[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/zohair.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]زهير ماجد [/author]
اسألوا أي فلسطيني عن الغربة فهو خبير بها .. أو ذاك اللبناني الذي طوح في الأرض بحثا عن أمان اقتصادي. كل مايشتهيه " الغريب " إنه ليس في خليته الأولى .. مشكلة مسقط الرأس لاحل لها.
الشاعر الفلسطيني سالم جبران يتجول في مدينة صفد الفلسطينية، وهي مدينته، لكنه يقول لها " غريب انا ياصفد " .. ليس الهواء هو الهواء، ولا الماء، ولا حتى نقاوة الينابيع، ولا لون الأرض، ولا هي الخضرة المتعارف عليها، وليس هكذا شكل الأشجار يوم كانت فلسطين عروس المتوسط .. ثم والأهم من ذلك المناخ القائم في شكل الناس الذين لاينتمون لهذه الأرض، جاؤوها غرباء وحاولوا أن يصيروا منها فلم يتمكنوا .. ثمة جينات ترفضهم، ثمة صوت من أعماق الأرض يصرخ.
أثناء طفولتي سمعت نساء يغنين عن رجل ذهب لتحرير أرضه ولم يعد، لم أفهم البعد الإنساني، عرفت لاحقا إنه فلسطيني، لم يطق الغربة، أكله شعور الشوق لوطنه، فراح مع حبيبته البندقية لكنه لم يعد ، لنقرأ غسان كنفاني، ثم قصة البرتقال الحزين ليحيى حقي وغيره من قصص فلسطينية، سوف تصيبنا بالحزن إلى حد البكاء، ففيها من الغربة مالايحتمل.
هنالك غربة من تدبير صاحبها يمكنه أن يعود إلى بلاده ساعة يشاء، أما غربة الفلسطيني فقسرية، حصلت بقوة السلاح والقتل إن لم يترك بلاده، وهو بالتالي ممنوع من العودة إليها، يائس حيث يقيم، عندما حمل سلاحه من أجل غسل إحساسه بخيبة الغياب القسري ، كان مؤمنا انه الحل الوحيد ، هكذا تقول أغانيه الوطنية الثورية ، وزمانه هو من صنع الثورة التي انتسب إليها.
استمعت إلى كبار السن من فلسطينيي المخيمات عن غربتهم، هنالك قصص يشيب لها المرء وهو في سن الشباب الصغير .. عندما اطل عبد الناصر، تقول قصص فلسطينية، تعلق الفلسطينيون به، فقد كان الحل الوحيد في تلك السنين العجاف من أشعرهم بأن غربتهم لن تطول، وانه آت من اجل تحرير أرضهم وبلادهم وأعادتهم إلى مساقط رؤوسهم.
لكنه انهزم فهزموا معه، ولم يحدوا حلا سوى إعادة امتشاق السلاح .. لكن أهل السياسة اسقطوه ايضا، فما العمل. الغربة تزداد، والأحفاد في شوق أكثر من آبائهم وأجدادهم .. ثم ان إسرائيل تزداد قوة بعدما امدها العالم بأعتى انواع السلاح .. فمن يحرر فلسطين، ليس من دولة عربية يمكنها الإجابة على هذا السؤال سوى الشعوب، وحدها من تملك الإجابة وقد جربته .. هو مايخيف اسرائيل، ان يكون هنالك قائد صادق مليء بالشجاعة والتضحية والقدرة والقوة، وليس من ينهار امام عرض تقدمه اميركا واسرائيل فيقبله، ثم يسقط فيه ويدفع ثمنه اكثر بكثير من كفاحه المسلح الذي كان والذي حوله الى رقم صعب كانت تهتز الدنيا لثورته ولقضيته.
كم تتضاعف الغربة عندما يسقط السلاح من اليد، ويصبح المقاتل فارغ اليدين، اعزل الا من ايمان ..
هاهم الفلسطينيون في مخيمات البؤس، يرفعون صور قادتهم ( بعض القادة يقولون بمنع السلاح ) والى جانبها كلام كثير عن العودة، ورسومات من صميم الاحساس الانساني بالغربة التي تزداد .. كل احساس ينقص مع الوقت إلا الغربة.