الحَمْدُ للهِ الَّذِي أَرْسَلَ إِلَيْـنَا رَسُولاً كَرِيمًا، وَهَدَانَا إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْـتَقِيمًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، القَائِلُ فِي مُحْـكَمِ كِتَابِهِ:(ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (النحل ـ125) وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَرْسَلَهُ رَبُّهُ بِالحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا، وَدَاعِيًا إِلَيْهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا، (صلى الله عليه وسلم) وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ:أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي أَوْلاً بِتَقْوَى اللهِ العَظِيمِ وَطَاعَتِهِ، فَإِنَّ مَنِ اتَّقَى اللهَ جَعَلَ اللهُ لَهُ مِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَمِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَمِنْ كُلِّ ضَلالَةٍ هُدًى، وَمِنْ كُلِّ عُسْرٍ يُسْرًا، وَمِنْ كُلِّ بَلاءٍ عَافِيَةً، وَإِلَى كُلِّ خَيْرٍ سَبِيلاً؛ وَاعلَمُوا -أَيُّهَا الإِخْوَةُ المُؤْمِنُونَ- أَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَدْ مَنَّ عَلَى عِبَادِهِ بِبِعْـثَةِ خَيْرِ الأَنَامِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلاةِ وَالسَّلامِ، وَلَقَدْ كَانَ العَالَمُ يَتَرَقَّبُ حَدَثَ مِيلادِهِ تَرَقُّبَ الظَّامِئِ إِلَى المَاءِ، لِمَا سَبَقَ مِنْ مُبَشِّرَاتٍ بِهِ (صلى الله عليه وسلم) فِي كُتُبِ السَّمَاءِ، وَلِمَا اشتَهَرَ مِنْ قَبْـلِهِ عَلَى أَلْسِنَةِ الأَنْبِيَاءِ، وَمَعَ اشتِدَادِ غُرْبَةِ الدِّينِ، وَمَعَ تَأَلُّمِ العُقَلاءِ مِنَ البَشَرِ مِمَّا تَرَدَّتْ إِلَيْهِ أَوْضَاعُ الإِنْسَانِيَّةِ قَبْـلَ البِعْـثَةِ النَّبَوِيَّةِ، ازْدَادَ تَلَهُّفُ النَّاسِ إِلَى إِشْرَاقِ شَمْسِ الرِّسَالَةِ المُحَمَّدِيَّةِ، وَكَانُوا كَالمُتَرَائِينَ لِلهِلالِ يَتَرَقَّبُونَ بُزُوغَهُ، حَتَّى أَذِنَ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِانبِلاجِ فَجْرِ النُّبُوَّةِ الخَاتِمَةِ وَانقِشَاعِ ظُلُمَاتِ الجَاهِلِيَّةِ القَاتِمَةِ، فَبَزَغَ نُورُ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ (صلى الله عليه وسلم) عَلَى الكَوْنِ كَالفَجْرِ السَّاطِعِ، مُرْشِدًا وَمُوَجِّهًا وَبَاذِلاً جُهْدَهُ فِي دَعْوَةِ النَّاسِ وَبَيَانِ دِينِ الحَقِّ، فَوَفَّقَهُ اللهُ تَعَالَى فِي مُدَّةٍ يَسِيرَةٍ مِنَ الزَّمَنِ، إِلَى تَغْيِيرِ مُعْـتَقَدَاتِ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ الَّذِينَ بُعِثَ فِيهِمْ وَإِصْلاحِ أَحْوَالِهِمْ، وَإِذَا بِالتَّارِيخِ يَشْهَدُ ظُهُورَ أُمَّـةٍ جَدِيدَةٍ تَقُومُ بِالقِسْطِ وَتَأْمُرُ بِالمَعْرُوفِ وَتَنْهَى عَنِ المُنْكَرِ، (لَقَدْ مَنَّ اللَّـهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ) (آل عمران ـ 164).أَيُّهَا المُسلِمُونَ:إِنَّ نَجَاحَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ (صلى الله عليه وسلم) فِي دَعْوَتِهِ يَعُودُ بَعْدَ تَوفِيقِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إِلَى جُمْـلَةِ أَسْـبَابٍ، عَمِلَ بِهَا (صلى الله عليه وسلم) بِتَوْجِيهٍ مِنَ العَلِيمِ الخَبِيرِ، مِنْ بَيْنِهَا الإِخْلاصُ فِي القَوْلِ وَالعَمَلِ، يَقُولُ لَهُ عَزَّ وَجَلَّ:(أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ، إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ) (الزمر 11 ـ 12)، كَمَا يَقُولُ لَهُ:(قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) (الانعام 162 ـ 163)، فَالإِخْلاصُ مَدَارُ صَلاحِ الأَعْمَالِ وَقَبُولِهَا عِنْدَ اللهِ تَعَالَى، وَبِهِ ارتَقَى نَبِيُّنَا (صلى الله عليه وسلم) مُرتَقًى عَظِيمًا، فَكَانَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ رَأْسَ المُخْـلِصِينَ، وَإِمَامَ المُرَاقِبِينَ لأَقْوَالِهِمْ وَأَعْـمَالِهِمْ، يَبْـتَغِي فِي كُلِّ حَرَكَةٍ وَفِي كُلِّ سَكْنَةٍ رِضى اللهِ سُبْحَانَهُ. وَتِجَارَةُ الإِخْلاصِ تِجَارَةٌ لا تَبُورُ، فَإِنَّكَ إِنْ أَخْـلَصْتَ فِي أَيِّ عَمَلٍ تَقُومُ بِهِ بَارَكَ اللهُ فِي ذَلِكَ العَمَلِ، وَرَأَيْتَ ثَمَرَتَهُ فِي الدُّنيَا قَبْـلَ الآخِرَةِ، وَمَنِ الأَسْـبَابِ الَّتِي هَيَّـأَتْ نَجَاحَ دَعْوَتِهِ (صلى الله عليه وسلم) أَنَّهُ ـ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ دَعَا إِلَى العِلْمِ، وَحَثَّ عَلَى نَشْرِهِ وَبَيَانِ فَضْـلِهِ، فَكَمْ هِيَ الآيَاتُ فِي كِتَابِ اللهِ وَالأَحَادِيثُ المُتَعَدِّدَةُ فِي سُنَّةِ النَّبِيِّ الحَاثَّةُ عَلَى العِلْمِ وَاستِنْهَاضِ الهِمَمِ لأَجْـلِ تَحْصِيلِهِ؛ يَقولُ اللهُ تَعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّـهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا يَرْفَعِ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّـهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (المجادلة ـ 11)، (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ) (الزمر ـ 9) وَفِي حَدِيثِ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وسلم):(تَعَلَّمُوا العِلْمَ فَإِنَّ تَعَلُّمَهُ قُرْبَةٌ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَتَعْـلِيمَهُ لِمَنْ لا يَعْـلَمُهُ صَدَقَةٌ، وَإِنَّ العِلْمَ لَيَنْزِلُ بِصَاحِبِهِ فِي مَوْضِعِ الشَّرَفِ وَالرِّفْعَةِ، وَالعِلْمُ زَيْنٌ لأَهْـلِهِ فِي الدُّنيَا وَالآخِرَةِ)، وَمِنَ الأَسْبَابِ الَّتِي كَانَتْ مُهَيِّئةً لِنَجَاحِ دَعْوَةِ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وسلم) تَعْـلِيمُ القُرْآنِ الكَرِيمِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ (صلى الله عليه وسلم) حَرَصَ عَلَى تَعْـلِيمِ أَتْبَاعِهِ تِلاوَةَ القُرآنِ الكَرِيمِ وَفَهْمَ مَعَانِيهِ، يَقُولُ الحَقُّ تَعَالَى:(اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّـهِ أَكْبَرُ وَاللَّـهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) (العنكبوت ـ 45)، ويَقولُ:(يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّـهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّـهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) (المائدة ـ 67)، وَيَقُولُ عَبْدُ اللهِ بنُ مَسْعُودٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:(كُنَّا إِذَا نَزَلَتْ عَشْرُ آيَاتٍ مِنَ القُرآنِ الكَرِيمِ لَمْ نَتَجَاوَزْهُنَّ إِلَى غَيْرِهِنَّ حَتَّى نُحْـكِمَهُنَّ عِلْمًا وَعَمَلاً)، وَمِمَّا كَانَ سَبَبًا ـ يَا عِبَادَ اللهِ ـ لِنَجَاحِ دَعْوَةِ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وسلم) أَنَّهُ لَمْ يَدْعُ إِلَى طَائِفِيَّةٍ وَلا إِلَى مَذْهَبِيَّةٍ وَإِنَّمَا دَعَا دَعْوَةً عَامَّةً، فَهُوَ لِكَافَّةِ الخَلْقِ رَحْمَةٌ، وَالنَّبِيُّ (صلى الله عليه وسلم) يَقُولُ: (بُعِثْتُ إِلَى الأَحْمَرِ وَالأَسْوَدِ يَعْـنِي: الثَّقَلَيْنِ: الإِنْسَ وَالجِنَّ)، فَلَمَّا كَانَتْ هَكَذَا دَعْوَتُهُ (صلى الله عليه وسلم) قَائِمَةً عَلَى العِلْمِ، دَائِرَةً عَلَى الإِخْلاصِ، تَتَّسِمُ بِالبَسَاطَةِ فِي مَغْزَاهَا وَسَائِرِ مَفَاهِيمِهَا، لا تَرْتَضِي الإِشْرَاكَ بِعِبَادَةِ اللهِ عَزَّوَجَلَّ، قَدْ أَتَتْ بِمَا لا يُنَاقِضُ العَقْـلَ وَبِمَا يُوَافِقُ الفِطْرَةَ، فَقَبِلَهَا النَّاسُ بَلْ تَشَرَّبَتْ قُلوبُهُمْ حُبَّهَا، لأَنَّهَا دَعْوَةٌ تُوَافِقُ العَقْـلَ وَتَتَمَاشَى مَعَ المَنْطِقِ، وَتُهَذِّبُ الغَرَائِزَ، وَتُقِيمُ الإِنْسَانَ عَلَى الصِّرَاطِ المُسْـتَقِيمِ؛ وَلَمَّا فَهِمَ النَّاسُ دَعْوَةَ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وسلم) بِهَذَا الفَهْمِ تَغَلْغَلَ حُبُّهَا فِي قُلُوبِهِمْ، وَبَادَرُوا إِلَى إِعْطَاءِ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وسلم) العُهُودَ وَالمَوَاثِيقَ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَحَرَصُوا عَلَى نُصْرَتِهِ فَأَيَّدَهُمُ اللهُ تَعَالَى بِنَصْرِهِ، وَجَعَلَهُمْ قَادَةَ الخَلْقِ إِلَى الحَقِّ المُبِينِ (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّـهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّـهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَٰلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) (الفتح ـ 29).أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ:إِنَّ مِنْ أَجَلِّ مَا جَاءَتْ بِهِ دَعْوَةُ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وسلم) أَنَّهَا حَثَّتْ عَلَى الإِيمَانِ بِالغَيْبِ، فَكَمْ هِيَ الأَوَامِرُ فِي الكِتَابِ العَزِيزِ وَفِي سُنَّةِ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وسلم) الَّتِي يَقْرِنُهَا اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِالإِيمَانِ بِهِ وَبِاليَوْمِ الآخِرِ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّـهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) (النساء ـ 59)، وَفِي حَدِيثِ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وسلم):(مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلا يُؤْذِ جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْـفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ)، ذَلِكَ لأَنَّ شَأْنَ الإِيمَانِ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ إِذَا وَقَرَ فِي القَلْبِ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ صَاحِبَهُ عَلَى مُرَاقَبَةِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، مُرَاقَبَةً جَلِيلَةً فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ، فَلا يَظْلِمُ وَلا يَسْرِقُ وَلا يَقْتُلُ وَلا يَزْنِي وَلا يَبْغِي فِي الأَرْضِ، هَذَا وَإِنَّمَا يَذُوقُ طَعْمَ الإِيمَانِ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ مَنْ آمَنَ بِدَعْوَةِ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وسلم) وَاتَّبَعَ هُدَاهُ، وَعَرَفَ قِيمَةَ مَا جَاءَ بِهِ ـ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ فَإِنَّ الإِيمَانَ الحَقِيقِيَّ لَيْسَ لَقْلَقَةً بِاللِّسَانِ، وَإِنَّمَا هُوَ مَا وَقَرَ فِي القَلْبِ وَصَدَّقَهُ العَمَلُ، وَكَثِيرًا مَا نَجِدُ المَوْلَى سُبْحَانَهُ فِي كِتَابِهِ يَعْطِفُ عَلَى الإِيمَانِ الأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ، لِلارتِبَاطِ الوَثِيقِ بَيْـنَهُمَا، كَقَولِهِ عَزَّ وَجَلَّ: (وَالْعَصْرِ، إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) (العصر 1 ـ 3)، إِنَّ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُسَابِقُونَ إِلَى الخَيْرَاتِ مِنْ تَعْـلِيمِ القُرآنِ الكَرِيمِ وَحَثِّ أَبْـنَائِهِمْ عَلَى العِلْمِ، وَأُولَئِكَ القَائِمِينَ بِالمَعْرُوفِ وَالمُنْتَهِينَ عَنِ المُنْكَرِ لا يَدْفَعُهُمْ إِلَى فِعْـلِ مَا فَعَلُوا إِلاَّ الإِيمَانُ بِاللهِ وَبِاليَوْمِ الآخِرِ، وَأُولَئِكَ الَّذِينَ يَكُونُونَ بِالمِرْصَادِ لِكُلِّ فِتْنَةٍ وَلِكُلِّ مَا يُزَعْزِعُ الصَّفَّ المُسْـلِمَ وَمَا يَصْدَعُ وَحْدَةَ المُسْـلِمِينَ فَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَيَدْفَعُونَ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، مَا يَحْمِلُهُمْ عَلَى ذَلِكَ إِلاَّ مَا وَقَرَ فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الإِيمَانِ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ.فَاتَّقُوا اللهَ ـ عِبَادَ اللهِ، وَرَسِّخُوا فِي قُلُوبِكُمُ الإِيمَانَ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ، وَاتَّبِعُوا النَّبِيَّ (صلى الله عليه وسلم)، حَتَّى تَنَالُوا مَحَبَّـةَ اللهِ ومَحَبَّـةَ نَبِيِّهِ (صلى الله عليه وسلم)، (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّـهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّـهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّـهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ، قُلْ أَطِيعُوا اللَّـهَ وَالرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ) (آل عمران 31 ـ 32).أقُولُ قَوْلي هَذَا وَأسْتغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لي وَلَكُمْ، فَاسْتغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ، وَادْعُوهُ يَسْتجِبْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ البَرُّ الكَرِيْمُ.الحَمْدُ للهِ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِدِينِ الحَقِّ فَكَانَ هِدَايَةً لِلْخَلْقِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ سَيِّدُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ، وَإِمَامُ النَّبِيِّينَ وَالمُرْسَلِينَ (صلى الله عليه وسلم) وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ:هَلْ كَانَ مَا حَقَّقَهُ النَّبِيُّ (صلى الله عليه وسلم) مِنْ نَجَاحٍ قَدْ حَصَلَ لَهُ مُنْفَرِدًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَتْبَاعٌ؟ كَلا، وَإِنَّمَا كَانَ لَهُ ذَلِكُمُ النَّصْرُ المُبِينُ، وَالعِزُّ وَالتَّمْـكِينُ، بِصِدْقِ مَنِ اتَّبَعَهُ (صلى الله عليه وسلم) فِي أَقْوَالِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ، وَرَأَى النَّاسُ صِدْقَهُمْ فِيمَا يَقُولُونَ وَمَا يَفْعَلُونَ، فَتَأَثَّرُوا بِهِمْ حَتَّى دَخَلُوا فِي دِينِ اللهِ أَفْوَاجًا، وَبِلادُنَا ـ يَا عِبَادَ اللهِ ـ لَهَا التَّارِيخُ المَجِيدُ فِي دَعْوَةِ النَّاسِ إِلَى دَعْوَةِ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وسلم)، فَكَمْ هِيَ البُلْدَانُ الَّتِي تَأَثَّرَتْ بِأَهْـلِ عُمَانَ فِي أَخْلاقِهِمْ وَفِي حِفْظِهِمْ لِوَصَايَا نَبِيِّهِمُ الكَرِيمِ وَتَمَثُّلِهِمْ لِمَنْهَجِهِ ـ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ فِي أَقْوَالِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ حَتَّى دَخَلَ النَّاسُ عَلَى أَيدِيهِمْ فِي دِينِ اللهِ، وَإِنَّ الخَلَفَ لَمُطَالَبُونَ بِمَا كَانَ عَلَيْهِ أَسْلافُهُمْ مِنْ صِدْقِ الوَلاءِ لِلنَّبِيِّ (صلى الله عليه وسلم) وَتَحْـقِيقِ مَحَبَّـتِهِ، وَتَمَـثُّلِ مَنْهَجِهِ، وَاتِّبَاعِ دَعْوَتِهِ، وَاقتِفَاءِ سِيرَتِهِ، فَإِذَا صَدَقُوا اللهَ عَزَّ وَجَلَّ فِي ذَلِكَ أَظْهَرَ فِيهِمُ العُلَمَاءَ وَالنُّجَبَاءَ وَالقَادَةَ الَّذِينَ يُمَكِّنُ اللهُ لَهُمْ فِي الأَرْضِ، (وَعَدَ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (النور ـ 55)، فَاتَّقُوا اللهَ ـ عِبَادَ اللهِ ـ وَحَافِظُوا عَلَى إِيمَانٍ بِاللهِ صَحِيحٍ وَعَقِيدَةٍ سَلِيمَةٍ، وَاستَكْثِرُوا مِنْ أَعْمَالٍ صَالِحَةٍ تَتَقَرَّبُونَ بِهَا إِلَى اللهِ لا يَشُوبُهَا رِيَاءٌ وَلا سُمْعَةٌ، أَخْلِصُوا للهِ أَعْمَالَكُمْ، وَابتَغُوا بِمَا تَأْتُونَهُ وَبِمَا تَذَرُونَهُ وَجْهَ اللهِ، لِيُبَارِكَ اللهُ لَكُمْ فِي أَعْمَارِكُمْ، وَيُنَجِّيكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ.هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى إِمَامِ المُرْسَلِينَ، وَقَائِدِ الغُرِّ المُحَجَّلِينَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاةِ وَالسَّلامِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيمًا:(إِنَّ اللَّـهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) (الاحزاب ـ 56).اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ وسَلَّمْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيمَ، فِي العَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، وَعَنْ المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعًا مَرْحُومًا، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقًا مَعْصُومًا، وَلا تَدَعْ فِينَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُومًا.اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ وَالمُسْلِمِينَ، وَوَحِّدِ اللَّهُمَّ صُفُوفَهُمْ، وَأَجْمِعْ كَلِمَتَهُمْ عَلَى الحَقِّ، وَاكْسِرْ شَوْكَةَ الظَّالِمِينَ، وَاكْتُبِ السَّلاَمَ وَالأَمْنَ لِعِبادِكَ أَجْمَعِينَ.اللَّهُمَّ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ يَا ذَا الجَلالِ وَالإِكْرَامِ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ بِكَ نَستَجِيرُ، وَبِرَحْمَتِكَ نَسْتَغِيثُ أَلاَّ تَكِلَنَا إِلَى أَنْفُسِنَا طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ، وَأَصْلِحْ لَنَا شَأْنَنَا كُلَّهُ يَا مُصْلِحَ شَأْنِ الصَّالِحِينَ.اللَّهُمَّ رَبَّنَا احْفَظْ أَوْطَانَنَا وَأَعِزَّ سُلْطَانَنَا وَأَيِّدْهُ بِالحَقِّ وَأَيِّدْ بِهِ الحَقَّ يَا رَبَّ العَالَمِينَ، اللَّهُمَّ أَسْبِغْ عَلَيْهِ نِعْمَتَكَ، وَأَيِّدْهُ بِنُورِ حِكْمَتِكَ، وَسَدِّدْهُ بِتَوْفِيقِكَ، وَاحْفَظْهُ بِعَيْنِ رِعَايَتِكَ.اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاءِ وَأَخْرِجْ لَنَا مِنْ خَيْرَاتِ الأَرْضِ، وَبَارِكْ لَنَا فِي ثِمَارِنَا وَزُرُوعِنَا وكُلِّ أَرْزَاقِنَا يَا ذَا الجَلالِ وَالإِكْرَامِ. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ، المُسْلِمِينَ وَالمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيعٌ قَرِيبٌ مُجِيبُ الدُّعَاءِ.عِبَادَ اللهِ:(إِنَّ اللَّـهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (النحل ـ 90).