- إهمال الطفل وعدم تربيته تربية صالحة مستمدة من الكتاب والسُّنة منذ نعومة أظفاره لها أثر سيئ على سلوكهأحمد محمد خشبة:أهداف تربية الأطفال:إن من أهداف تربية الأطفال هو أن يفتح الطفل عينه منذ نشأته على امتثال أوامر الله وعلى اجتناب ما نهى الله عنه ويدرب على الابتعاد عنها, والطفل يرتبط منذ صغره بأحكام الشريعة وبذلك فإنه لا يعرف سوى الإسلام تشريعاً ومنهاجاً.أن يكون الطفل يحترم القيم والخلاق، وأن يكون الطفل سعيداً، وأن يتعاطف الطفل مع الآخرين، وأن يكون ذكياً اجتماعياً، وأن يشعر الطفل بالراحة تجاه نفسه ويقدرها ويطور مهاراته دائ، وأن يكون الطفل شجاعاً وجريئاً.وقد أشار سبحانه وتعالى إلى هذه الأهداف بكلمة جامعة هي كلمة )قرة أعين( فقال تعالى:(وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً) (الفرقان ـ 74)، يقول الإمام البغوي في تفسير كلمة (قُرَّةَ أَعْيُنٍ) أي: أولادًا أبرارًا أتقياء، يقولون اجعلهم صالحين فتقر أعينُنا بذلك. قال القرظي: ليس شيء أقر لعين المؤمن من أن يرى زوجته وأولاده مطيعين لله عزوجل, وقاله الحسن.مخاطر الإهمال في التربية:إن إهمال الطفل وعدم تربيته تربيةً صالحةً مستمدةً من الكتاب والسنة منذ نعومة أظفاره لها أثر سيئ على سلوكه، حيث إن الطفل الذي لم يتلق تربية صالحة فإنه في الغالب عندما يكبر ويشب, يقع في المحرمات والموبقات, ويعق والديه ولا يبرهما, ويقطع الأرحام ولا يصلها, ويضر المجتمع كله, والكل يشتكون منه ويقولون: هذا لم يترب جيداً, قد غفل عن تربيته والداه, وأهملا في تنشئته وتزكيته, إما جهلًا أو انشغالًا بأمور أخرى, وعدم الجلوس مع الأولاد وعدم مصاحبتهم, وهما لم يفهما مقاصد الزواج, وما هي مسؤولية الوالدين.قال ابن القيم: وكم ممن أشقى ولده وفلذة كبده في الدنيا والآخرة بإهماله, وترك تأديبه, وإعانته على شهواته, وهو بذلك يزعم أنه يكرمه وقد أهانه، ويرحمه وقد ظلمه، ففاته انتفاعه بولده وفوت على ولده حظه في الدنيا والآخرة، ثم قال: وإذا اعتبرت الفساد في الأولاد رأيت عامته من قبل الآباء.والإهمال في التربية قد يؤدي إلى النار ـ أعاذنا الله منها ـ وقد حذر المولى عزوجل من ذلك فقال:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) (التحريم ـ 6).تربية الأولاد كما يراها القرآن:لا شك أن القرآن قد اشتمل على جميع طرق الهداية للعالمين, فمن شاء اهتدى ومن شاء كان من الذين في طغيانهم يعمهون. والقرآن يعتني بهداية الإنسان منذ طفولته بل من قبل وجوده, ولذلك يحث الآباء على الدعاء بالولد الصالح, ويأمرهم بالاقتداء بالأنبياء والصالحين في تربية أولادهم.وقد قصَّ علينا القرآن الكريم بعضاً من سير الأنبياء والصالحين في تربية أولادهم وأهليهم، مثل إبراهيم وإسماعيل ويعقوب ولقمان ـ عليهم السلام ـ وغيرهم.أما إبراهيم ـ عليه السلام ـ فقد دعا الله أن يرزقه من الصالحين, فقال تعالى على لسان إبراهيم:(رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ) (الصافات ـ 100)، وبعد ما استجاب الله له ورزقه إسماعيل وإسحاق عليهما السلام, قام بتربيتهما بأحسن أساليب التربية, وأنبتهما نباتاً حسناً, حتى اختارهما الله للنبوة, وجعل الله في ذرية إبراهيم النبوة والكتاب بعد نوح ـ عليه السلام ـ فأكثر الأنبياء من صلب إسحاق عليه السلام, وسيد الأنبياء والمرسلين من صلب إسماعيل ـ عليه السلام ـ وقصة رؤيا إبراهيم تدل على أن إبراهيم ـ عليه السلام ـ جعل ابنه إسماعيل ـ عليه السلام ـ طائعاً صابراً بحيث لا يسعه إلا التسليم لأمر الله ولو أمر الله بذبحه , يقول الله تعالى في القرآن:(فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) (الصافات ـ 102)، هل هناك تربية أعظم من هذه التربية إذ يعرض على ابنه رؤياه التي يأمر الله فيها بذبحه، فلا يقول هذا الابن الصابر كيف تذبحني يا أبي, بل يسلم الأمر إلى الله ويقول يا أبي افعل ما يأمرك الله به، لا شك أن وراء هذا الاستسلام تربية عظيمة ناصحة قيمة، وأما ما قص الله علينا من تربية إسماعيل ـ عليه السلام ـ لأهله وأولاده فكما قال تعالى:(وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة) (مريم ـ 55)، فالأمر بالصلاة والزكاة مهم جداً في التربية لأن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر وتزكي الإنسان من الدنس والخطايا، كما أن الصلاة سبب لطهارة جسم الإنسان ولباسه وبيته، والزكاة تطهر مال الإنسان وتنميه حتى يكون حلالاً طيباً، ثم يتغذى بالحلال وينبت به نباتاً حسناً، حتى إذا عمل صالحاً تقبل الله منه وإذا دعا الله استجاب له.* إمام وخطيب جامع ذو النورين ـ الغبرة الشمالية