قراءة ـ علي بن صالح السليمي:جاءت ندوة تطور العلوم الفقهية في عُمان من خلال عنوانها:(فقه العصر .. مناهج التجديد الديني والفقهي) والتي عقدت خلال الفترة من 15 إلى 18 جمادى الأولى 1436هـ، الموافق 5 إلى 8 ابريل 2015م في نسختها الحادية عشرة من قبل وزارة الأوقاف والشؤون الدينية بتوجيهات سامية من حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه.ومن ضمن ما قدم خلال الندوة من بحوث وأوراق عمل كانت لنا هذه القراءة في بحث بعنوان:(طرق الاثبات المعاصرة .. فقه العدالة فى الاسلام) دراسة فى البصمة الوراثية وبصمات الأصابع والعين والصوت والدم والرائحة والإثبات الالكترونى وموقف الفقه الاسلامى منها) للاستاذ الدكتور أحمد هندي ـ أستاذ قانون المرافعات وعميد كلية الحقوق جامعة الاسكندرية السابق.يواصل الباحث ورقة عمله ويقول: من ناحية أخرى فإنه لإثبات النسب بالبصمة الوراثية يجب مراعاة مجموعة من الضوابط الشرعية لعل أهمها: عدم استخدام البصمة الوراثية فى التأكد من نسب ثابت ذلك أنه إذا ثبت نسب الشخص بوسيلة من الوسائل الشرعية لإثبات النسب، كالفراش وغيره، فلا مجال لاستخدام البصمة الوراثية لإثبات النسب من جديد أو محاولة التأكد منه لأى سبب كان، لأن ذلك المسلك يؤدى إلى مفاسد كثيرة ويلحق انواعاً من الاضرار النفسية والاجتماعية بالأفراد والأسر والمجتمع، وعدم استخدام البصمة الوراثية بديلاً عن الوسائل الشرعية لإثبات النسب، فإذا كان استخدام البصمة الوراثية فى اثبات النسب أمر يحقق مصلحة مشروعة، فيجب أن لا تصادم الوسائل الشرعية لإثبات النسب كالفراش والإقرار والبينة والقافة والقرعة، فالفراش ثم الاقرار وثم البينة تقدم فى اثبات النسب على البصمة الوراثية بينما تقدم البصمة على القافة أو القرعة، وعدم استخدام البصمة الوراثية فى نفى النسب، ذلك انه إذا ثبت النسب شرعاً فلا يجوز نفيه بعد ثبوته إلا بوسيلة واحدة وهى اللعان، كما يجب إلا تخالف البصمة الوراثية العقل والمنطق والحس والواقع ، فلا يمكن أن تثبت البصمة الوراثية نسب من لا يولد لمثله لصغر سنه أو لكونه مقطوع الذكر، وأن تستعمل التحاليل الفنية للبصمة الوراثية فى الحالات التى يجوز التأكد من اثبات النسب لعدم ضياعه والمحافظة عليه وذلك كاختلاط المواليد وأصحاب الجثث المتفحمة أو إذا دعت الضرورة لذلك، ومنع القطاع الخاص والشركات التجارية ذات المصالح من المتاجرة بالغيبات. وبناء على هذه الشروط والضوابط الشرعية، فإن من العلماء من قال بإجراء تحاليل البصمة الوراثية (DNA) اختيارياً، بينما ذهب البعض الآخر إلى القول بإجرائها جبرياً . ويمكن القول انه لا خلاف جوهرى بين هذين الرأيين، حيث يمكن الزام المنكر سواء كان الزوج أم الزوجة على الخضوع لتحليل البصمة الوراثية فى حالة قيام نزاع بين الطرفين أمام القضاء عندما يدعى احدهما أو كلاهما قيام علاقة زوجية بينهما أو اثبات نسب طفل يدعى احدهما أو كلاهما انه ولد منها. وفى حالة رفض المدعى عليه اجراء تحليل البصمة الوراثية يعد الرفض بمثابة قرينة قوية على ثبوت نسب هذا الطفل له، ذلك انه لا يمكن اجبار الشخص على أخذ عينة منه للقيام بتحليل البصمة الوراثية لتصادم ذلك مع حقوق الانسان ـ حقه على جسده وحريته الشخصية.تحليل الدم (بصمة الدم): وقال: من أدلة الاثبات الحديثة، فى اثبات ونفى النسب وكذلك فى معرفة الجانى فى بعض الجرائم وفى اثبات شرب الخمر تحليل الدم أو بصمة الدم ذلك أن دم الانسان ليس متفقاً بالنسبة لجميع الأشخاص وإنما يختلف من شخص إلى آخر، وإن الوراثة تترك اثراً كبيراً فى هذا المجال، ففصيلة دم الابن تتأثر كما اكد العلم بنوع فصيلة دم ابيه وأمه سواء كان دمهما من فصيلة دم واحد أم من فصيلتين، وإن اختلاف فصيلة دم الابن عن فصيلة دم والديه يمكن الاعتماد عليه فى نفى نسب هذا الطفل من هذا الأب وفقا للقواعد التى وضعها مندل، وإن كان من غير اللازم أن يقطع تحليل فصائل الدم فى ثبوت هذا النسب، على انه لا يمكن اعتبار اختلاف فصيلة دم الابن عن دم ابويه دليلاً يقام به حد الزنا، إذ أن الشريعة الاسلامية ضيقت فى حد اثبات الزنا، فلا يمكن اعتبار فعل هذه القرينة دليلاً يقام به الحد مع إمكان كون المرأة وطئت بشبهة أو وهى نائمة، والحدود تدرأ بالشبهات، كما لا يجوز نفى نسب الولد اعتماداً على هذه القرينة لأن الولد ينسب للفراش، ففى الحديث الشريف (الولد للفراش وللعاهر الحجر). موضحاً بقوله: من ناحية أخرى فإن لتحليل أو بصمة الدم أهمية كبرى فى المجال الجنائي: فى معرفة الجانى وفى اثبات شرب الخمر، من ناحية تحليل الدم ودلالته فى معرفة الجانى، فإن الجاني عادة لاضطرابه اثناء ارتكاب الجريمة، يترك آثاراً لبصماته وبعض الاغراض التى تعود إليه ومنها قطرات من الدم تساقطت منه نتيجة اصابته بجراح أو نتيجة استعماله العنف فى الجريمة أو استخدامه شيئاً حاداً. وتكمن أهمية اثر الدم المتروك فى مكان الجريمة فى انه يشير إلى مكان ارتكاب الجريمة وخط سير المصاب بعد اصابته واعطاء تصور عن كيفية وقوع الجريمة كما يوضح المسافة بين مصدر الدم والسلاح الساقط عليه ووضع الجاني وقت الحادث واتجاه الجانى والمجنى عليه اثناء الحادث وبعده. وهذه العينات من الدم الموجودة بمسرح الجريمة يتم تحليلها للوقوف على ما إذا كانت تخص المتهم، فتكون دليلاً على ارتكاب الجريمة. فلا يوجد ما يمنع من اعتبار التحليلات المعملية للدم (أو غيره كالبول) قرينة على ادانة المتهم فيما يتصل بالعقوبات التعزيرية وتوجيه الاتهام فى الجناية على النفس وما دونها، فيمكن التحقيق مع المتهم لمعرفة ما إذا كان هو الجانى الحقيقى أم لا، لكن لا يجوز التعويل عليها وحدها لتوقيع العقاب على المتهم، أى أن الاستعانة بهذه القرينة إنما يكون فى النفى وليس الاثبات، وعلى القاضي سؤال أهل الخبرة الثقات العدول حتى يستفيد من هذه القرينة فى التوصل إلى الحق. مؤكداً بقوله أما من ناحية دلالة تحليل الدم فى اثبات شرب المتهم للخمر، فأنه يقوم على الكشف عن الكحول فى الدم بوسائل كيميائية كثيرة، فيكشف نتيجة تحليل الدم ظهور الكحول فى دم من شرب الخمر، بنسب متفاوتة، ويمكن أن يقام حد شرب الخمر بناء على هذه القرينة لأنها قرينة قوية وقاطعة حيث تعتمد على وسائل علمية وتحليل كيميائى واحتمال الخطأ فيها قليل جداً، ويقوم بها ناس على جانب كبير من العلم، مع مراعاة ضرورة الحذر الشديد والحيطة والتأكد من عدم تعفن عينة الدم التى يراد اجراء التحليل عليها، وإلا وجب اخذ عينة أخرى من المتهم.وقال: ويمكن القول أن تحليل عينة دم المتهم تعتبر وسيلة حديثة فى الاثبات، وجاء عن بعض الصحابة بعض الآثار التى يمكن القول معها بأنهم يأخذون بالتحاليل المعملية وأن لم يسموها، اما فى القانون فإنه لا مانع من استعمال هذه الوسائل فى التحقيقات عموماً (فى اثبات البنوة والسكر البين) ما دامت تؤدى إلى نتائج مقبولة ومعترف بها عملياً، مع مراعاة عدة ضمانات هامة عند تحليل دم الجاني أهمها أن يرضى الجانى بأخذ عينة من دمه لفحصها وتحليلها، وان يكون هذا الرضاء صحيحاً وليس من قبيل الخضوع والاستسلام، وان يحصل اخذ العينة وتحليلها من متخصص وألا يضر ذلك بالسلامة البدنية ونعتقد انه لا يجوز أخذ عينة الدم من المتهم عنوة، احتراما لحريته وسلامة جسده، وإن كان يمكن حمل رفضه لإجراء هذا التحليل على انه قرينة ضده. .. وللحديث بقية الاسبوع القادم.