من الأدب الروسي

منذ أيام قليلة، دعوتُ يوليا فاسيليفنا (مربّية أطفالي) إلى مكتبي لكي أتحدث معها على انفراد ولأصفي حسابي معها.
فقلت لها: إجلسي يا يوليا ودعينا نصفي حسابنا، لابد أنكِ بحاجة لبعض النقود ولكني أراكِ تتصرفين برسمية لدرجة أنكِ لا تطالبين بحقك.
حسناً، يبدو أننا قد اتفقنا على أن تكون علاوتك الشهرية (ثلاثين روبلاً)، أليس كذلك؟
"بل أربعين"، أشارت يوليا.
قال: كلا، بل ثلاثين. لقد دوّنتُ ذلك…فأنا غالباً ما أدفع للمربيات (ثلاثين روبلاً). حسنا دعيني أرى، لقد عملتِ بالمنزل قرابة الشهرين، أليس كذلك؟
قالت يوليا: "شهرين وخمسة أيام"، فرد عليها قائلاً: "بل شهرين، لقد دوّنت ذلك، وبذلك ستكون علاوتك بمبلغ قدره ستون روبلاً، كما سأخصم من هذا المبلغ مستحقات تسعة أيام وذلك لأنكِ لم تعلّمي كوليا أيام الآحاد، بل كنتِ تتنزهين فقط ومن ثم كنتِ في إجازة مدة ثلاثة أيام.
احمّر وجه يوليا ولامست أصابعها أهداب الفستان، ولم تتفوه بأي كلمة. أكمل حديثه بعدها قائلاً: " إذاً، ثلاثة أيام إجازة، هكذا سنخصم اثني عشر روبلاً". كما كان كويلا مريضاً مدة أربعة أيام ولم تعتني به خلال تلك الفترة، بل اعتنيتِ بفانيا فقط.

كما كانت أسنانكِ تؤلمك فسمحتْ لك زوجتي بالبقاء بعيداً عن الأطفال مدة ثلاثة أيام، إذاً اثنا عشر روبلاً زائد سبعة يساوي تسعة عشر روبلاً، وبعد الخصم يكون المجموع (واحدا وأربعين روبلاً) أليس كذلك؟
إحمرّت عينُ (يوليا فاسيليفنا) اليسرى وفاضت بالدمع، وارتجف ذقنها، وبدأت تكح وتسعل بعصبية ولكن لم تنطق بأي كلمة.

ثم قال بعدها: وقبيل رأس السنة كسرتِ فنجاناً وطبقاً، ولذلك سنخصم روبلين، رغم أنه يكلف أكثر من ذلك لأنه يعد هدية تذكارية ولكن لا بأس سنعفو عن ذلك. الأمر الآخر، تسلق كوليا شجرة ما ومزق سترته وذلك كله بسببك وبسبب إهمالكِ وتقصيرك الزائد، وبذلك سنخصم عشرة.
وبسبب تقصيرك أيضاً، سرقتْ الخادمة حذاء فاريا وولّت هاربة، فكان ينبغي أن تكوني حذرة فأنت تتقاضيْن مرتبا شهرياً جيدا، هكذا سنخصم خمسة روبلات.
كما أخذتِ مني عشرة روبلات في العاشر من شهر يناير. قالت يوليا فاسيليفينا: كلا، لم أفعل، قال: بل فعلتِ ذلك.
قالت: حسناً، ربما. قال: نخصم سبعة وعشرين روبلاً من أصل واحد وأربعين فيكون الباقي أربعة عشر روبلاً.

امتلأت عيناها بالدموع، وظهرت قطرات العرق على أنفها الصغير. يا للفتاة المسكينة!!، ثم قالت بصوت مليء بالذعر: لقد أخذتُ النقود مرة واحدة، لقد أخذتُ ثلاثة روبلات من عند زوجتك، ثلاثة روبلات لا غيرها.
قال: حقا؟ أفعلتِ ذلك؟ أنا لم أدوّن ذلك الأمر، إذاً نخصم ثلاثة روبلات من الأربعة عشر فيتبقى لكِ أحد عشر روبلاً، حسنا، هذا هي علاوتكِ عزيزتي، ثلاثة وثلاثة وثلاثة وواحد وواحد، خذي نقودك.
أعطاها أحد عشر روبلا، فتناولت المبلغ ووضعته في جيبها وكانت أصابعها ترجف من الرهبة والخوف، ثم همست له قائلةً: شكرا.

فثار الرجل كالبركان وغضبُ غضباً عارماً وكاد يفقد عقله ويصاب بالجنون وسألها: لماذا قلت شكراً؟
فأجابت: على النقود
قال: ألم تلاحظي أني كنت أحاول خداعكِ وسلبكِ أموالك؟ وبعد كل هذا تقولين لي "شكرا"؟
قالت: ولكنهم لا يعطونني أي شيء في غيرها من الأماكن.
"لا يعطونك،" أجاب مندهشا! لا تعجبي من ذلك! فقد كنت أحاول خداعك – كانت مجرد حيلة محتال، سأعطيكِ كل نقودك ثمانون روبلاً نقدا ستجدينها هنا داخل هذا الظرف.
ولكنني أتساءل، كيف يمكن للشخص أن يكون غبياً الى هذه الدرجة؟ لماذا لم تتفوهي بأي كلمة؟ لماذا أنتِ صامتة؟ كيف يمكن لشخص أن يكون عاجزاً إلى هذا الحد؟ لماذا تتصرفين بغباء؟
ابتسمتْ ابتسامةً مريرة - فقرأتُ على وجهها كلمات تقول: “نعم، إنه أمر ممكن". اعتذرتُ منها وأعطيتها الثمانين روبلاً، فما كان قولها إلا أن شكرتني عدة مرات وخرجتْ.
تطلّعت في إثرِها وبتُّ أفكر مراراً وتكراراً بأنه " من السهل أن يكون المرء قويا في هذا العالم".

ترجمة ـ حمود العامري
مترجم بجامعة السلطان قابوس