يحمل بعض الأطفال عند ولادتهم عيوبا خلقية أو تشوهات، تأتي غالبا خلال فترة الحمل، تؤدي الى حدوث تضرر أوخلل بأحد أعضاء الجسم ووظائفه.
"متلازمة تريتشر كولينز" أو ما يعرف بسوء التعظم الوجهي الفكي السفلي كما يطلق عليها الأطباء، واحدة من تلك الاضطرابات التي تصيب الأطفال عند ولادتهم وتنتقل وراثياً، فيما تبلغ نسبة انتشارها حالة واحدة من كل نحو 70 ألف حالة ولادة طبيعية بجميع أرجاء العالم. بحسب ماتشير الإحصائيات الطبية الدولية.
يؤثر ذلك الاضطراب على شكل الوجه فهو يصيب نمو عظام الوجه وعضلاته ويتركه مشوها، ويمكن اكتشافه عند الولادة او قبل ذلك عبر تقنيات الطب الحديثة.
تأتي المأساة هنا، حينما يشعر المريض بأنه مختلف، ويتطلب منه ذلك شجاعة كبيرة وإيمان لتقبل وضعه ومواجهة المجتمع من حوله.
حاملوا متلازمة تريتشر كولينز كثيرون حول العالم منذ اكتشافها عام 1900م، الا أن الشاب البريطاني جونو لانكستر الذي ولد مصابا بتلك الحالة، استطاع أن يصبح مصدرا للإلهام والقوة للعالم ، متجاوزا كافة التحديات التي واجهته منذ لحظة ولادته، خاصة مع قرار والديه التخلي عنه وتركه في دار للتبني.
مأساة لانكستر وغيره من المصابين بتلك المتلازمة، تصلح لأن تكون مادة سينمائية يتفاعل معها الجميع، لذا يقرر صناع السينما من حين لأخر تذكيرنا بمأسي من حولنا من المرضى، وفي نفس الوقت لبعث رسائل تفاؤل وأمل لمن يعانون منها.

أعجوبة: فيلم درامي إنساني من إنتاج أميركي، وسيناريو كتبه كا من جاك ثورن وستيفين كونراد، وهو مقتبس من رواية ناجحة تحمل نفس الاسم للكاتبة راكيل جراميلو، كما تم نشر القصة على هيئة حلقات في صحيفة نيويورك تايمز.
الفيلم من إخراج ستيفن شبوسكي الذي ساهم ايضا في صياغة النص الذي يلمس القلب بسرعة بفضل تماسكه ووضوحه في تقديم رسائل قوية وهامة عن الجمال الحقيقي للمرء.
ربما تكون الحبكة مشابهة لنوعية تلك الأعمال الانسانية التي شاهدنا مثلها سلفا، لكن سر تميز هذا الشريط في تناوله المختلف للقصة، حيث يثير العاطفة لدينا، فيجلعنا نرى بعيون الطفل المصاب بمتلازمة كولينز، مدى قبح العالم من حولنا ونبكي معه بحرارة حينما يسأل والدته "لما علي أن أكون بهذا القبح ؟، .. هل سيهم المظهر دوما؟". كما أنه يلقي الضوء على كيفية التعامل مع الاطفال ذوى الاحتياجات الخاصة وأولئك الذين يعانون من تشوهات وعيوب خلقية تؤثر على مظهرهم.
بطل الفيلم هو الطفل الكندي الموهوب جاكوب تريمبلاى الذي يجسد دور "أوجست بولمان" أو كما يلقب بـ"أوجي" الذي ولد مصابا بمتلازمة تريتشر كولينز، في أداء مدهش ورائع ليس بجديد عليه بعد أن أذهلنا بأداء صادم وقوي في فيلم "Room" أو غرفة عام 2015.
وبرغم اختفاء معالم وجهه الحقيقية وراء مكياج سينمائي متقن رُشح لنيل جائزة الأوسكار عن فئة "أفضل مكياج وتصفيف شعر"، إلا أن تريمبلاى أثبت أنه يمتلك موهبة حقيقية، عبر تعبيرات ونظرات صادقة.
تجسد والدة الطفل " إيزابيل بولمان" الفنانة الراقية جوليا روبرتس التي أجادت دور الأم التي عرفت كيف توفر الحماية والحب والرعاية لطفلها المريض بالاضافة الى إدارة أمور منزلها. يشاركها المسؤولية الأب الحنون "نات بولمان" ويقوم بدوره الممثل أوين ويلسون الذي يتعاطى مع الشخصية ويقدم اداء مميز.
موسيقى الفيلم تلعب دوراً حيويا في بناء قالب العمل الذي يستمر نحو قرابة الساعتين.

...................................
أحداث
تبدأ احداث الفيلم الحقيقية، حينما تقرر والدة الطفل أوجي الذي يشخص طبيا إصابته بمتلازمة تريتشر كولينز، إدخاله المدرسة فقد وصل للصف الخامس دون اللحاق بأي مؤسسة تعليمية واكتفى والداه بتعليمه منزليا طوال هذه الفترة.
قبلها نتعرف على شخصية الطفل عن كثب فهو تعرض منذ لحظة ولادته لـ27عملية جراحية في مسعى لتحسين مظهره الخارجي، وقرر حينها والداه إبعاده عن العالم بإبقاءه داخل المنزل بينما يرتدي خوذته التي تشبه تلك التي يستخدمها رواد الفضاء، لتغطية وجهه اثناء الخروج. ويعتبر عيد الهالويين المفضل لديه حيث أنه يرتدي مايغطي وجهه ويعامله الجميع بلطف.
رغبة والدته بإدماجه في المجتمع ومواجهته الأخرين كطفل عادي، هي ماتدفعها لإتخاذ قرار تسجيله في احدى المدارس الخاصة القريبة وهو قرار ضد رغبة الطفل ووالده أيضا.

...................................
مرحلة جديدة
تبدأ مرحلة جديدة في حياة أوجي وعائلته التي لا تترك أي مسألة أو تفصيلة في حياة إبنها الصغير المفرط الحساسية نظرا لما يعانيه، إلا وتعاطت معها بحذر، حتى اخته
أوليفيا "فيا"، التي تكبر عنه بنحو 6 سنوات، لها دور كبير في حياته فنراها دائما تأخذ بيده وتشجعه على مواجهة الاخرين وتنصحه بتقبل الأمر، وذلك رغم ما تعانيه من شعور بالوحدة بسبب تجاهل والديها واهتمامهم بأخيها فقط، حيث تصفه بالشمس وهم الكواكب التي تدور من حوله.
ينزع اوجي خوذته عند مدخل المدرسة، لنشاهد تعاطيا سلبيا مع حالته من الطلاب يتمثل في عدم قبول شكله أو حتى الاقتراب منه خوفا من انتقال العدوى، بحسب تفسيرهم. لكن الطفل يقرر تجاهل تلك النظرات القاسية النابذة، عن طريق تخيل نفسه واحدا من رواد الفضاء المحبوبين في المجتمع مرددا كلمات والدته له :"إن لم يعجبك محل تواجدك، فلتتخيل المكان الذي ترغب به".
لكن الأمور لن تقف عند هذا الحد، فبعض من زملاؤه في الفصل بقيادة جوليان المشاغب، يقرروا مضايقاته ومعاملته بشكل سيء وإستفزازه بإطلاق الشتائم المهينة والرسومات المعيبة القاسية التي تعبر عن شكله المخيف. ما يؤثر على حالته النفسية ويظل محبطاً إلى أن يتقرب منه زميله جاك ويل الذي يصبح صديقه المقرب فيما بعد، حيث يجمعهما مشروع علمي تطلب إنجازه مدرسة مادة العلوم.

...................................
خلفيات

يعمد سيناريو العمل على تغيير اتجاه الاحداث من حين الى أخر وهو مايميزه، فنجد تداخل لبعض القصص الخلفية لشخصياته ومشاكلهم، لنقترب أكثر من مضامين وقيم الشريط. فنستمع تارة الى فيا ومشكلتها مع والديها من جهة وصديقتها ميراندا التي ابتعدت عنها لكي تحافظ على علاقتهما القوية معا، ماجعل فيا تبحث عن علاقة جديدة اكتشفت خلالها موهبتها في مجال التمثيل المسرحي.
وتارة نستمع الى قصة الأم إيزابيل التي كانت تعكف على إنجاز أطروحة أدبية، لم تتمكن من اتمامها بسبب انشغالها بأوجي لكنها تتمكن من ذلك مؤخرا بعد أن تستقر أمور الطفل.
وتبقى القصة الهامة به لأوجي الذي نرى حالته تتحسن يوما بعد يوم بإنضمام الطلبة اليه ومنهم الطفلة السمراء الذكية سمر، والوقوف في صفه ضد جوليان واعوانه حتى انهم يشتكوه الى المدير بسبب معاملته السيئة وتحريضه ضد أوجي، يقرر حينها المدير فصله فصلا تأديبيا.
يتم تكريم أوجي في إحتفال نهاية العام الدراسي، بميدالية "هنري وارد بيتشر"عقب اختياره الطالب المثالي مع مرتبة الشرف وذلك لما قدمه من سلوك نبيل وعمل مثابر، وسط تصفيق حار من عائلته وكل زملاؤه.

أعجوبة.. ميلودراما انسانية واقعية غير متكلفة تحمل في طياتها رسائل عديدة عن الحب والصداقة والرعاية العائلية في مواجهة العالم الذي صارت سمته القبح والتوحش. قصة طفل مرح وذكى صاحب قلب أبيض نقي وشفاف، لديه العديد من المواهب استطاع أن يستثمرها في التغلب على محنته وكسب قلوب ومحبة الناس حوله.

رؤية : طارق علي سرحان
[email protected]