[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/fawzy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]فوزي رمضان
صحفي مصري[/author]
” .. كانت الشتيمة الأكثر قسوة، والتي جاءت على لسان الرئيس الفلبيني دوتيرى لاوباما خلال قمة العشرين، والتي أهان فيها والدة أوباما، ووصفها بلفظ جارح وغير لائق، ولم تكن تلك أول الشتائم في عالم السياسة، فالسباب واللغة المتدنية وغير اللائقة يستخدمها الساسة ورؤساء الدول في العالم كله ، فمن رئيس بريطانيا الأسبق ونستون تشرشل الذي نعت النائبة بيسي برادوك ( بالقبيحة بل أكثر من قبيحة .. قبيحة إلى درجة مزرية) عندما وصفته من قبل ( بالثمل) أي السكير،”
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مقدما اعتذارا للقارئ العزيز عن بعض الألفاظ غير اللائقة الواردة في المقال والتي وردت للاستدلال فقط، لكنها منسوخة بالنص من أقوال السياسيين، وموثقة في كافة المضابط الرسمية وأرشيف وسائل الإعلام.
سأل طبيب أمراض نفسية لماذا يشتم بعضنا البعض؟! فكانت إجابته غير متوقعة، أجاب عندما يصل الإنسان لمرحلة من السخط والغضب، يستخدم الجسم إحدى وسائل الإنذار التي يمتلكها، وتكون الشتائم رد فعل طبيعي لإراحة جسم الإنسان وتسكين غضبه، وتزيد من قدرته الإيجابية على التحمل ـ تخيل ـ لكن هذا التفسير الفسيولوجى يصطدم بالعلاقات الإنسانية فإذا كانت الشتائم مجرد تفريغ لما في الداخل، لكنها تخدش مشاعر الآخرين وتمنع التواصل وتعيق الحوار، الكلمات السيئة تجرح النفس وتهين الكرامة وتحقر الضد، اعتدنا تداول الشتائم بين العامة والخاصة أيضا، لكن لماذا يكيل السياسيون ذوات المناصب الرفيعة الشتائم والألفاظ المهينة لغيرهم؟! .
تخيل معي كم كان الضغط النفسي الذي تعرض له الرئيس المصرى الراحل جمال عبد الناصر بعد أن اتخذ قرار تأميم قناة السويس، وواجهه آنذاك هجوم قاسٍ من أميركا وفرنسا وانجلترا، في أحد لقاءاته الجماهيرية وعلى الهواء مباشرة يقول : (هيئه الإذاعة البريطانية تقول عن عبد الناصر (كلب) وأنا بقول وإنتوا ولاد ستين (كلب)، نحن نستطيع أن نشتم أيضا)، وكلنا نتذكر خفيف الظل محمد سعيد الصحاف وزير الإعلام العراقي والناطق الرسمي باسم الحكومة العراقية، كان هو طيف الفكاهة الوحيد في مأساة العراق، وصاحب مصطلح (العلوج ) ويعني في معجم لسان العرب الرجال الغلاظ من كفار العجم وأصبحت كلمة (العلوج) ملتصقة بالغزو والاحتلال الأميركي لجمهورية العراق.
بعد ما سمي بثورات الربيع العربي بدأت وسائل الإعلام في تداول مصطلحات كانت بعيدة عن أذهان البعض، مثل البلطجية والشبيحة والمرتزقة غير الشتائم التي وجهها بعض قادة المتظاهرين للزعماء من سباب وشتائم وبالمقابل ردة فعل القادة المستهدفين بهذه (الثورات)، فقد شتم الرئيس المصري حسني مبارك المتظاهرين من شعبه، ووصفهم ( بشوية عيال يجتمعون على الفيس بوك) كذلك وصف الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي المتظاهرين التونسيين، بالعصابات الملثمة ، أما الرئيس الليبي معمر القذافي فحملت خطاباته دائما، روح الفكاهة والتندر على الجميع فقد وصف المتظاهرين من مواطنيه بأنهم جرذان وقطط وأنهم يتناولون حبوب الهلوسة، وسيلاحقهم بيت بيت وزنقة زنقة.
وكانت الشتيمة الأكثر قسوة، والتي جاءت على لسان الرئيس الفلبيني دوتيرى لاوباما خلال قمة العشرين، والتي أهان فيها والدة أوباما، ووصفها بلفظ جارح وغير لائق، ولم تكن تلك أول الشتائم في عالم السياسة، فالسباب واللغة المتدنية وغير اللائقة يستخدمها الساسة ورؤساء الدول في العالم كله، فمن رئيس بريطانيا الأسبق ونستون تشرشل الذي نعت النائبة بيسي برادوك( بالقبيحة بل أكثر من قبيحة .. قبيحة إلى درجة مزرية) عندما وصفته من قبل( بالثمل) أي السكير، إلى التراشق بالألفاظ المهينة من الرئيس الأميركي ترامب، الذي وصف رئيس كوريا الشمالية قائلا ( لم يذكر أحد أبدًا رئيس كوريا الشمالية، حيث يوجد هذا المعتوه) ليتلقى الرد منه( إنه سوف يهاجم ذلك الأميركي الخرف المختل عقليا بالنار)
ويتواصل حديث التراشق والسباب بين الساسة، ويتصاعد حدة بين هيلاري كلينتون وترامب أثناء التنافس الانتخابي على رئاسة أميركا حين وصفها بالكاذبة، لتصل إليه نفس الشتائم بوصفه أنه لايصلح كرئيس حتى فرنسا انحدرت لنفس الأسلوب أيضا، عندما أهان الرئيس الفرنسي فرنسوا أولاند ثلاثة رؤساء دفعة واحدة، حيث وصف الرئيس الأميركي أوباما بأنه غير كفء لاتخاذ القرارات، ووصف رئيس الوزراء الإسباني بأنه ينقصه الذكاء، كما وصف المستشارة الأميركية انجيلا ميركل بأنها لاتفهم في الأزمة المالية العالمية، ولم يتوان الرئيس جاك شيراك في إهانة الانجليز بشكل عام قائلا ( لايمكنك أن تؤمن لأشخاص طبخهم سيئ، الانجليز لم يجلبوا لأوروبا غير جنون البقر).
ولم يستطع الرئيس الفرنسي ساركوزي أن يكتم مشاعره، في حديث خاص بينه وبين الرئيس السابق أوباما، عندما قال لم أعد احتمل نتنياهو إنه كذاب، والطريف في الأمر أن الرئيس الأميركي رد على نظيره الفرنسي قائلا( أنت فقط جلست معه خلال الغداء أما أنا فمضطر لأن أتعامل معه بشكل شبه يومي) الشتائم في السياسة تعبر عن مدى عجز صاحبها، في تقديم نقد علمي وموضوعي لخصومه السياسيين، ويتم اللجوء إليها، بهدف إهانة الخصم وإذلاله وإعدامه معنويا ليخرج من ساحة الصراع، كما حدث تماما مع الرئيس الأميركي إبراهام لينكولن (1861-1865) ويعرف عنه الكثير من المبادئ الإنسانية، وقضيته كانت تحرير العبيد من الاستعباد، فقد قال عن خسائر أميركا في حروبها ( كل نقطة دم سقطت في الحروب، كانت نتيجة ضرب العبيد بالسوط فلابد من الاعتراف بأن أحكام الرب منصفة دائما) ورغم تلك المبادئ الإنسانية العميقة فقد هالوا عليه أحط الألفاظ (الكاذب ـ المغتصب ـ اللص ـ الوحش ـ شاهد الزور ـ الجاهل ـ المهرج ـ الشيطان، وبعد كل ذلك اغتيل رميا بالرصاص، من بعض الممثلين وهو يشاهد إحدى المسرحيات في المسرح الأميركي.
ومع كل تلك المهاترات الكلامية، والمشاحنات اللفظية بين الساسة وغيرهم لم يتهم سياسي بالقذف ولا بالسب ولا اللوم ولاالتقريع، فقط يطلق العنان لوسائل إعلامهم أن تأخذ بالثأر، السن بالسن والعين بالعين والبادئ أظلم وبرهة من الزمن تصفي العلاقات وتعود المياه إلى مجاريها ...في عالم السياسة طالما الوسائل قذرة فكل شيء مباح.