ضحى القاسمية:
أحد مخاوفي هي اعتلاء منصة، يتحلّق حولها حشد كبير من الناس، بانتظار أن أقول شيئًا يصنع لهم معنى للحظتهم تلك ولا أفعل، أخاف جديّا من أن أقول كلاما مجوّفا، غير مترابط وغير مفيد.
مَنطقيًا، لا يمكنك دعوة جمع معين لقول شيء ما، تتلعثم وتنبهر من وقفتك ثم تقول: أوه حسنًا، كنت...اممم أود أن أتمنى لكم مساءً جميلًا. مع أن الأمنية دافئة إلا أن الحشد سينظر إليها باستخفاف شديد، "ما هذه السَخافة، لابد أنك تمزح؟ "ويجب عليك حينها أن تُلقي نكتة ظريفة حفظًا لماء الوجه، لكن حتى مع ذلك ستبدو كمُهرج فقد أنفه الحمراء، أو ربما نسيها..يُلقي نكتة.
من الجيد أن تُلوح بيدك وأنت تقولها، نعم يجب أن تفتعل حركات في الهواء، لتشغلهم عن النكتة، لأنك تعرف في قرارتك أنك كائنٌ يحكي النكتة بشكل تراجيدي، يُقال لها خطبة عن الجحيم.
إنك بالتأكيد تفهمُ أن ما تفعله هو محاولات لتزجية الوقت، محاولات لإخفاء حقائق الأشياء، تُخفي نفسك خلف نكتة، النكتة خلف الحركات البهلوانية..والحركات البهلوانية تبدو رديئة جدًا ولا تمثلها بأي شكل، والحشد لا يَثقُ في الأشياء المُتخفية، كأن فيها عيبًا..عدم ثقة في جدوى ظهورها،مثلًا؟ إنك تَشعر بالخدر..تشعر لشدة فراغ تجاربك أنها تصدرُ صفيرًا.
أخاف جدًا مثل فيتينشتاين من قول الحديث الذي يفتقر للجوهر أو الذي يفشل في إنتاج المعنى.. مع أنّ صديقتي تُصرّ علي على أن لا ضير في قول أشياء فارغة للحشد.
قضيت وقتًا طويلًا بالتفكير، وكتابة جمل روتينية ومعتادة..فارغة ربما.
-فتاة في الغرفة المقابلة تعزف على البيانو.
-فتاة في الطابق الأرضي تحدث أحدهم في الهاتف وتقول:الدراسة منهكة.
-العاملة في المطعم ترتدي قميصًا صوفيًا.
كتبت الكثير، وسجلت مقاطع صوتية كثيرة.جُمل اخبارية غير مهمة، وإن كنت لأذكرها ستقولون بلا شك، وما المميز في الأمر؟
أنت تستعدُ لمغادرة المنصة، بشعور سيء، لكنك لابد أن تستدرك قائلًا: الجو لطيفٌ اليوم، يشبه عُمركم..أأنتم في العشرين جميعكم؟ كانت سيلفيا بلاث تقول عن هذا العمر:"أريد دائمًا أن أكون مراقِبة، أريد أن تؤثر فيّ الحياة عميقًا لكن بدون أن تعميني عن رؤية وجودي في ضوء هزلي ساخر وأن أسخر من نفسي كما أسخر من الآخرين."
ولا بد أن أصنع من الجمل الاخبارية والمقاطع الصوتية قصصا مُثرية..نعم لازلتم تتذكرون أنني أخافُ من قول أشياء خالية من المعنى، لكن كيف لشخص يسرد قصصًا بسيطة على شاكلة ملحمة ألّا يستطيع قول شيء مُجدٍ؟ كيف لمراقب الأشياء الفارغة ألّا يجد المعنى خلف خواء الأشياء وازدهارها؟
هذه المرّة لابد أن تقول إن قول الأشياء غير المُجدية ليس فشلًا بل احتيالٌ فاضل للبحث عن الجزء الأكثر جدوى.