[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/khamis.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]خميس التوبي[/author]
من يتابع المشهد السوري من جميع زواياه سيجد أن هناك تحولًا في المواقف السورية والروسية عما كانت عليه قبل ذلك، هذه المواقف تعبِّر عن قرارات حاسمة قد اتخذت على صعيد مواجهة المخطط التآمري الذي يستهدف سوريا، وأن تطهيرها من الإرهاب التكفيري، والحفاظ على وحدة ترابها هو قرار لا رجعة عنه.
لقد بان ذلك في كلمات التحدي غير المسبوقة لمندوب سوريا في الأمم المتحدة الدكتور بشار الجعفري الذي كان حازمًا في ردوده على سفراء الدول المتبنية لمخطط تدمير سوريا في جلسة مجلس الأمن الدولي مؤخرًا على خلفية القرار السوري بتطهير الغوطة الشرقية من الإرهاب وتأمين العاصمة دمشق، وكذلك في الخطاب التاريخي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين يوم الخميس الماضي الذي رفع فيه سقف التحذير من أن "أي استخدام للأسلحة النووية ضد روسيا أو حلفائها سنعتبره هجومًا نوويًّا على بلادنا، وسيكون الرد فوريًّا"، وزاد على ذلك أن أي هجوم بالصواريخ البالستية التقليدية على روسيا أو حلفائها سيلقى ردًّا فوريًّا، ثم النبرة الحازمة لسيرجي لافروف وزير الخارجية السوري في كلمته أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بأن موسكو ستواصل دعمها للجيش العربي السوري للتغلب تمامًا على التهديد الإرهابي.
إن هذه المواقف الصارمة تكشف أن قرار انتشال الغوطة الشرقية من براثن التنظيمات الإرهابية هو قرار لا رجعة عنه، وقد أكدت ذلك المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا بقولها إن "العملية في الغوطة الشرقية ضرورية ولا مفر منها، حيث تم العثور على أسلحة إسرائيلية الصنع لدى المسلحين في سوريا، وأن لا أدلة على استخدام الجيش السوري أسلحة كيميائية". معيدة إلى الأذهان السلوك العدائي للتحالف الدولي تجاه سوريا، ومعطية الفارق بين ما يفعله الجيش العربي السوري وحلفاؤه في الغوطة وفتحه ممرات إنسانية آمنة، وتسييره سيارات إسعاف، وقوافل مساعدات إنسانية، وبين ما فعله التحالف الدولي في الرقة، حيث قالت زاخاروفا إن "التحالف الدولي قصف الرقة وإن البنى التحتية والمدارس في الرقة دُمِّرت بالكامل وكل النداءات بهدف فتح ممرات إنسانية هناك لم تلق أي رد".
يعي تمامًا كل من معشر المتآمرين على سوريا، والحكومة السورية وحلفاء سوريا الصادقين المخلصين ما تمثله الغوطة الشرقية من أهمية لا تقل عن أهمية مدينة حلب وحمص، فهي تعد الخاصرة الرخوة للعاصمة دمشق بحكم ملاصقتها لها، فضلًا عن أنها ظلت طوال الأزمة خزانًا للإرهاب التكفيري والإمداد اللوجستي للإرهابيين التكفيريين والسلاح إلى مختلف التنظيمات الإرهابية المنتشرة في الجغرافيا السورية، وبالتالي مثلما ينظر معشر المتآمرين إلى الغوطة الشرقية على أنها آخر ورقة يمكن بها إسقاط العاصمة دمشق ومعها الحكومة السورية، ترى الدولة السورية وحلفاؤها على أن استعادة المدينة سيُؤمِّن دمشق، وسيجعلها منصة متقدمة لاستكمال عملية التطهير والاستعادة للمناطق في الشرق والشمال السوري، ومن المؤكد أن معشر المتآمرين يعلمون يقينًا أن الانتصار السوري في الغوطة لا يعني فقط تحولًا استراتيجيًّا بيد الدولة السورية وحلفائها فحسب، وإنما سيعني نهاية المخطط وضياع حلم الاستيلاء على ثروات سوريا وتقسيمها، وعزل محور المقاومة عن بعضه بعضًا، وتأمين كيان الاحتلال الإسرائيلي، لذا لا غرو أن يشاهد العالم اشتداد وتيرة التكالب على سوريا من مدينة الغوطة الشرقية وعبر عناوين ظلت رمزًا على النفاق الدولي والمتاجرة بحقوق الإنسان، تمثلت في التباكي الكاذب على وضع المدنيين الذين تتخذهم التنظيمات الإرهابية دروعًا بشرية، في حين أن التباكي هو على وضع هذه التنظيمات الإرهابية من أن تلقى في الغوطة المصير ذاته في حلب وحمص والقصير.
لذلك، من الواضح أن خطاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين جاء استباقًا لسيناريوهات يمكن أن يُقْدِمَ عليها معشر المتآمرين على سوريا، في ظل حالة العجز عن تحقيق أي تقدم ميداني، جراء الانهيارات والانكسارات المتوالية لما راهنوا عليه من إرهاب تكفيري ظلامي في إنجاز مخططهم لتدمير سوريا، فجاء الخطاب على صورة تحذير من أن الوضع الراهن للحرب الدائرة بالوكالة قابلة للتدحرج إلى المواجهة المباشرة يستخدم فيها أذكى الأسلحة، وآخر ما توصلت إليه نخبة تصنيع السلاح، سواء في روسيا الاتحادية أو الولايات المتحدة.
على أن الروس في العادة لا يلجأون في مواجهة خصومهم بالحدة والمواقف الحازمة إلا إذا كانوا ينطلقون من معلومات دقيقة وموثقة، وهم في هذا الجانب يمتازون بالجدارة في جمع المعلومات، حيث يتداول أن الروس قد حصلوا على معلومات تتضمن عن نيات مبيَّتة من قبل معشر المتآمرين على سوريا لشن هجمات عدوانية منسقة على مواقع الجيش العربي السوري والمطارات والقواعد، ووسائل الدفاع الجوي بقنابل نووية موضعية لا تتجاوز مساحتها التدميرية الهدف المراد، بهدف شل قدرة الجيش العربي السوري وحلفائه، وفتح المجال أمام التنظيمات الإرهابية للتقدم نحو دمشق من جهة الغوطة الشرقية والتي ستكون متصلة من جهة قاعدة التنف التي يجري فيها تدريب التنظيمات الإرهابية وتجميعهم، ثم دير الزور، وهو ما سيمثل خط إمداد إرهابي لوجستي صوب دمشق، إلى جانب أن الخطاب التاريخي لبوتين جاء استباقًا أيضًا للمناورة العسكرية الأضخم بين الولايات المتحدة وحليفها الاستراتيجي كيان الاحتلال الإسرائيلي، حيث ذكرت وسائل إعلام كيان الاحتلال الإسرائيلي، أن 2500 جندي أميركي، بالإضافة إلى 2000 جندي من منظومة الدفاع الجوي التابعة لسلاح الجو الإسرائيلي ووحدات أخرى سيشاركون في التمرين لـ"تحسين الجاهزية بهدف التصدي للتهديدات الصاروخية". وسيحاكي التمرين وصول قوات أميركية إلى الكيان المحتل إثر تعرضه لهجوم صاروخي على جبهات مختلفة وسيناريوهات متعددة للتعامل معه من خلال استخدام منظومات مختلفة مثل "حيتس" و"القبة الحديدية" و"مقلاع داود" و"باتريوت". وما يلفت الانتباه هنا أن المناورة تتركز على الجانب الجوي، ما يعني من الوارد أن تتزامن المناورة أو تمثل تنسيقًا للهجوم العدواني المبيَّت ضد سوريا. الأمر الذي دفع الرئيس بوتين إلى إعلان التحذير وأن الرد سيكون بالمثل؛ قنابل نووية موضعية صغيرة سيقابلها رد برأس حربي نووي صغير طورته بلاده يمكن أن تحمله صواريخ كروز، ولا يُمكن للأنظمة المضادة للصواريخ أن تعترضه.. أو صواريخ بالستية تقليدية سيقابلها صواريخ بالستية تقليدية.
يبدو أن الروس مدركون لخطورة الوضع الذي يتهدد سوريا التي تمثل آخر موطئ قدم لهم في المياه الدافئة وفي المنطقة، وأنهم في سبيل البقاء مستعدون للدفاع عن ذلك حتى لو أدى إلى نشوب حرب عالمية غير تقليدية. كما يعلمون أن العالم قد تغير وأن موازين القوى قد تبدلت، وأن الولايات المتحدة ليست في وضع يسمح لها بخوض حروب جديدة بعد حربيها في أفغانستان والعراق.

[email protected]