إن الإسلام أمر بالتعاون والتلاحم والتراحم خاصة بين الأرحام والأقارب، يقول الله تعالى: (وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّـهِ إِنَّ اللَّـهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (الأنفال ـ 75)، ويقول النبي الكريم (صلى الله عليه وسلم):(الصَّدَقَةُ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ، وعلى ذي الرحم اثْنَتَانِ صِلَةٌ وَصَدَقَةٌ) (رواه الترمذي، رقم الحديث: 658)، وقال الترمذي: حديث حسن.من عظيم ما أتى به الإسلام أن الأسرة فيه لا تقف عند حدود الوالدين وأولادهما، بل تَتَّسع لتشمل ذوي الرحم وأُولِي القربى من الإخوة والأخوات، والأعمام والعمَّات، والأخوال والخالات، وأبنائهم وبناتهم، فهؤلاء جميعًا لهم حقُّ البِرِّ والصِّلَة التي يحثُّ عليها الإسلام، ويَعُدُّهَا من أصول الفضائل، ويَعِدُ عليها بأعظم المثوبة، كما يَتَوَعَّدُ قاطعي الرحم بأعظم العقوبة، فمَنْ وَصَلَ رحمه وَصَلَهُ الله، ومَنْ قَطَعَهَا قَطَعَهُ الله، فصلة الرحم واجبة من الواجبات الشرعية، وقطيعة الرحم كبيرة من كبائر الذنوب.إن صلة الرحم تكون بحسب الاستطاعة، يقول الله تعالى:(فَاتَّقُوا اللَّـهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) (التغابن ـ 16)، ويقول النبي (صلى الله عليه وسلم):(إذا أمرتكم بشئ فاتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شئ فانتهوا) (رواه الربيع، رقم الحديث: 364)، و(البخاري، رقم الحديث: 6288)، و(مسلم، رقم الحديث: 1337).وَصِلَةُ الرحم تعني الإحسان إليهم وإيصال ما أمكن من الخير لهم، ودفع ما أمكن من الشرِّ عنهم فتشمل زيارتهم والسؤال عنهم، وتَفَقُّدِ أحوالهم، والإهداء إليهم، والتصدُّق على فقيرهم، وعيادة مرضاهم، وإجابة دعوتهم، واستضافتهم، وإعزازهم وإعلاء شأنهم، وتكون أيضًا بمشاركتهم في أفراحهم، ومواساتهم في أتراحهم، وتكون صلة الرَّحِم والاطمئنان عليهم بالسَّلام من خلال الأشخاص أو الهاتِف أو الرسائل إذا لم تتيسَّر الزِّيارة.فصلة الرحم باب خير عميم ونافذة بر واسعة فيها تتأكَّد وَحْدَة المجتمع الإسلامي وتماسكه، وتمتلئ نفوس أفراده بالشعور بالراحة والاطمئنان، إذ يبقى المرء دومًا بمنأى عن الوَحْدَة والعُزْلَة، ويتأكَّد أن أقاربه يُحِيطُونَه بالمودَّة والرعاية، ويمدُّونه بالعون عند الحاجة. والأرحام درجات فصلتهم تختلف باختلاف درجاتهم بمعنى أن الأرحام يختلفون بحسب قربهم وبعدهم من الشخص، البعد النَسَبي والبعد المكاني، فالرحم القريب نسباً أولى بالصلة من الرحم البعيد نسباً، والرحم القريب مكاناً أولى بالصلة من الرحم البعيد مكاناً.أمر الله تعالى بصلة الأرحام والإحسان إليهم، ونهى وحذر من قطيعتهم، يقول الله تعالى: (وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ)، ويقول تعالى:(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) (النساء ـ 1)، ويقول سبحانه:(فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ) (محمد ـ 23).وجاء في الحديث القدسي الذي رواه عبدالرحمن بن عوف ـ رضي الله عنه ـ قال:(سمعتُ رسول الله يقول: قال الله: أَنَا الرَّحْمَنُ وَهِيَ الرَّحِمُ، شَقَقْتُ لَهَا اسْمًا مِنَ اسْمِي، مَنْ وَصَلَهَا وَصَلْتُهُ، وَمَنْ قَطَعَهَا بَتَتُّهُ) (رواه الترمذي، رقم الحديث: 1907)، و(أبو داود، رقم الحديث: 1694)، و(ابن حبان، رقم الحديث :443)، و(البخاري في الأدب المفرد، رقم الحديث: 53).ومعنى (بتته) أي: قطعته. وقطيعة الله تعالى تعني غضبه وسخطه وانتقامه وعذابه، كما وردت أحاديث نبوية كثيرة فيها الأمر بصلة الرحم وبيان ثواب الواصل والنهي عن قطيعة الرحم وبيان عقاب القاطع منها ما يلي: روى الإمام الربيع عن جابر بن زيد ـ رحمهما الله تعالى ـ عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال:(قال ربكم خلقت الجنة عرضها السماوات والأرض وأقسم ربنا لا يدخلها قاطع لرحمه ولا مدمن خمر ولا ديوث) (رقم الحديث: 962)، والديوث الذي يقود أهله، وفي حديث آخر رواه الإمام الربيع عن أبي عبيدة عن جابر بن زيد ـ رحمهم الله تعالى ـ قال:(بلغنا عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: قال الله تعالى: من وصل رحمه فقد وصلني، ومن قطع رحمه فقد قطعني) (رقم الحديث ـ 735) .. وللحديث بقية.يوسف بن إبراهيم السرحنيخبير بوزارة التعليم العالي