إعداد ـ علي بن عوض الشيباني:
أيها القراء الأعزاء: يقصد بالفاصلة القرآنية ذلك اللفظ الذي ختمت به الآية, فكما سموا ما ختم به بيت الشعر قافية, أطلقوا على ما ختمت به الآية الكريمة فاصلة.
وقد ذكر الجاحظ في البيان والتبيين (حدثوا أن رجلا في عهد عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ قرأ:(فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات فاعلموا أن الله عزيز حكيم), قرأها (غفور رحيم), فقال أعرابي: لا يكون, وفي رواية أخرى أنه قال: إن كان هذا كلام الله فلا يقول كذا الحكيم, لا يذكر الغفران عند الزلل لأنه إغراء عليه.
وروي أن أعرابياً سمع رجلاً يقرأ:(وحملناه على ذات ألواح ودسر، تجري بأعيننا جزاء لمن كان كفر), بفتح الكاف, فقال الأعرابي: لا يكون فقرأها عليه بضم الكاف وكسر الفاء, فقال الأعرابي: يكون.
هذا ما ذكره الأعرابي بطبعه وسليقته وسجيته, ولكننا وجدنا أناساً في القرن العشرين, وقفوا غير هذا الموقف, نحن لا ننكر على الناس أن لا يعلموا كل شئ, ولكننا ننكر أن يدعوا علم كل شئ, نحن لا نعجب ولا نستهجن أن يرد الحق خصوم ألداء, عرفوا بتعصبهم وتحيزهم, نحن لن نفاجأ إن سمعنا من مبشر حاقد, أو مستشرق جاحد, إن سمعنا من هذا أو ذاك طعناً على كتاب الله ودين الله, لكن الذي كنت لا أوده أنا وأنت ـ أيها القارئ الكريم ـ معاً, أن نجد مصدراً من مصادر المعرفة, طالما روج له أصحابه وأحاطوه بهالات فخمة من الاجلال والتبجيل, وسوروه بأسوار البحث العلمي والنزاهة, وألبسوه لباس الحقيقة, بل عدوه حصناً من حصون المعرفة, أن نجد من وصفوه بهذه الصفات بعيداً عن ذلك كله, بل هو فوق ذلك ممعن في الافتراء, بعيد عن النزاهة في البحث, مناف لقواعد العدل وأسس المنطق, فقد استدلت على أن القرآن مجرد انشاء جاء بطريقة عشوائية, استدلت على هذه الدعوى بالفواصل القرآنية حيث جاء فيها: وكان القرآن يعطي للقارئ انطباعاً بأنه مجرد انشاء جاء بطريقة عشوائية, ويؤكد صحة ذلك طريقة ختم هذه الآيات, بآيات مثل:(إن الله عليم), (إن الله حكيم), (إن الله يعلم ما لا تعلمون), وأن هذه الأخيرة لا علاقة لها مع ما قبلها, وأنها وضعت فقط لتتميم السجع والقافية.
ولقد رد على هذا القول ردّاً مفصّلاً, فالفاصلة القرآنية لم تأت لغرض لفظي فحسب, وهو اتفاق رؤوس الآي بعضها مع بعض, وهو ما يعبرون عنه بمراعاة الفاصلة إنما جاءت الفاصلة في كتاب الله تعالى لغرض معنوي يحتمه السياق, وتقتضيه الحكمة, ولا ضير أن يجتمع مع هذا الغرض المعنوي ما يتصل بجمال اللفظ وبديع الايقاع, ونرجو أن تتذوقوا ذلك كله, أعني دقة المعنى وجمال اللفظ فيما نمثل به من آيات قرآنية كريمة.
وبادئ ذي بدء نبين أن بعض هذه الفواصل القرآنية يمكن أن يدركه القارئ بأدنى تأمل, فهو لا يحتاج الى كثير فكر وكبير عناء, على حين نجد بعضها الآخر بحاجة الى تدبر وتأمل.

* إمام وخطيب جامع السلطان قابوس الأكبر