الحَمْدُ للهِ الَّذي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنْسانِ مِنْ طِينٍ، ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَأَسْجَدَ لَهُ مَلائِكَتَهُ المُقَرَّبِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، خَلَقَ الخَلْقَ لِعِبَادَتِهِ وَهُوَ الغَنِيُّ عَمَّا يَعْمَلُونَ، وَأَمَرَهُمْ بِطَاعَتِهِ وَهُوَ أَعْـلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، النَّبِيُّ الأَوَّاهُ الأَمِينُ، أَرْسَلَهُ رَبُّهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، وَسِرَاجًا لِلْمُهْـتَدِينَ، (صلى الله عليه وسلم) وَعَلَى آلِهِ وَصَحَابَتِهِ الغُرِّ المَيَامِينِ، وَعَلَى مَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: اتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَاعْـلَمُوا أَنَّكُمْ تُعَامِلُونَ رَبًّا كَرِيمًا، غَفُورًا رَحِيمًا، أَحْسَنَ إِلَيْكُمْ غَايَةَ الإِحْسَانِ، وَخَصَّكُمْ بِنِعَمِهِ الَّتِي لا تُعَدُّ وَلا تُحْصَى، وَلا يُكَافِئُ إِحْسَانَهُ إِحْسَانٌ، وَلا يُقَارَنُ إِنْعَامُهُ بِإِنْعَامٍ، أَلَمْ يَهَبْكُمْ عُقُولاً بِهَا تَفْقَهُونَ؟ وَأَيْدِيًا بِهَا تَعْمَلُونَ؟ وَأَرْجُلاً بِهَا تَمْشُونَ؟ وَأَسْمَاعًا وَأَبْصَارًا بِهَا تَسْمَعُونَ وَتُبْصِرُونَ؟ (وَاللَّـهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (النحل ـ 78)، فَوَاعَجَبًا لِلإِنْسَانِ مَعَ نِعَمِ الرَّحْمَنِ الَّتِي يَتَقَلَّبُ فِيهَا، كَيْفَ يَصْرِفُ نَفْسَهُ عَنْ شُكْرِهِ وَعِبَادَتِهِ! وَيُعْرِضُ عَنْ هِدَايَتِهِ وَطَاعَتِهِ! (أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ، الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ، فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاءَ رَكَّبَكَ) (الانفطار 6 ـ 8)، فَعَلَى العَاقِلِ أَنْ يُقَابِلَ هَذَا الإِحْسَانَ الإِلَهِيَّ بِالطَّاعَةِ وَالبُعْدِ عَنِ الكُفْرَانِ، وَهَذَا مَا يَقْتَضِيهِ الشَّرْعُ وَالعَقْلُ وَالفِطْرَةُ:(هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ) (الرحمن ـ 60).
أَيُّهَا الإِنْسَانُ:
اسْـتَمِعْ إِلَى رَبِّكَ وَهُوَ يَأْمُرُكَ بِالإِحْسَانِ فَيَقُولُ:(إِنَّ اللَّـهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (النحل ـ 90)، وَاسْـتَبِنْ مَعْـنَى الإِحْسَانِ مِنْ إِجَابَةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ (صلى الله عليه وسلم) لِجِبْرِيلَ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ ـ حِينَ سَأَلَهُ عَنْ مَعْـنَى الإِحْسَانِ؟ فَقَالَ (صلى الله عليه وسلم):(الإِحْسَانُ أَنْ تَعْـبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ)، فَمَرْتَبَةُ الإِحْسَانِ أَعْـلَى المَرَاتِبِ، وَبِهَا أَثْنَى اللهُ تَعَالَى عَلَى كِبَارِ المُصْطَفَيْنَ مِنْ عِبَادِهِ، كَنُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَإِلْيَاسَ عَلَيْهِمُ السَّلامُ، وَأَثْبَتَ مَحَبَّـتَهُ لِمَنِ اتَّصَفَ بِهَا فَقَالَ:(وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (البقرة ـ 195)، وَجَعَلَ ثَوَابَ الإِحْسَانِ مُعَجَّلاً غَيْرَ آجِلٍ فَقَالَ:(مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (النحل ـ 97)، إِنَّ ثَوَابَ المُحْسِنِينَ مَكْفُولٌ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ:(الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللَّـهِ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ) (التوبة ـ 20).
مَعَاشِرَ المُؤْمِنِينَ:
لَقَدْ بَيَّنَ اللهُ تَعَالَى بَيَانًا وَاضِحًا بِأَنَّ السَّلامَةَ فِي العُقْبَى لِمَنْ رَاعَى الإِحْسَانَ فِي ظِلالِ الإِسْلامِ، يَقُولُ عَزَّ وَجَلَّ:(بَلَىٰ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّـهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) (البقرة ـ 112)، وَيَقُولُ أَيْضًا:(وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّـهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ وَإِلَى اللَّـهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) (لقمان ـ 22)، وَبِهَذَا تَتَوَسَّعُ دَائِرَةُ الإِحْسَانِ لِتَشْمَلَ ضُرُوبًا كَثِيرَةً، فَإِحْسَانٌ فِي التَّعَامُلِ مَعَ الرَّحْمَنِ، وَإِحْسَانٌ فِي التَّعَامُلِ مَعَ بَنِي الإِنْسَانِ، فَلْتُحْسِنْ مُعْـتَقَدَكَ ـ يَا عَبْدَ اللهِ ـ فَلا تَعْـتَقِدْ فِي رَبِّكَ إِلا صِفَاتِ الكَمَالِ وَالجَلالِ، وَلْتُحْسِنْ عَلاقَتَكَ بِمَوْلاكَ فَلا تَجْحَدْ نِعَمَهُ وَلا تَتَهَاوَنْ فِي التَّقَرُّبِ إِلَيْهِ، وَبَادِرْ إِلَى فِعْـلِ مَا يُحِبُّهُ، ذَلِكَ لأَنَّ اللهَ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلاً أَنْ يُتْقِنَهُ، فَكَمْ مِنْ عَامِلٍ عَمَلاً يَظُنُّ أَنَّهُ فِيهِ مِنَ المُحْسِنِينَ المُتْـقِنِينَ، وَهُوَ عَلَى إِحْسَانٍ كَاذِبٍ، أَوْ خَادِعٍ، وَكَمْ مِنْ أُنَاسٍ يَأْتُونَ مِنَ الأَعْمَالِ مَا يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ بِهَا قَدْ أَحْسَنُوا فَإِذَا بِهَا تُرَدُّ عَلَى وُجُوهِهِمْ يَوْمَ القِيَامَةِ، (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا، الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا) (الكهف 103 ـ 104)، ذَلِكَ لأَنَّهَا خَلَتْ مِنْ شَرَائِطِ قَبُولِ الأَعْمَالِ، الَّتِي مِنْ أَعْظَمِهَا أَنْ يَكُونَ العَمَلُ خَالِصًا لِوَجْهِ اللهِ الكَرِيمِ، فَاللهُ لا يَقْبَلُ عَمَلاً أُشْرِكَ بِهِ غَيْرُهُ (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) (الكهف ـ 110)، إِنَّ مِنْ شُرُوطِ الإِحْسَانِ أَنْ يَكُونَ العَمَلُ عَلَى وَجْهِهِ الصَّحِيحِ، مِثْلَمَا شَرَعَهُ رَسُولُنَا الكَرِيمُ (صلى الله عليه وسلم)، نَعَمْ فَكَمْ مِنْ مُصَلٍّ غَيْرُ مُصَلٍّ، وَكَمْ مِنْ صَائِمٍ غَيْرُ صَائِمٍ، وَكَمْ مِنْ مُزَكٍّ غَيْرُ مُزَكٍّ، وَكَمْ مِنْ حَاجٍّ غَيْرُ حَاجٍّ، ذَلِكَ لأَنَّهُ جَاءَ بِهِ عَلَى غَيْرِ وَجْهِهِ الصَّحِيحِ، لِذَلِكَ كَانَ عَلَى المَرْءِ أَنْ يَتَفَقَّهَ فِي الدِّينِ، دَخَلَ النَّبِيُّ (صلى الله عليه وسلم) المَسْجِدَ ذَاتَ يَومٍ فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى, ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ فَقَالَ: ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ فَرَجَعَ فَصَلَّى كَمَا صَلَّى, ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ فَقَالَ: ارْجِعْ فَصَلِّ, فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ ـ ثَلاثًا ـ فَقَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لا أُحْسِنُ غَيْرَهُ, فَعَلِّمْنِي, فَقَالَ: إذَا قُمْتَ إلَى الصَّلاةِ فَكَبِّرْ, ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ, ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا, ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْـتَدِلَ قَائِمًا, ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا, ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا وَافْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلاتِكَ كُلِّهَا، وَهكَذا قالَ (صلى الله عليه وسلم):(رُبَّ صَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ صِيَامِهِ الجُوعُ وَالْعَطَشُ، وَرُبَّ قَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ قِيَامِهِ السَّهَرُ)، لأَنَّ الأَعْمَالَ ـ يَا عِبَادَ اللهِ ـ لَهَا شُرُوطٌ وَأَرْكَانٌ، وَوَاجِبَاتٌ وَسُنَنٌ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ طُرُقٍ تَرْفَعُ صَاحِبَهَا فِي مَدَارِجِ الكَمَالِ وَتُوصِلُهُ إِلَى مَعَارِجِ الآمَالِ.
احْرِصْ ـ يَا عَبْدَ اللهِ ـ عَلَى أَلاَّ تُقَدِّمَ للهِ تَعَالَى العَمَلَ الرَّدِيءَ النَّاقِصَ وَأَنْتَ قَادِرٌ عَلَى تَقْدِيمِ العَمَلِ الجَيِّدِ الأَكْمَلِ، فَقَدْ يَسَّرَ اللهُ تَعَالَى لَكَ طَرِيقَ عِبَادَتِهِ، وَوَهَبَكَ الصِّحَّةَ وَالعَافِيَةَ، وَمَا لا يُحْصَى مِنَ النِّعَمِ الوَافِيَةِ، فَمَا لكَ تَرْضَى بِالدُّونِ؟ (وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَىٰ لَن نَّصْبِرَ عَلَىٰ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّـهِ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّـهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ) (البقرة ـ 61)، وَإِنَّكَ لَتَرْجُو مِنَ اللهِ تَعَالَى مَا لا يَرْجُوهُ غَيْرُكَ مِنْ فَضْـلِ اللهِ وَتَرْجو جَنَّتَهُ، فَاحْرِصْ ـ يَا عَبْدَ اللهِ ـ عَلَى إِحْسَانِ العَمَـلِ وَالسُّلُوكِ فَمِنْ شَأْنِ أَهْـلِ الإسْلامِ قِيَامُهُمْ بِالإِحْسَانِ، وَحِرْصُهُمْ عَلَى الإِتْقَانِ.
فَاتَّقُوا اللهَ ـ عِبَادَ اللهِ ـ وَاحْرِصُوا عَلَى الإِحْسَانِ فِي جَمِيعِ شُؤُونِكُمْ، فِيمَا تَعْتَقِدُونَهُ فِي اللهِ تَعَالَى، وَفِيمَا تَتَلَفَّظُونَ بِهِ مِنْ أَلْفَاظٍ، وَفِيمَا تَأْتُونَ بِهِ مِنْ أَعْمَالٍ، حَتَّى تُجَازَوْا بِالإِحْسَانِ إِحْسَانًا، وَبِالسَّـيِّئَاتِ عَفْوًا وَغُفْرَانًا.
أقُولُ قَوْلي هَذَا وَأسْتغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لي وَلَكُمْ، فَاسْتغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ، وَادْعُوهُ يَسْتجِبْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ البَرُّ الكَرِيْمُ.
الحَمْدُ للهِ الَّذِي رَفَعَ شَأْنَ المُحْسِنِينَ، وَأَعْـلَى أَقْدَارَهُمْ يَوْمَ الدِّينِ، أَحْمَدُهُ عَلَى نِعَمِهِ العِظَامِ، وَأَشْـكُرُهُ عَلَى فَضْـلِهِ العَامِّ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَلِيُّ الإِحْسَانِ وَالإِنْعَامِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ المَبْعُوثُ رَحْمَةً لِلأَنَامِ، (صلى الله عليه وسلم) وَعَلَى آلِهِ وَصَحْـبِهِ ذَوِي العَزْمِ وَالإِقْدَامِ، وَعَلَى كُلِّ تَابِعٍ هُمَامٍ، إِلَى يَوْمِ البَعْثِ وَالقِيَامِ.
أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ:
لَقَدْ ذَكَرَ اللهُ أَخْلاقًا يُحِبُّ مَنْ تَخَلَّقَ بِهَا بِاعتِبَارِهِ مُحْسِنًا فَقَالَ:(الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّـهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (آل عمران ـ 134)، وَهَذَا مَنْهَجٌ وَاضِحٌ فِي كَيْـفِيَّةِ تَعَامُلِ الإِنْسَانِ مَعَ الخَلْقِ، فَاحْرِصْ ـ يَا عَبْدَ اللهِ ـ عَلَى إِحْسَانِ مُعَامَلَتِكَ بَدْءًا مِنَ الصِّدْقِ فِيمَا تَقُولُ، وَالبُعْدِ عَنِ الكَذِبِ فِيمَا تَنْطِقُ، وَأَنْ تَفِيَ إِذَا وَعَدتَ، وَأَنْ تَكُونَ مَعَ عَهْدِكَ إِذَا عَاهَدتَ، (وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا) (الاسراء ـ 34)، وَأَنْ تَكُونَ بَعِيدًا عَنِ الخِيَانَةِ وَشَهَادَةِ الزُّورِ وَالغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ، وَسَائِرِ آفَاتِ اللِّسَانِ، حَتَّى تَكُونَ مِنْ أَهْـلِ الإِحْسَانِ، وَلْيَكُنْ سُلُوكُكَ مُطَابِقًا لِمَبَادِئِ الإِسْلامِ وَقِيَمِ الدِّينِ القَوِيمِ، سَابِقْ إِلَى فِعْـلِ الصَّالِحَاتِ؛ مِنْ بِرِّ الوَالِدَيْنِ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ، وَالأَمْـرِ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ المُنْكَرِ، سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ بِقَلْبِكَ أَمْ بِلِسَانِكَ أَمْ بِيَدِكَ، مَا استَطَعْتَ إِلَى ذَلِكَ سَبِيلاً، وَاجْعَلْ مَنْهَجَكَ فِي التَّعَامُلِ قَولَ اللهِ تَعَالَى:(وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ، وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) (فصلت 34 ـ 35).
فَاتَّقُوا اللهَ ـ عِبَادَ اللهِ ـ وَتَفَقَّهُوا فِي دِينِ اللهِ، حَتَّى تَكُونُوا مُحْسِنِينَ فِي تَعَامُلِكُمْ مَعَ رَبِّكُمْ، وَفِي تَعَامُلِكُمْ مَعَ الخَلْقِ أَجْمَعِينَ (هَـٰذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ) (الجاثية ـ 20).
هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى إِمَامِ المُرْسَلِينَ، وَقَائِدِ الغُرِّ المُحَجَّلِينَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاةِ وَالسَّلامِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيمًا: (إِنَّ اللَّـهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) (الاحزاب ـ 56) اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ وسَلَّمْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيمَ، فِي العَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، وَعَنْ المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعًا مَرْحُومًا، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقًا مَعْصُومًا، وَلا تَدَعْ فِينَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُومًا.
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ وَالمُسْلِمِينَ، وَوَحِّدِ اللَّهُمَّ صُفُوفَهُمْ، وَأَجْمِعْ كَلِمَتَهُمْ عَلَى الحَقِّ، وَاكْسِرْ شَوْكَةَ الظَّالِمِينَ، وَاكْتُبِ السَّلاَمَ وَالأَمْنَ لِعِبادِكَ أَجْمَعِينَ.
اللَّهُمَّ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ يَا ذَا الجَلالِ وَالإِكْرَامِ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ بِكَ نَستَجِيرُ، وَبِرَحْمَتِكَ نَسْتَغِيثُ أَلاَّ تَكِلَنَا إِلَى أَنْفُسِنَا طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ، وَأَصْلِحْ لَنَا شَأْنَنَا كُلَّهُ يَا مُصْلِحَ شَأْنِ الصَّالِحِينَ.
اللَّهُمَّ رَبَّنَا احْفَظْ أَوْطَانَنَا وَأَعِزَّ سُلْطَانَنَا وَأَيِّدْهُ بِالحَقِّ وَأَيِّدْ بِهِ الحَقَّ يَا رَبَّ العَالَمِينَ، اللَّهُمَّ أَسْبِغْ عَلَيْهِ نِعْمَتَكَ، وَأَيِّدْهُ بِنُورِ حِكْمَتِكَ، وَسَدِّدْهُ بِتَوْفِيقِكَ، وَاحْفَظْهُ بِعَيْنِ رِعَايَتِكَ.
اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاءِ وَأَخْرِجْ لَنَا مِنْ خَيْرَاتِ الأَرْضِ، وَبَارِكْ لَنَا فِي ثِمَارِنَا وَزُرُوعِنَا وكُلِّ أَرْزَاقِنَا يَا ذَا الجَلالِ وَالإِكْرَامِ. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ، المُسْلِمِينَ وَالمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيعٌ قَرِيبٌ مُجِيبُ الدُّعَاءِ.
عِبَادَ اللهِ:(إِنَّ اللَّـهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (النحل ـ 90).