الحَمْدُ للهِ الَّذِي جَعَلَ لَنَا بَلَدًا طَيِّـبًا مُؤْمِنًا، مِنَّةً مِنْهُ وَفَضْلاً، وَنَشْهَدُ أَن لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، ذُو الفَضْـلِ والإنْعامِ، والإحْسانِ والإكْرامِ، وَنَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، رَبَّى أَصْحَابَهُ عَلَى حِفْظِ الأَمَانَةِ، فَبَنَوْا لِلإِسْلامِ دَوْلَةً، وَصَانُوا حِمَاهَا بِالحِفْظِ وَالرِّعَايَةِ، (صلى الله عليه وسلم) وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ وَسَارَ سِيرَتَهُمْ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ.أَمَّا بَعْدُ، فَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي عِبَادَ اللهِ بِتَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَبِالتَّقْوَى يَكُونُ الفَلاحُ وَيَقُومُ النَّجَاحُ، وَبِها تُصَانُ الحُقُوقُ وَالوَاجِبَاتُ، وَتُحْـفَظُ العَلاقَاتُ وَالمُجْـتَمَعَاتُ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) (الأحزاب 70 ـ 71)، وَاعلَمُوا ـ رَحِمَكُمُ اللهُ ـ أَنَّ الوَطَنَ هُوَ أَرْضُ الأَجْدَادِ وَالآبَاءِ، وَالأَصْحَابِ وَالأَقْرِبَاءِ، يَتَّصِلُ فِيهِ عَبَقُ المَاضِي بِنَهْـضَةِ الحَاضِرِ، وَيَلْـثِمُ فِيهِ إِنْجَازُ اليَوْمِ مَجْدَ التَّارِيخِ، تَتَرَابَطُ عَلَى أَرْضِهِ القُلُوبُ، وَتَخْـتَلِطُ بِأَدِيمِهِ الآلامُ، وَتَتَلأْلأُ سَمَاؤُهُ بِالآمَالِ، تَمْـتَزِجُ تُرْبَتُهُ بِدِمَاءِ أَبْـنَائِهِ، وَيَرْبُو زَرْعُهُ بِكَدِّ يَمِينِهِمْ وَعَرَقِ جَبِينِهِمْ، يَشْعُرُ قَاطِنُهُ أَنَّهُ مُرْتَبِطٌ فِيهِ بِكُلِّ مَا فِيهِ، وَأَنَّ مَشَاعِرَهُ تَتَفَاعَلُ مَعَ كُلِّ مَا عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ الحَالُ كَذَلِكَ فَلا عَجَبَ أَنْ يَقُولَ المُصْطَفَى (صلى الله عليه وسلم) بَعْدَ أَنْ سَكَنَ المَدِينَةَ فِي جَبَلِ أُحُدٍ وَهُوَ صَخْرٌ أَصَمُّ:(هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّـنَا وَنُحِبُّهُ)، وَلأَهَمِّـيَّةِ الوَطَنِ وَحِفْظِهِ نَجِدُ فِي كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ قَرَنَ سُبْحَانَهُ بَيْنَ قَتْلِ النَّفْسِ وَإِخْرَاجِهَا مِنْ وَطَنِهَا فَقَالَ تَعَالَى:(وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِّنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا) (النساء ـ 66)، فَاحمَدُوا اللهَ ـ إِخْوَةَ الإِيمَانِ ـ عَلَى هَذَا الوَطَنِ الَّذِي أَسْـكَنَكُمُ اللهُ أَرْضَهُ، وَيَسَّرَ لَكُمْ فِيهِ رِزْقَهُ، وَهَيَّأَ لَكُمْ فِيهِ مَعَ الإِيمَانِ أَمْنًا، وَمَعَ التَّوْحِيدِ وَحْدَةً، (وَيَجْعَلُونَ لِمَا لَا يَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِّمَّا رَزَقْنَاهُمْ تَاللَّـهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَفْتَرُونَ) (النحل ـ 56).عِبَادَ اللهِ:إِنَّ النَّاسَ مَتَى مَا هَيَّأَ اللهُ لَهُمْ وَطَنًا يَسْـكُنُونَهُ، وَيَسَّرَ لَهُمْ فِيهِ أَسْبَابَ الرِّزْقِ وَالمَعَاشِ، وَقَعَ عَلَى عَاتِقِهِمْ أَمْرُ حِفْظِهِ وَرِعَايَتِهِ، وَالسَّعْيِ إِلى صَلاحِهِ وَرِفْعَتِهِ، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ حِفْظٍ لِلنَّفْسِ، وَعِمَارَةٍ لِلأَرْضِ، وَتَمْـكِينٍ لِلدِّينِ، يَقُولُ تَعَالَى:(الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّـهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) (الحج ـ 41) ، وَيَقُولُ سُبْحَانَهُ ذَاكِرًا التَّمْـكِينَ لِلدِّينِ بَعْدَ الاستِخْلافِ فِي الأَرْضِ:(وَعَدَ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (النور ـ 55)، فَبِالصَّلاحِ وَالإِصْلاحِ يَكُونُ حِفْظُ الوَطَنِ وَهُوَ أَمْـرٌ أَسَاسِيٌّ لِتُحْـفَظَ لِلحَيَاةِ كَرَامَتُهَا، وَلِلنَّفْسِ سَلامَتُهَا، وَلِلاستِقْرَارِ تَمَكُّـنُهُ، وَلِلدِّينِ تَمْـكِينُهُ. وَجَمِيعُنَا شُرَكَاءُ ـ أَيُّهَا الأَحِبَّةُ ـ فِي هَذَا الأَمْرِ، فَعَلَى عَاتِقِنَا يَقَعُ حِفْظُ هَذَا الوَطَنِ وَصَوْنُهُ، وَالذَّبُّ عَنْ أَرْضِهِ وَحِمَاهُ، وَالسَّعْيُ إِلى مَا فِيهِ صَلاحُهُ وَإِصْلاحُهُ، وَرِفْعَتُهُ وَعِزَّتُهُ.إِخْوَةَ الإِيمَانِ:إِنَّ الوَطَنَ يَجِبُ أَنْ يُصَانَ وَيُحْـفَظَ مِنْ أَيِّ اعتِدَاءٍ قَدْ يَتَعَرَّضُ لَهُ، أَوْ يُصِيبُ كَرَامَتَهُ وَمَكَانَتَهُ، وَذَلِكَ الاعتِدَاءُ قَدْ يَكُونُ اعتِدَاءً خَارِجِيًّا وَقَدْ يَكُونُ اعتِدَاءً دَاخِلِيًّا، فَمَتَى مَا تَحَرَّكَ العَدُوُّ الخَارِجِيُّ لِيَعْـتَدِيَ عَلَى الوَطَنِ وَحِمَاهُ، وَجَبَ عَلَى جَمِيعِ أَبْـنَاءِ الوَطَنِ أَنْ يَهُـبُّوا لِنُصْرَتِهِ فِي جَمِيعِ المَجَالاتِ وَعَلَى مُخْـتَلَفِ الصُعُدِ، وَهَذَا النَّوْعُ مِنَ الاعتِدَاءِ لا يَقْـتَصِرُ عَلَى الاعتِدَاءِ العَسْكَرِيِّ، بَلْ قَدْ يَكُونُ اعتِدَاءً فِكْرِيًّا، يَهْـدُفُ إِلى زَرْعِ الفِتْنَةِ، وَنَزْعِ الطُّمَأْنِينَةِ، وَزَعْـزَعَةِ الاستِقْرَارِ، وَتَأْلِيبِ القُلُوبِ، وَإِيغَارِ الصُّدُورِ، فَهُوَ اعتِدَاءٌ لا يَقِلُّ خَطَرًا عَنِ الاعتِدَاءِ العَسْـكَرِيِّ، بَلْ قَدْ يَكُونُ أَشَدَّ مِنْهُ وَأَنْكَأَ، (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّىٰ يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَٰلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ) (البقرة ـ 191)، فَلَئِنْ كَانَ مِنَّا جُنُودٌ يَسْهَرُونَ عَلَى حِفْظِ أَمْنِ هَذَا الوَطَنِ عَسْكَرِيًّا، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْـنَا جَمِيعًا أَنْ نَكُونَ جُنُودًا لِحِفْظِ الأَمْنِ الفِكْرِيِّ لِبَلَدِنَا وَأَوْلادِنَا، فَنَكُونَ سَدًّا مَنِيعًا أَمَامَ كُلِّ فِكْرٍ هَدَّامٍ دَخِيلٍ، وَنَقِفَ صَفًّا مُتَرَاصًّا فِي وَجْهِ كُلِّ فِتْنَةٍ غَازِيَةٍ، أَوْ فِكْرَةٍ مُرْجِفَةٍ نَابِيَةٍ. إِنَّ انحِلالَ حَبْـلِ الوَحْدَةِ ـ عِبَادَ اللهِ ـ خَطَرٌ عَظِيمٌ، وَفِتْنَةٌ مَاحِقَةٌ، تَأْتِي عَلَى الوَطَنِ مِنْ أَسَاسِهِ، وَتَهُدُّ المُجْـتَمَعَ مِنْ قَوَاعِدِهِ، فَلا تُبْـقِي مُقَوِّمَاتٍ وَلا قُوَّةً، وَلا يَبْـقَى مَعَهَا إِنْجَازٌ وَلا نَهْـضَةٌ، فَكَمْ مِنْ أُمَمٍ بِالشِّقَاقِ وَالافتِرَاقِ بَادَتْ، وَكَمْ مِنْ أَوْطَانٍ بِالنِّزَاعِ وَالصِّرَاعِ امَّحَتْ. إِنَّ الاختِلافَ مَهْمَا وُجِدَ بَيْنَ أَبْـنَاءِ الوَطَنِ الوَاحِدِ فَعَوَامِلُ الائتِلافِ بَيْنَهُمْ أَكْثَرُ، وَمَهْمَا وُجِدَ بَيْـنَهُمْ تَبَايُنٌ فَأَسْبَابُ الوَحْدَةِ عِنْدَهُمْ أَعْـظَمُ وَأَكْبَرُ، إِنَّنَا نَجِدُ فِي كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ كَيْفَ وَصَفَ سُبْحَانَهُ هُـودًا ـ عَلَيْهِ السَّلامُ ـ بِأُخُوَّتِهِ لِقَوْمِهِ، رَغْمَ كُفْـرِهِمْ بِهِ واعتِدَائِهِمْ عَلَيْهِ، فَيَقُـولُ سُبْحَانَهُ:(وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّـهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) (الاحقاف ـ 21)، وَبِمِثْلِ ذَلِكَ وَصَفَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى نُوْحًا، وَصَالِحًا، وَلُوطًا، عَلَيْهِمُ السَّلامُ، فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ نُوعُ أُخُوَّةٍ بَيْنَ هَؤُلاءِ الأَنْبِيَاءِ وَمَنْ عَادَاهُمْ مِنْ كَفَرَةِ قَوْمِهِمْ، فَأَيُّ نَوْعٍ مِنَ الأُخُوَّةِ قَائِمٌ بَيْنَ أُنَاسٍ يَجْمَعُهُمْ دِينُ الحَقِّ، وَيَحْـتَضِنُهُمْ وَطَنٌ مُبَارَكٌ، لا شَكَّ أَنَّهَا أُخُوَّةٌ مَتِينَةٌ، وَرِبَاطٌ وَثِيقٌ.أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ:إِنَّ الاعتِدَاءَ الدَّاخِلِيَّ عَلَى الوَطَنِ لا يَتَمَثَّلُ فِي التَّفَرُّقِ وَالتَّشَرْذُمِ فَحَسْبُ، فَهُنَاكَ مَنْ يَعْـتَدِي عَلَى الوَطَنِ بِسُوءِ استِغْلالِ المَكَانَةِ وَإِضَاعَةِ الأَمَانَةِ، وَهُنَاكَ مَنْ يَضُرُّ الوَطَنَ بِإِفْسَادِهِ وَنَشْرِ فَسَادِهِ، فَمِنْ صُوَرِ إِضَاعَةِ الأَمَانَةِ وَخِيَانَةِ الوَطَنِ أَنْ يُقَصِّرَ ذُو وَظِيفَةٍ فِي أَدَاءِ وَظِيفَتِهِ، أَوْ يُهْـمِلَ ذُو مُهِمَّةٍ فِي تَحْـقِيقِ مُهِمَّـتِهِ، وَيَكُونُ التَّضْيِيعُ أَشَدَّ إِذَا مَا استُغِلَّتِ الوَظِيفَةُ وَالمَنْصِبُ لِتَلْبِيَةِ الرَّغَبَاتِ الخَاصَّةِ وَتَحْـقِيقِ الغَايَاتِ الشَّخْصِيَّةِ دُونَ مَصَالِحِ البِلادِ وَحُقُوقِ العِبَادِ، فَأَيُّ مَحَبَّةٍ لِلوَطَنِ يُكِنُّهَا فِي قَلْبِهِ مَنْ جُعِلَ فِي وَظِيفَةٍ لِيُحَقِّقَ بِهَا مَصَالِحَ مُوَاطِنِيهِ، أَوْ قُلِّدَ مَنْصِبًا لِيَخْدِمَ مِنْ خِلالِهِ بَلَدَهُ، ثُمَّ جَعَلَ الوَظِيفَةَ لِمَصَالِحِ نَفْسِهِ مُحَقِّقَهً، وَالمَنْصِبَ لِرَغَبَاتِهِ خَادِمًا، وَالخِيَانَةُ تَكُونُ فِي ذَلِكَ أَعْـظَمَ إِذَا مَا اقتَرَنَ بِهَا أَكْلٌ لِرَشْوَةٍ، أَوِ استِغْلالٌ لِلْمَالِ العَامِّ. إِنَّ حِفْظَ الأَمَانَةِ وَالوَفَاءَ بِالعُهُودِ صِفَةٌ مُلازِمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ، لا تَنْفَكُّ عَنْهُمْ، يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ:(وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ) (المؤمنون ـ 8)، أَمَّا عَنْ تَضْيِيعِ الأَمَانَةِ فَيَقُولُ رَسُولُنَا الكَرِيمُ (صلى الله عليه وسلم):(مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْـتَرْعِيهِ اللهُ رَعِيَّةً، يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ، إِلا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الجَنَّةَ).فَاحرِصُوا ـ رَحِمَكُمُ اللهُ ـ عَلَى حِفْظِ أَمَانَةِ الوَطَنِ، صُونُوا أَرْضَهُ وَتُرَابَهُ، وَاحفَظُوا وَحْدَةَ صَفِّـكُمْ، وَاتِّحَادَ كَلِمَتِكُمْ، اجعَلُوا مِنَ اختِلافِ أَفْكَارِكُمْ وَآرَائِكُمْ، وَتَبَايُنِ مَنَاهِجِكُمْ وَأَنْسَابِكُمْ مَصْدَرًا لِقُوَّتِكُمْ، وَعَامِلاً لِتَكَامُلِكُمْ، (وَأَطِيعُوا اللَّـهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّـهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (الأنفال ـ 46).أقُولُ قَوْلي هَذَا وَأسْتغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لي وَلَكُمْ، فَاسْتغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ، وَادْعُوهُ يَسْتجِبْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ البَرُّ الكَرِيْمُ.الحَمْدُ للهِ الَّذِي جَبَلَ النُّفُوسَ عَلَى حُبِّ أَوْطَانِهَا، فَتَفَانَتْ لَهَا إِجْلالاً وَحُبًّا، وَفَنِيَتْ فِي سَبِيلِهَا دِفَاعًا وَذَبًّا، وَأَشْهَدُ أَن لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، جَعَلَ مِنَ الأَمَانَةِ جَمِيلَ خِدْمَتِنَا لأَوطَانِنَا، وَحُسْنَ تَرْبِيَتِنَا لأَبْـنَائِنَا، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، سَيِّدُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ، وَخَيْرُ الخَلْقِ أَجْمَعِينَ، (صلى الله عليه وسلم) وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وأَتْباعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.أَمَّا بَعْدُ: فَاعلَمُوا ـ عِبَادَ اللهِ ـ أَنَّ مِنْ حُسْنِ رِعَايَةِ أَمَانَةِ الوَطَنِ غَرْسَ بُذُورِ حُبِّهِ فِي قُلُوبِ أَبْـنَائِنَا، وَزَرْعَ رُوحِ التَّضْحِيَةِ لأَجْـلِهِ فِي نُفُوسِهِمْ، فَهُمْ جُنُودُ المُسْـتَقْبَلِ، وَقَادَةُ الغَدِ، وَصُنَّاعِ المَجْدِ، قُصُّوا عَلَيْهِمْ نَبَأَ تَارِيخِهِمُ المَجِيدِ، وَمَاضِيهِمُ التَّـلِيدِ، عَلِّمُوهُمْ أَنَّ الفُرْقَةَ شُؤْمٌ وَالنِّزَاعَ لُؤْمٌ، وَأَنَّ الوَحْدَةَ قُوَّةٌ وَرِفْعَةٌ، رَبُّوهُمْ عَلَى الأَخْلاقِ العَالِيَةِ، وَالقِيَمِ السَّامِيَةِ، فَبِالخُلُقِ الحَمِيدِ عُرِفَتْ هَذِهِ الأَرْضُ بَيْنَ الوَرَى، وَبِهِ وَصَفَهَا النَّبِيُّ المُصْـطَفَى، وَحَذِّرُوهُمْ مِنْ هَجْرِ القِيَمِ وَالعَادَاتِ الحَمِيدَةِ لِلجَرْيِ خَلْفَ كُلِّ جَدِيدٍ، فَبِذَلِكَ تَذْهَبُ الأَصَالَةُ، وَتَذُوبُ الهُوِيَّةُ، عَلِّمُوهُمْ أَنَّ مِنْ حِفْظِ الوَطَنِ حُسْنَ تَوْظِيفِ الطَّاقَاتِ، وَاستِغْلالِ القُدُرَاتِ، بِتَوْجِيهِ مَوَاهِبِهِمْ لِرِفْعَةِ الوَطَنِ وَعُلُوِّهِ، وَتَقَدُّمِهِ وَرُقِـيِّهِ.فَاتَّقُوا اللهَ ـ عِبَادَ اللهِ ـ وَكُونُوا لِوَطَنِكُمُ المِعْطَاءَ خَيْرَ حُمَاةٍ وَبُنَاةٍ، حَافِظُوا عَلَى إِنْجَازَاتِهِ، وَابذُلُوا وِسْعَكُمْ لِمُسْـتَقْبَلِهِ، فَيَرفَعَ اللهُ شَأْنَهُ بِكُمْ، وَيَحْـفَظَ بِتَمْـكِينِهِ مَكَانَتَكُمْ، (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـٰذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَىٰ عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (البقرة ـ 126)، هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى إِمَامِ المُرْسَلِينَ، وَقَائِدِ الغُرِّ المُحَجَّلِينَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاةِ وَالسَّلامِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيمًا:(إِنَّ اللَّـهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) (الاحزاب ـ 56).اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ وسَلَّمْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيمَ، فِي العَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، وَعَنْ المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعًا مَرْحُومًا، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقًا مَعْصُومًا، وَلا تَدَعْ فِينَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُومًا.اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ وَالمُسْلِمِينَ، وَوَحِّدِ اللَّهُمَّ صُفُوفَهُمْ، وَأَجْمِعْ كَلِمَتَهُمْ عَلَى الحَقِّ، وَاكْسِرْ شَوْكَةَ الظَّالِمِينَ، وَاكْتُبِ السَّلاَمَ وَالأَمْنَ لِعِبادِكَ أَجْمَعِينَ.اللَّهُمَّ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ يَا ذَا الجَلالِ وَالإِكْرَامِ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ بِكَ نَستَجِيرُ، وَبِرَحْمَتِكَ نَسْتَغِيثُ أَلاَّ تَكِلَنَا إِلَى أَنْفُسِنَا طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ، وَأَصْلِحْ لَنَا شَأْنَنَا كُلَّهُ يَا مُصْلِحَ شَأْنِ الصَّالِحِينَ.اللَّهُمَّ رَبَّنَا احْفَظْ أَوْطَانَنَا وَأَعِزَّ سُلْطَانَنَا وَأَيِّدْهُ بِالحَقِّ وَأَيِّدْ بِهِ الحَقَّ يَا رَبَّ العَالَمِينَ، اللَّهُمَّ أَسْبِغْ عَلَيْهِ نِعْمَتَكَ، وَأَيِّدْهُ بِنُورِ حِكْمَتِكَ، وَسَدِّدْهُ بِتَوْفِيقِكَ، وَاحْفَظْهُ بِعَيْنِ رِعَايَتِكَ.اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاءِ وَأَخْرِجْ لَنَا مِنْ خَيْرَاتِ الأَرْضِ، وَبَارِكْ لَنَا فِي ثِمَارِنَا وَزُرُوعِنَا وكُلِّ أَرْزَاقِنَا يَا ذَا الجَلالِ وَالإِكْرَامِ. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ، المُسْلِمِينَ وَالمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيعٌ قَرِيبٌ مُجِيبُ الدُّعَاءِ.عِبَادَ اللهِ:(إِنَّ اللَّـهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (النحل ـ 90).