علي بن سالم الرواحي:عزيزي القارئ: البلاغة تتعلق ببلوغ الكلام إلى المتلقي كما يراد مع مراعاة مقتضى الحال، وهي تنقسم إلى ثلاثة علوم جزيئية هي علوم المعاني والبيان والبديع, والكلام هنا عن البيان والبديع.أولاً ـ علم البيان:1) التشبيه: يعرف التشبيه اصطلاحاً على أنه:عقد مماثلة بين شيئين أو أكثر, وارادة اشتراكهما في صفة أو أكثر بإحدى أدوات التشبيه لغرض يريده المتكلم، فإن قلت (زيد كالبحر في الجود), فقد ماثلت زيداً بالبحر في الجود, والغرض منك مدحه لكثرة عطائه أو استجداءه حتى يعطيك.والتشبيه يتركب من أربعة أركان، اثنان هما طرفا التشبيه وهما المشبه والمشبه به, والثالث أداة التشبيه كالكاف و(مثل) و(كأن) و(يشبه) و(يناظر) و(يحاكي)، والرابع وجه الشبه وهو صورة الشبه المشترك بين المتشابهين، وقد يستغنى التشبيه عن الأداة ووجه الشبه, فإذا ذُكِرت وجه الشبيه كان التشبيه مفصلاً, أو حّذِفت كان مجملاً, وإذا ذًكِرت أداة التشبيه كان مرسلاً, أو حُذِفت كان مؤكداً.فيتولد منها أربعة أنواع من التشبيه: التشبيه التام هو التشبيه المفصل المرسل حيث تم ذكر جميع أركانه فيه مثاله: زيد كالأسد في القوة، والتشبيه المجمل المرسل, مثاله: زيد كالأسد، والتشبيه المفصل المؤكد, مثاله: زيد أسد في القوة، والتشبيه البليغ وهو التشبيه المجمل المؤكد , فيذكر الطرفان فقط, ويبلغ فيها المشبه عين مستوى المشبه به , مثاله: زيد أسد.وقُسِّم التشبيه باعتبار صورة وجه الشبه, إلى تشبيه مفرد يكون في وجه الشه مفرداً, وإلى تشبيه مركب يكون وجه الشبه صورة متركبة من متعدد, ويضم المركب: التشبيه التمثيلي, والتشبيه الضمني, ويكون تعبير التشبيه الضمني غير تعبير التشبيه المألوف ـ ويسمى مقابل الضمني بالصريح ـ ولا تذكًر أداة التشبيه, وإنما يفهَم من السياق, ويفيد أن حكم المشبه به واقع في المشبه كذلك فهو دليل عليه.فمثال التشبيه الضمني, قول المتنبي:مَن يَهُن يَسهُلِ الهَوانُ عَلَيهِ ما لِجُرحٍ بِمَـيِّـتٍ إيلامُفلم يصرح بالتشبيه لا بالمشبه ولا بالمشبه به, وإنما أتى بصورة الميت لا يتألم دليلاً على صورة أن المهان يسهل الهوان عليه فلا يحس بالمهانة.ومثال التشبيه التمثيلي: قوله تعالى:(وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ) (الحج ـ 31)، فهنا تشبيه بحالة المشرك ليس له قراراً فشأنه إنه لا أصل يعتمد ويقف عليه في كفره, فهو شبيه بمن يسقط إلى الأسفل من السماء, ويكون مصيره أن تخطفه الطير فتمزقه أرباً, أو تصرفه الريح إلى مكان سحيق بعيد يصعب الوصول إليه, وهكذا يكون الحال للمشرك فقهو ساقط في الدنيا لا يدري ماذا يفعل أو يذر تائه غير مستقر, أما في الآخرة فيعذب بعذاب أكبر, فوجه الشبه عدم الاعتماد على شئ والتيه والتخبط وعدم الحماية الإلهية والسقوط حيث المصير السيئ جداً.وفائدة التشبيه هو زيادة المعنى وضوحاً مع الإيجاز, حيث يوضِّح حال المشبه وتقريره في الذهن، ويبين الجانب النادر فيه الذي يثير الدهشة مما يستجدي الاذهان، وسر جمال التشبيه هو تجسيم المعنى بشيء مجسم, وتشخيص غير العاقل إلى عاقل, كتشبيه الحيوان بالإنسان, وفيما عدا هذين يكون التوضيح. 2) الاستعارة: كذلك يحتوي على استعارة, والاستعارة تشبيه مخذوف منه المشبه أو المشبه به, لذا لا أن يحذف المشبه به أو المشبه أو كليهما من التشبيه لأن بذلك يتحول تلقائياً إلى استعارة, وأركان الاستعارة ثلاثة: المستعار منه وهو المشبه به, والمستعار له وهو المشبه, والمستعار, وهو لفظ الاستعارة, وهي لا تحتوي على أداة التشبيه ولا على وجه الشبه لأنها قائمة على اعتبار المشبه عين المشبه به.ومن أقسام الاستعارة:(1) الاستعارة التصريحية حيث يصرح بالمستعار منه, (2) الاستعارة المكنية حيث يكنّى ـ أي لا يُذكرـ عن المستعار منه بشئ من لوازمه, فالأولى كقوله تعالى:(اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّور) (البقرة ـ 257), فاستعار للكفر من الظلمات واستعار للإيمان من النور, والثانية كقوله سبحانه:(وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا) (مريم ـ 4)، حيث لم يذكر النار بل ذكر الاشتعال وهو من لوازمها، (3) الاستعارة التمثيلية وهي تركيب تشبيهي يذكَر المستعار منه, ويحذف المستعار له, وفي هذا التركيب يوجد مانع من إرادة المعنى الأصلي ـ وهو المستعار منه ـ الوارد في السياق, ويكون عادةً اللفظ المستعار عبارة عن مثل للمستعار له, مثاله:(لكل جواد كبوة) في التعليق على من أخطأ في شئ وهو نادر خطأه, فلا يعقل إن المراد بالحديث أن جواداً قد كبى .. وإنما استعير ذلك للذكي الخاطئ.