الْحَمْدُ للهِ الَّذِي تَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ، وَتَنَزَّهَتْ ذَاتُهُ، وَعَظُمَتْ آلاؤُهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، أَسْرَى بِعَبْدِهِ مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى، وَأَرَاهُ مِنْ آيَاتِهِ الكُبْرَى، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ النَّبِيُّ الْمُصْطَفَى، (صلى الله عليه وسلم) وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أُولِي النُّهَى، وَعَلَى التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الجَزَاءِ الأَوْفَى.
أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي ـ عِبَادَ اللهِ ـ بِتَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَاتَّقُوا اللهَ وَرَاقِبُوهُ، وَامتَثِلُوا أَوَامِرَهُ وَلا تَعْصُوهُ، (.. وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّـهَ وَإِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّـهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّـهُ غَنِيًّا حَمِيدًا) (النساء ـ 131).
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ:
مَا أَعْـظَمَ آيَاتِ اللهِ الْبَاهِرَةَ، وَمَا أَجَلَّ آلاءَهُ الظَّاهِرَةَ، إِنَّ عَلامَاتِ قُدْرَتِهِ سُبْحَانَهُ فِي هَذَا الْكَوْنِ الْوَاسِعِ مَبْـثُوثَةٌ، وَآيَاتِ عَظَمَتِهِ تَتَجَلَّى فِي كُلِّ ذَرَّةٍ مِنْ ذَرَّاتِ هَذَا الْوُجُودِ، غَيْرَ أَنَّ مَظَاهِرَ الْقُدْرَةِ الإِلَهِيَّةِ الْمُطْـلَقَةِ، وَعَلامَاتِ الإِرَادَةِ الرَّبَّانِيَّةِ الْمُحَقَّقَةِ، تَكُونُ أَظْهَرَ وَأَعْـظَمَ إِذَا جَاءَتْ خَرْقًا لِنَوَامِيسِ الْكَوْنِ الَّتِي جَعَلَهَا اللهُ تَعَالَى أَسَاسَ قِيَامِهِ، أَوْ جَاءَتْ جَرْيًا عَلى خِلافِ سُنَنِهِ الَّتِي أَجَرَاهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا، فَنَارُ أَهْـلِ الشِّرْكِ لَمْ تُؤْذِ إِبْرَاهِيمَ، وَالْحُوتُ لَمْ يَأْكُلْ يُونُسَ، وَزَكَرِيَّا يُرْزَقُ بَعْدَ كِبَرٍ بِالْوَلَدِ الَّذِي يُحِبُّ، )وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ)، آيَاتٌ بَاهِرَةٌ وَقُدْرَةٌ ظَاهِرَةٌ. وَحَدِيثُنَا الْيَوْمَ ـ عِبَادَ اللهِ ـ عَنْ آيَةٍ مِنْ تِلْكَ الآيَاتِ الْعَظِيمَةِ، ذَكَرَهَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ مُسْـتَفْتِحًا بِصِيغَةِ التَّنْزِيهِ وَالإِجْلالِ، يَقُولُ جَلَّ شَأْنُهُ:)سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (الاسراء ـ 1).
فَقَدْ أَسْرَى اللهُ سُبْحَانَهُ بِنَبِيِّهِ وَحَبِيبِهِ مُحَمَّدٍ (صلى الله عليه وسلم) مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى بِطَرِيقَةٍ هِيَ خَارِجَ مَأْلُوفِ الْبَشَرِ وَمَعْهُودِهِمْ، طَوَى لَهُ فِيهَا الْمَسَافَاتِ، وَاختَصَرَ لَهُ بِهَا الزَّمَنَ، فَكَانَتْ رِحْـلَةً فِي جُزْءٍ مِنْ لَيْـلٍ، وَعَرَجَ فِيهَا سُبْحَانَهُ بِنَبِيِّهِ (صلى الله عليه وسلم) إِلَى السَّمَاوَاتِ العُلا فَاتِحًا لَهُ أَبْوَابَ الْكَوْنِ، وَرَافِعًا عَنْهُ الْحُجُبَ فَرَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى، يَقُولُ سُبْحَانَهُ:)مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ، أَفَتُمَارُونَهُ عَلَىٰ مَا يَرَىٰ) (النجم 11 ـ 12).
عِبَادَ اللهِ:
إِنَّ الْمُؤْمِنَ حَقًّا بِهَذِهِ الْقُدْرَةِ الإِلَهِيَّةِ لا يَشُكُّ في وُقُوعِ مَا أَخْبَرَ اللهُ تَعَالَى بِهِ مِنْ تَغْيِيرٍ لِلسُّـنَنِ، وَخَرْقٍ لِلنَّوَامِيسِ، وَحَيْـلُولَةٍ بَيْنَ الْمُسَبَّبَاتِ وَأَسْـبَابِهَا، حَالُهُ كَحَالِ الَّـذِي تَبَيَّنَ لَهُ الْحَقُّ فَـ)قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّـهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (البقرة ـ 259)، لِذَا كَانَتْ أَقْدَامُ المُؤْمِنِينَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) عَلَى الإِيمَانِ ثَابِتَةً، وَقُلُوبُهُمْ عَلَى التَّصْدِيقِ مَعْـقُودَةً، يَوْمَ أَنْ حَاوَلَ الْمُشْرِكُونَ أَنْ يُشَكِّكُوهُمْ فِي إِيمَانِهِمْ وَصِدْقِ نَبِيِّهِمْ مُسْـتَغِلِّينَ حَادِثَةَ الإِسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ. غَيْرَ أَنَّ الْمَادِّيِّينَ عَلَى مَرِّ الْعُصُورِ يَقِيسُونَ كُلَّ شَيْءٍ بِمَقَايِيسِهِمُ الْمَادِّيَّةِ الْمَحْسُوسَةِ الْمَحْدُودَةِ، فَمَا كَانَ خَارِجَ مَأْلُوفِهِمْ فَهُوَ ضَرْبٌ مِنَ السَّخَافَةِ، وَمَا كَانَ فَوْقَ إِدْرَاكِهِمْ فَهُوَ حَديثُ خُرَافَةٍ.
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ:
إِنَّ ذِكْرَى حَادِثَةِ الإِسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ تَمُرُّ عَلَى الأُمَّةِ الإِسْلامِيَّةِ فِي أَيَّامِهَا هَذِهِ وَهِيَ تَشْكُو ضَيَاعَ الْمُقَدَّسَاتِ، وَتَشَتُّتَ الشَّمْـلِ، وَتَكَالُبَ الأَعْدَاءِ، وَتَوَالِيَ الأَزَمَاتِ، غَيْرَ أَنَّ فِي هَذِهِ الذِّكْرَى لِلأُمَّةِ سُلْوَانًا وَأَمَلاً. لَقَدْ وَقَعَتْ حَادِثَةُ الإِسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ وَالْمُسْـلِمُونَ يَوْمَئِذٍ قِلَّةٌ مُستَضْعَفُونَ، وَأَعْدَاؤُهُمْ عَلَيْهِمْ يَتَكَالَبُونَ، نَالَهُمْ مِنَ الضِّيقِ كُلُّ شَدِيدٍ، وَذَاقُوا عَذَابَ الْقَرِيبِ قَبْـلَ الْبَعِيدِ. وَرَسُولُهُمْ (صلى الله عليه وسلم) قَدْ ضَيَّقَ عَلَيْهِ أَهْـلُ مَكَّةَ رِحَابَهَا، وَأَغْـلَقُوا دُونَهُ أَبْوَابَهَا، حَتَّى إِذَا نَزَلَ الطَّائِفَ لَعَلَّهُ يَجِدُ فِيهَا مَنْ يَسْـتَقْبِلُهُ، وَيَقْبَلُ دَعْوَتَهُ؛ أَلْقَى عَلَيْهِ أَهْـلُهَا قَذَارَةَ أَلْسِنَتِهِمْ، وَآذَوْهُ بِقَسْوَةِ حِجَارَتِهِمْ، وَمَعَ شِدَّةِ الضِّيقِ وَوَطْأَةِ الْكَرْبِ، تَوَجَّهَ رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) إِلَى رَبِّهِ دَاعِيًا، وَلِحَالِهِ شَاكِيًا، وَلِلُطْفِ اللهِ رَاجِيًا فَغَمَرَتْهُ أَلْطَافُ اللهِ سُبْحَانَهُ، وَفُتِحَتْ لَهُ الآفَاقُ، وَجَاءَتْ رِحْـلَةُ الإِسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ، الَّتِي تَحْمِلُ فِي طَيَّاتِهَا إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُ (صلى الله عليه وسلم) جَاءَ لِيُوَرِّثَ هَذِهِ الأُمَّةَ مَوَارِيثَ النُّبُوَّاتِ السَّابِقَةِ وَمُقَدَّسَاتِهَا، وَبِهَا إِيذَانٌ بِأَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَتَحَ الْكَوْنَ لِعَبْدِهِ وَرَسُولِهِ (صلى الله عليه وسلم)، فَلَئِنْ ضَاقَتْ بِهِ جِهَةٌ مِنَ الأَرْضِ فَإِنَّ أَرْجَاءَ الْكَوْنِ بِهِ لَنْ تَضِيقَ. ثُمَ تُلِيَتْ هَذِهِ الْحَادِثَةُ بَعْدَ فَتْرَةٍ بِالْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ الْمُبَارَكَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ، بُنِيَ المُجْـتَمَعُ وَانطَلَقَتِ الحَضَارَةُ. إِنَّ الشَّدَائِدَ ـ عِبَادَ اللهِ ـ وَإِنْ ضَاقَتْ حَلَقَاتُهَا، وَالْكُرَبَ وَإِنِ اشْتَدَّتْ حِبَالُهَا؛ فَإِنَّ الْفَرَجَ مِنَ اللهِ آتٍ، وَإِنَّ نَصْرَهُ لَقَرِيبٌ مِنَ الصَّابِرِينَ، )حَتَّىٰ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ، لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ وَلَـٰكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (يوسف 110 ـ 111).
إِنَّ أُمَّـتَنَا بِإِذْنِ اللهِ ظَاهِرَةٌ، وَغِشَاوَتَهَا بِعَوْنِهِ مُنْحَسِرَةٌ، وَقُيُودَهَا بِقُوَّتِهِ مُنْكَسِرَةٌ. لَكِنْ عَلَى كُلِّ مُسْـلِمٍ أَنْ يَأْخُذَ بِمَفَاتِيحِ النَّصْرِ وَالرِّفْعَةِ، وَأَنْ يُحْسِنَ طَرْقَ أَبْوَابِ الْفَرَجِ وَالتَّمْـكِينِ.
فَاتَّقُوا اللهَ ـ عِبَادَ اللهِ ـ وَلْتَكُنْ ذِكْرَى الإِسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ لَكُمْ تَذْكِيرًا بِعَظِيمِ قُدْرَةِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَوَاسِعِ سُلْطَانِهِ.
أقُولُ قَوْلي هَذَا وَأسْتغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لي وَلَكُمْ، فَاسْتغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ، وَادْعُوهُ يَسْتجِبْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ البَرُّ الكَرِيْمُ.

الْحَمْدُ للهِ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْـبِهِ وَمَنْ وَالاهُ.
أَمَّا بَعْدُ، فَاعلَمُوا ـ عِبَادَ اللهِ ـ أَنَّهُ لَنْ يَتَحَقَّقَ لَنَا التَّغَيُّرُ إِلَى الأَفْضَلِ، وَلا التَّغْيِيرُ إِلَى الأَكْمَلِ، إِلاَّ إِذَا صَلَحَتِ العَلاقَةُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ اللهِ فِي جَمِيعِ شُؤُونِنَا، فَلَنْ يَفُوزَ بِنَصْرِ اللهِ إِلاَّ مَنْ نَصَرَهُ، وَلَنْ تَكُونَ مَعِيَّةُ اللهِ إِلاَّ لِلَّذِينَ اتَّقَوا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ. إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدِ اختَارَ مِنْ بَيْنِ جَمِيعِ الأَوْصَافِ وَالنُّعُوتِ وَصْـفًا وَاحِدًا مُحَدَّدًا لِيَصِفَ بِهِ نَبِيَّهُ (صلى الله عليه وسلم) فِي حَادِثَةِ الإِسْرَاءِ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ:)سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (الاسراء ـ 1)، فَوَصَفَهُ بِالعُبُودِيَّةِ، إِنَّهَا الصِّـفَةُ الَّتِي حَازَ بِهَا الشَّرَفَ، وَنَالَ بِهَا الرِّفْعَةَ، وَتَحَقَّقَ لَهُ بِهَا السُّمُوُّ، فَحَرِيٌّ بِنَا ـ عِبَادَ اللهِ ـ وَنَحْنُ نَتَذَكَّرُ هَذِهِ الْحَادِثَةَ أَنْ نَسْعَى إِلى تَحْـقِيقِ هَذِهِ الصِّفَةِ السَّامِيَةِ فِينَا، وَأَنْ نُرَاجِعَ حُسْنَ عَلاقَتِنَا بِرَبِّنَا.
إِخْوَةَ الإِيمَانِ:
لَقَدْ كَانَ لِلصَّلاةِ نَصِيبٌ فِي حَادِثَةِ الإِسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ، فَفِيهَا فُرِضَتِ الصَّلاةُ خَمْسًا، وَفِيهَا أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) مِنْ مَكَانِ صَلاةٍ إِلَى مَكَانِ صَلاةٍ، مِمَّا يَدُلُّ عَلَى عِظَمِ مَكَانَةِ هَذِهِ الشَّعِيرَةِ فِي دِينِ اللهِ، إِذْ إِنَّ إِقَامَةَ الصَّلاةِ وَحُسْنَ أَدَائِهَا مِنْ أَسْمَى مَظَاهِرِ الْعُبُودِيَّةِ للهِ، فَالصَّلاةُ أَقْوَى الصِّلاتِ بَيْنَ الْعَبْدِ وَمَوْلاهُ، بَلْ هِيَ عَمُودُ الدِّينِ، وَالْعَهْدُ الْفَارِقُ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ، (الْعَهْدُ الَّذِي بَيْـنَنَا وَبَيْـنَهُمُ الصَّلاةُ، فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ)، وَهِيَ أَوَّلُ مَا يُسْـأَلُ عَنْهُ الْعَبْدُ عِنْدَ رَبِّهِ، فَفِي الْحَدِيثِ:(إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلاتُهُ، فَإِنْ صَلَحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ).
فَاتَّقُوا اللهَ ـ عِبَادَ اللهِ ـ وَكُونُوا لِخَالِقِكُمْ مِنَ الْمُنَزِّهِينَ الْمُعَظِّمِينَ، وَلآلَائِهِ مِنَ الذَّاكِرِينَ الشَّاكِرِينَ، وَادعُوهُ سُبْحَانَهُ خَاشِعِينَ، وَاسأَلُوهُ مُتَضَرِّعِينَ.
هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى إِمَامِ المُرْسَلِينَ، وَقَائِدِ الغُرِّ المُحَجَّلِينَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاةِ وَالسَّلامِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيمًا:(إِنَّ اللَّـهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) (الاحزاب ـ 56).
اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ وسَلَّمْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيمَ، فِي العَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، وَعَنْ المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعًا مَرْحُومًا، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقًا مَعْصُومًا، وَلا تَدَعْ فِينَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُومًا.
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ وَالمُسْلِمِينَ، وَوَحِّدِ اللَّهُمَّ صُفُوفَهُمْ، وَأَجْمِعْ كَلِمَتَهُمْ عَلَى الحَقِّ، وَاكْسِرْ شَوْكَةَ الظَّالِمِينَ، وَاكْتُبِ السَّلاَمَ وَالأَمْنَ لِعِبادِكَ أَجْمَعِينَ.
اللَّهُمَّ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ يَا ذَا الجَلالِ وَالإِكْرَامِ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ بِكَ نَستَجِيرُ، وَبِرَحْمَتِكَ نَسْتَغِيثُ أَلاَّ تَكِلَنَا إِلَى أَنْفُسِنَا طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ، وَأَصْلِحْ لَنَا شَأْنَنَا كُلَّهُ يَا مُصْلِحَ شَأْنِ الصَّالِحِينَ.
اللَّهُمَّ رَبَّنَا احْفَظْ أَوْطَانَنَا وَأَعِزَّ سُلْطَانَنَا وَأَيِّدْهُ بِالحَقِّ وَأَيِّدْ بِهِ الحَقَّ يَا رَبَّ العَالَمِينَ، اللَّهُمَّ أَسْبِغْ عَلَيْهِ نِعْمَتَكَ، وَأَيِّدْهُ بِنُورِ حِكْمَتِكَ، وَسَدِّدْهُ بِتَوْفِيقِكَ، وَاحْفَظْهُ بِعَيْنِ رِعَايَتِكَ.
اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاءِ وَأَخْرِجْ لَنَا مِنْ خَيْرَاتِ الأَرْضِ، وَبَارِكْ لَنَا فِي ثِمَارِنَا وَزُرُوعِنَا وكُلِّ أَرْزَاقِنَا يَا ذَا الجَلالِ وَالإِكْرَامِ. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ، المُسْلِمِينَ وَالمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيعٌ قَرِيبٌ مُجِيبُ الدُّعَاءِ.
عِبَادَ اللهِ:(إِنَّ اللَّـهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (النحل ـ 90).