الْحَمْدُ للهِ مُصَرِّفِ الأُمُورِ وَالأَقْدَارِ، وَمُكَوِّرِ اللَّيْـلِ عَلَى النَّهَارِ، وَنَشْهَدُ أَن لاَّ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَريكَ لَهُ، جَعَلَ شَهْرَ رَمَضَانَ لِلْبَرَكَاتِ مَنْزِلاً، وَلِلفَضَائِلِ مَوْطِنًا وَمَحَلًّا، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، كَانَ يَصُومُ فِي شَعْبَانَ استِعْدَادًا لِشَهْرِ رَمَضَانَ، (صلى الله عليه وسلم) وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، الَّذِينَ كَانَ هَمُّهُمُ استِغْلالَ الأَوْقَاتِ، وَعَلَى كُلِّ مَنْ سَارَ عَلَى نَهْجِهِمْ وَاقْتَفَى أَثَرَهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ، فَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي ـ عِبَادَ اللهِ ـ بِتَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَـ(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) (الحشر ـ 18)، وَاعلَمُــوا ـ رَحِمَكُمُ اللهُ ـ أَنَّ فِي تَعَاقُبِ اللَّيَالِي وَالأَيَّامِ لآيَاتٍ وَعِبَرًا، سَاعَاتٌ تَمُرُّ، وَأَعْمَارٌ تَنْقَضِي، وَمَوَاسِمُ وَأَفْلاكٌ تَدُورُ، يَقُولُ سُبْحَانَهُ:(وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا) (الفرقان ـ 62)، وَمَا الأَيَّامُ ـ عِبَادَ اللهِ ـ إِلاَّ مَطَايَا تَأْخُذُنَا مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ، وَتُبَاعِدُنَا مِنْ دَارِ الْمَمَرِّ إِلَى دَارِ الْمُسْـتَقَرِّ، جَاءَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ قَوْلُهُ:)يَا ابنَ آدَمَ: إِنَّمَا أَنْتَ أَيَّامٌ، كُلَّمَا مَضَى مِنْكَ يَوْمٌ مَضَى بَعْضُكَ(، فَنَسْـأَلُ اللهَ خَيْرَ الْعَمَلِ وَحُسْنَ الْخَوَاتِيمِ.

إِنَّنَا نَقْتَرِبُ ـ إِخْوَةَ الإِيمَانِ ـ فِي أَيَّامِنَا هَذِهِ مِنْ مَوْسِمٍ جَلِيلٍ قَدْرُهُ، عَظِيمَةٍ بَرَكَتُهُ، رَائِجَةٍ تِجَارَتُهُ، مَوْسِمٍ حَرَصَ عَلَى استِغْلالِهِ الْمُخْـلِصُونَ، وَتَنَافَسَ فِي مِضْمَارِهِ الْمُؤْمِنُونَ، (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ..)، إِنَّهُ فُرْصَةٌ لإِصْلاحِ النُّفُوسِ وَاكتِسَابِ الْمَحَامِدِ وَالْبُعْدِ عَنِ الرَّذَائِلِ وَالْمَفَاسِدِ بِهِ تُغْفَرُ الذُّنُوبُ وَتُكَفَّرُ السَّيِّـئَاتُ وَتُنَالُ الْحَسَنَاتُ، يَقُولُ رَسُولُكُمُ الْكَرِيمُ (صلى الله عليه وسلم):(مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْـتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ)، إِنَّهُ شَهْرُ إِجَابَةِ الدَّعَوَاتِ وَالْفَوْزِ بِالْهِبَاتِ، فَفِي الْحَدِيثِ عَنْ رَسُولِ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) قَالَ:(ثَلاثَةٌ لا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ: الصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ، وَالإِمَامُ العَادِلُ، وَدَعْوَةُ المَظْـلُومِ)، إِنَّ فِي رَمَضَانَ مِنَ الأُجُورِ الْعَظِيمَةِ مَا لا يَعْـلَمُهُ إِلاَّ اللهُ، فَفِي الْحَدِيثِ الْقُدُسِيِّ:(إِلاَّ الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْـزِي بِهِ).

أَيُّهَا النَّاسُ:
إِنَّكُمْ جَمِيعًا ـ لا شَكَّ ـ تُدْرِكُونَ مَا لِرَمَضَانَ مِنْ فَضْـلٍ وَمَنْزِلَةٍ، فَنُفُوسُكُمْ جَمِيعًا إِلَيْهِ تَهْـفُو، وَقُلُوبُكُمْ بِشُهُودِهِ مُعَلَّقَةٌ، لَقَدْ بَدَأَ الْحَدِيثُ عَنْهُ يَحُلُّ بِمَجَالِسِكُمْ، وَصَارَ الاستِعْدَادُ لَهُ يَأْخُذُ نَصِيبًا مِنْ أَوقَاتِكُمْ وَأَعْـمَالِكُمْ، فَهَنِيئًا لَكُمْ هَذَا التَّعَلُّقُ بِشَهْرِ اللهِ الفضيل، وَهَنِيئًا لَكُمْ تَعْـظِيمُ مَا عَظَّمَهُ رَبُّكُمْ سُبْحَانَهُ، (ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّـهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ) (الحج ـ 32)، لَكِنَّ السُّؤَالَ الَّذِي عَلَيْـنَا الإِجَابَةُ عَنْهُ ـ أَيُّهَا الأَحِبَّةُ ـ هُوَ: هَلْ أَحْسَنَّا الاستِعْدَادَ لِرَمَضَانَ حَقًّا؟ أَمْ أَنَّ استِعْدَادَنَا كَانَ استِعْدَادًا لِرَغَبَاتِنَا وَاهتِمَامَاتِنَا لا لِصَوْمِنَا وَشَهْرِنَا؟ إِنَّ هُنَاكَ حَرَاكًا استِثْنَائِيًّا مَلْحُوظًا كُلَّمَا لاحَتْ بَشَائِرُ الشَّهْرِ وَاقتَرَبَ حُلُولُهُ، حَرَاكًا فِي جَمِيعِ الْمَجَالاتِ التِّجَارِيَّةِ وَالرِّيَاضِيَّةِ وَالإِعْلامِيَّةِ وَالْفِكْرِيَّةِ، غَيْرَ أَنَّ بَعْضًا مِنْ سَعْيِ النَّاسِ فِي تِلْكَ المَجَالاتِ هُوَ سَعْيٌ مُجَانِبٌ لِلأَفْضَلِيَّةِ، مُخَالِفٌ لِلخَيْرِيَّةِ، مُفَوِّتٌ لِبَرَكَاتِ هَذِهِ الْهِبَةِ الرَّبَّانِيَّةِ.

عِبَادَ اللهِ:
يَظُنُّ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ رَمَضَانَ مَوْسِمُ كَثْرَةِ الطَّعَامِ وَأَنْوَاعِ الشَّرَابِ، مَوْسِمُ الْوَلائِمِ الْمَمْدُودَةِ، وَالْمَآدِبِ الْمَشْهُودَةِ؛ لِذَا تَرَاهُمْ يَجْـتَهِدُونَ فِي شِرَاءِ أَصْـنَافِ الطَّعَامِ الْمُتَعَدِّدَةِ، وَاقْتِنَاءِ الأَوَانِي الْمُتَنَوِّعَةِ، فِي حَرَكَةٍ شِرَائِيَّةٍ مَحْمُومَةٍ تَشْهَدُهَا أَسْوَاقُهُمْ، حَتَّى إِنَّ الفَرْدَ مِنْهُمْ لَرُبَّمَا ضَاقَ كِيسُهُ عَنْ تَلْبِيَةِ مُبْـتَغَاهُ، وَقَلَّ دَخْـلُهُ عَنْ تَحْـقِيقِ مُنَاهُ، فَيَطْرُقُ أَبْوَابَ الْمُحْسِنِينَ، وَيَلُوذُ بِفَضْـلِ الْمُقْرِضِينَ، حَتَّى إِذَا حَلَّ الشَّهْرُ بَدَؤُوا سِبَاقًا مَحْمُومًا بَيْنَ رَغْبَةِ الْبُطُونِ وَضِيقِ الأَوقَاتِ، بَيْنَ شَهْوَةِ الطَّعَامِ وَخَشْيَةِ الْفَوَاتِ، وَلا يَزَالُ ذَلِكَ حَالَهُمْ حَتَّى تَأْذَنَ شَمْسُ شَهْرِهِمْ بِالغُرُوبِ، فَيَنْقَضِي الشَّهْرُ وَقَدْ مَرُّوا عَلَى أَصْـنَافٍ شَتَّى مِنَ الأَطْبَاقِ الرَّمَضَانِيَّةِ، كَانَ لِلتُّخَمَةِ فِيهَا حُضُورٌ بَيْـنَمَا غَابَ عَنْهَا (بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ لُقَيْمَاتٌ)، وَكَانَ لِلإِسْرَافِ وَالتَّبْـذِيرِ فِيهَا نَصِيبٌ بَيْنَمَا غَابَ عَنْهَا قَوْلُ رَبِّ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتِ:(وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) (الأعراف ـ 31)، إِنَّ لِلفَرْدِ أَنْ يَتَمَتَّعَ ـ عِبَادَ اللهِ ـ بِمَا رَزَقَهُ اللهُ مِنْ طَيِّبِ الطَّعَامِ وَلَذِيذِ الْعَيْـشِ فِي أَيِّ وَقْتٍ أَرَادَ، وَكَيْـفَمَا شَاءَ، (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّـهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (الأعراف ـ 32)، لَكِنْ عَلَى الْمَرْءِ أَنْ يَحْـذَرَ مِمَّا لا يُرْضِي رَبَّهُ فَإِنَّهُ مَهْـلَكَةٌ، وَأَنْ يَبْـتَعِدَ عَنِ الإِسْرَافِ فَإِنَّهُ مَفْسَدَةٌ، وَأَنْ يَحْرِصَ عَلَى إِعَانَةِ إِخْوَانِهِ مِمَّنْ لا يَجِدُونَ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ مَا يَجِدُ، وَلا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَحْصُرَ فَضْـلَ الشَّهْرِ الْمُبَارَكِ فِي لَذِيذِ مَا يُدْخِلُهُ إِلَى بَطْنِهِ، فَإِنَّ فَضْـلَهُ أَشْرَفُ مِنْ ذَلِكَ وَأَسْمَى، وَمَنْزِلَتَهُ أَعْـظَمُ وَأَعْـلَى.

يَا أَهْـلَ التَّقْوَى وَالصَّلاحِ:
لَقَدْ بَدَأَ جَمْعٌ مِنَ النَّاسِ استِعْدَادَهُمْ لِلأَنْشِطَةِ الرِّيَاضِيَّةِ وَالفَعّالِيَّاتِ الشَّبَابِيَّةِ الَّتِي سَتَنْطَلِقُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ الفضيل، لَكِنْ عَلَى أَمْـثَالِ هَؤُلاءِ المُجِدِّينَ أَنْ لا يَغْفُلُوا أَنَّ شَهْرَ رَمَضَانَ شَهْرُ طَاعَةٍ وَعِبَادَةٍ، شَهْرُ رَحْمَةٍ وَغُفْرَانٍ، شَهْرُ مُسَابَقَةٍ فِي الطَّاعَاتِ وَالْخَيْرَاتِ، يَصِفُ اللهُ تَعَالَى قِصَرَ مُدَّتِهِ بِقَوْلِهِ:(أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ..) (البقرة ـ 184) فَأَيَّامُهُ قَلِيلَةُ الْعَدَدِ سَرِيعَةُ الذَّهَابِ؛ فَلْيَحْـذَرُوا مِنْ أَنْ يَتَسَلَّلَ إِلَى أَنْشِطَتِهِمْ مَحْـظُورٌ، أَوْ أَنْ يَقَعُوا فِي مَمْـنُوعٍ، كَمَا أَنَّ عَلَيْهِمْ أَنْ يَحْـذَرُوا مِنْ فَوَاتِ فَضْـلِ شَهْرِهِمْ وَتَضْيِيعِ خَيْرِهِ وَبَرَكَتِهِ، لِيَجْعَلُوا ضِمْنَ أَنْشِطَتِهِمْ لأَرْوَاحِهِمْ فِيهِ نَصِيبًا، وَلِطَاعَاتِهِمْ فِيهِ حَظًّا، وَلْيُحَافِظُوا عَلَى الأَوقَاتِ بِتَنْظِيمِهَا، وَلْيَحْرِصُوا عَلَى أَدَاءِ العِبَادَاتِ فِي حِينِهَا، وَمِمَّا يَنْبَغِي لِلعُقَلاءِ أَنْ يَنْـتَبِهُوا لَهُ كَذَلِكَ ـ وَهُمْ يَسْـتَعِدُّونَ لاستِقْبَالِ شَهْرِهِمْ ـ دَوْرُ التِّلْفَازِ وَالأَجْهِزَةِ الشَّخْصِيَّةِ الْحَدِيثَةِ فِي استِغْلالِ بَرَكَةِ الشَّهْرِ سَلْبًا وَإِيجَابًا، فَمَعَ مَا تَحْوِيهِ هَذِهِ الأَجْهِزَةُ مِنْ بَرَامِجَ مُفِيدَةٍ تَهْـتَمُّ بِفِقْهِ الصِّيَامِ وَتَهْـذِيبِ السُّلُوكِ وَنَشْرِ الوَعْيِ، إِلاّ أَنَّهُ يَنْبَغِي الْحَذَرُ مِنْ أَنْ تُهْدَرَ أَمَامَهَا الأَوقَاتُ، أَوْ أَنْ يُسَاءَ استِعْمَالُهَا فَتَهُدَّ مِنَ الْخُلُقِ أَرْكَانَهُ، وَتُفْسِدَ مِنَ الصِّيَامِ بُنْيَانَهُ.
فَاتَّقُوا اللهَ ـ أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ ـ وَاستَعِدُّوا لِشَهْرِكُمْ كَمَا أَرَادَ رَبُّكُمْ، لِتَتَجَنَّبُوا كُلَّ نَوْعٍ مِنَ الإِسْرَافِ وَالتَّبْـذِيرِ، وَلْتَجْعَلُوا استِعْدَادَكُمُ استِعْدَادَ الْعُقَلاءِ الْعَارِفِينَ، تُرَكِّزُونَ عَلَى الْمَكَارِمِ، وَتُرَاعُونَ الْفَضَائِلَ، وَتُقَدِّرُونَ لِلشَّهْرِ مَنْزِلَتَهُ.

أقُولُ قَوْلي هَذَا وَأسْتغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لي وَلَكُمْ، فَاسْتغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ، وَادْعُوهُ يَسْتجِبْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ البَرُّ الكَرِيْمُ.
الْحَمْدُ للهِ، وَنَشْهَدُ أَن لاَّ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَريكَ لَهُ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، (صلى الله عليه وسلم) وَعَلَى آلِهِ وَصَحْـبِهِ وَمَنْ وَالاهُ.
أَمَّا بَعْدُ، فَاعلَمُوا ـ عِبَادَ اللهِ ـ أَنَّ مِمَّا يُعِينُ عَلَى حُسْنِ الإِعْدَادِ لِرَمَضَانَ إِدْرَاكَ حَقِيقَةِ الشَّهْرِ وَعَظِيمِ فَضْـلِهِ، فَصُورَةُ رَمَضَانَ فِي ذِهْـنِكَ هِيَ الَّتِي تُحَدِّدُ لَكَ مَسَارَ الاستِعْدَادِ لَهُ، وَطَرِيقَ استِغْلالِ أَوقَاتِكَ فِيهِ، فَالَّذِي يَتَصَوَّرُ رَمَضَانَ عَلَى أَنَّهُ شَهْرُ لَذِيذِ الطَّعَامِ وَطَيِّبِ الشَّرَابِ تَجِدُهُ يُعِدُّ لِرَمَضَانَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ، وَالَّذِي لا يَتَصَوَّرُ رَمَضَانَ إِلاَّ أَنَّهُ شَهْرُ الأَنْشِطَةِ الرِّيَاضِيَّةِ تَجِدُ أَنَّهُ يَسْـتَعِدُّ لَهُ وَفْقَ ذَلِكَ، وَمَنْ لا يُدْرِكُ مِنَ الشَّهْرِ غَيْرَ أَنَّهُ شَهْرُ الدَّعَةِ وَالرَّاحَةِ تَجِدُهُ يُعِدُّ لَهُ أَسْبَابَ رَاحَتِهِ وَدَعَتِهِ، إِنَّ حَقِيقَةَ رَمَضَانَ أَعْـظَمُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَمَنْزِلَتَهُ عِنْدَ اللهِ مَنْزِلَةٌ عَلِيَّةٌ، جَاءَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ أَنَّ رَسُولَ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) قَالَ:(قَدْ جَاءَكُمْ رَمَضَانُ، شَهْرٌ مُبَارَكٌ، افتَرَضَ اللهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، يُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ الجَنَّةِ وَيُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ الشَّيَاطينُ، فِيهِ لَيْـلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ)، إِنَّهُ الشَّهْرُ الَّذِي يَزْدَادُ كُلٌّ مِنَّا فِيهِ قُربًا مِنْ رَبِّهِ، شَهْرٌ تَسْمُو فِيهِ الرُّوحُ وَيَزْدَادُ فِيهِ أَثَرُ الإِيمَانِ لِذَا كَانَ مِنْ شَأْنِ الصَّالِحِينَ أَنْ يُكْثِرُوا مِنَ العِبَادَةِ وَالطَّاعَةِ وَقِرَاءَةِ القُرآنِ فِي شَهْرِ شَعْبَانَ، استِعْدَادًا لِرَمَضَانَ، حَتَّى إِذَا هَلَّ عَلَيْهِمْ شَهْرُهُ كَانَتْ نُفُوسُهُمْ لِمَزِيدِ الطَّاعَاتِ وَالقُرُبَاتِ قَد تَعَوَّدَتْ، فَيَكُونُ لَهُمُ الْفَضْـلُ الْعَظِيمُ وَالثَّوَابُ الْجَزِيلُ.

فَاتَّقُوا اللهَ ـ عِبَادَ اللهِ ـ اشْحَذُوا هِمَمَكُمْ فِيمَا بَقِيَ لَكُمْ مِنْ شَعْبَانَ لاستِقْبَالِ رَمَضَانَ بِنُفُوسٍ تَوَّاقَةٍ إِلَى الطَّاعَاتِ وَمُنْدَفِعَةٍ إِلَى فِعْـلِ القُرُبَاتِ.
هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى إِمَامِ المُرْسَلِينَ، وَقَائِدِ الغُرِّ المُحَجَّلِينَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاةِ وَالسَّلامِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيمًا:(إِنَّ اللَّـهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) (الاحزاب ـ 56).
اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ وسَلَّمْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيمَ، فِي العَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، وَعَنْ المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعًا مَرْحُومًا، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقًا مَعْصُومًا، وَلا تَدَعْ فِينَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُومًا.
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ وَالمُسْلِمِينَ، وَوَحِّدِ اللَّهُمَّ صُفُوفَهُمْ، وَأَجْمِعْ كَلِمَتَهُمْ عَلَى الحَقِّ، وَاكْسِرْ شَوْكَةَ الظَّالِمِينَ، وَاكْتُبِ السَّلاَمَ وَالأَمْنَ لِعِبادِكَ أَجْمَعِينَ.
اللَّهُمَّ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ يَا ذَا الجَلالِ وَالإِكْرَامِ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ بِكَ نَستَجِيرُ، وَبِرَحْمَتِكَ نَسْتَغِيثُ أَلاَّ تَكِلَنَا إِلَى أَنْفُسِنَا طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ، وَأَصْلِحْ لَنَا شَأْنَنَا كُلَّهُ يَا مُصْلِحَ شَأْنِ الصَّالِحِينَ.

اللَّهُمَّ رَبَّنَا احْفَظْ أَوْطَانَنَا وَأَعِزَّ سُلْطَانَنَا وَأَيِّدْهُ بِالحَقِّ وَأَيِّدْ بِهِ الحَقَّ يَا رَبَّ العَالَمِينَ، اللَّهُمَّ أَسْبِغْ عَلَيْهِ نِعْمَتَكَ، وَأَيِّدْهُ بِنُورِ حِكْمَتِكَ، وَسَدِّدْهُ بِتَوْفِيقِكَ، وَاحْفَظْهُ بِعَيْنِ رِعَايَتِكَ.
اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاءِ وَأَخْرِجْ لَنَا مِنْ خَيْرَاتِ الأَرْضِ، وَبَارِكْ لَنَا فِي ثِمَارِنَا وَزُرُوعِنَا وكُلِّ أَرْزَاقِنَا يَا ذَا الجَلالِ وَالإِكْرَامِ، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ، المُسْلِمِينَ وَالمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيعٌ قَرِيبٌ مُجِيبُ الدُّعَاءِ.
عِبَادَ اللهِ:(إِنَّ اللَّـهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (النحل ـ 90).