظر إلى حركة الهمزة نفسها، وحركة الحرف الذي يسبق الهمزة، ونكتب الهمزةَ على ما يناسب الحركة الأقوى منهما، أما إذا عاملناها معاملة الهمزة المتطرفة، فنكتبها على حسب حركة الحرف الذي يسبق الهمزة دون مراعاة لحركتها هي، مهما كانت قوتها، أو موقعها الإعرابي، أو وظيفتها النحوية.مثال ذلك: الفعل (بدَأَ)، فيرسم عند إضافته إلى (واو الجماعة) برسمين اثنين؛ فقد نكتبه بهذا الشكل: (بدَؤُوا) لأن حركة الهمزة هي الضمة، وحركة ما قبلها هي الفتحة، والضمة أقوى من الفتحة، فيناسب الضم أن ترسم على الواو؛ فكتبت على واو:(بدؤوا)، فعاملنا هذه الهمزة مع أنها متطرفة معاملة المتوسطة؛ لكونها متطرفة عرضًا، وهذه هي قاعدتها، وقد تكتب هكذا (بدأُوا) على الألف، على اعتبار كونها متطرفة؛ فتكتب على حسب حركة الحرف الذي يسبقها فقط، دون نظر إلى الضمير الذي بعدها لكونهم يعدونه كلمة أخرى، وفما يسبقها من حركة هي الفتحة، ويناسب الفتح الألف، فترسم على الألف، تمامًا كما لو لم يكن الضمير قد لحقها وأسْنِد إليها.وضابط الهمزة المتوسطة عَرَضًا في الأسماء هو: أنه إذا دخل هذا العارض على الأسماء، وليس الأفعال فإننا نعاملها معاملة الهمزة المتوسطة فقط دون جواز معاملتها معاملة المتطرفة، أي: أن هذه الهمزة تتأثر لكونها وسط الكلمة، وإن كانت عارضة في الظاهر، مثل: (هذا جزاؤُك ـ وذلك خطَؤُك ـ وذاك عبْؤُهم). ففي كلمة (جزاء) تُكتب الهمزة على السطر لأنها سُبقت بساكن، ولكنها هنا تأثرت بدخول العارض عليها، وهو الكاف، فجعلها متوسطة، لذلك راعينا حركة الهمزة، والحركة التي تسبقها، فالهمزة مضمومة لأنها خبر المبتدأ، والحركة التي تسبق الهمزة هي السكون، والضمُّ أقوى من السكون، فناسب أن يكتب على واو، وكذا لو قلنا: (حاسبناه على خطَئِه) ترسم على نبرة لكونها مكسورة إثر فتح، والكسر أقوى، فيناسبه الياء، ونحو عليه أن يتحمل خطأه) رسمت على الألف لكونها مفتوحة إثر فتح، فتساويا في الحركة، فرسمت على الألف التي تناسب الفتحة، وهكذا. والأصل في كلمة (خطأ) أن الهمزة المتطرفة فتكتب على ألف، لكنْ عندما دخلها العارض جعل الهمزة متوسطة، فكتبت الهمزة على الواو؛ لأن الهمزة مضمومة، وما قبلها مفتوح، والضم أقوى من الفتح، فتكتب على واو:(خطَؤُك)، ومثلها:(هذا جزاؤك على ما قدمت من عمل ممتاز، رحلة عمرة في رمضان المبارك، وهذا جزاؤه على تقصيره، وتأخيره في بحثه، وتحملت عبْأه سنوات، وشأنُ عِبْئِه كبير).ويقال: نحو من ذلك في كلمة (عبْء) حيث تُكتَب الهمزة على السطر في الأصل لكونها متطرفة، ولكن لما دخل عليها العارض، وهو هنا الضمير (هم)، أصبحت الهمزة متوسطة عرضًا، فيتحول حكمها ورسمها إلى:(عبْؤُهم)، والهمزة جاءت مضمومة، والباء ساكنة، والضم أقوى من السكون، والضم يناسبه الواو فكتبت على واو، وهكذا تعامل في الأسماء، فتختلف عن معاملتها في شأن الأفعال.هذا، ونواصل حديثنا حول الصواب اللغوي، وما يمكن أن نحترز به من أخطاءٍ قد تقع منا سهوًا أو جهلًا بقاعدتها وضابطها الإملائي في اللقاء القادم، والله الموفق، والهادي إلى سواء السبيل، والحمد لله الذي بنعمته تتمُّ الصالحات، وصلى الله وسلم، وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله، وصحبه وسلم. د جمال عبد العزيز أحمد جامعة القاهرة ـ كلية دار العلوم بجمهورية مصر العربية [email protected]