قريات ـ من عبدالله بن سالم البطاشي:
تقع قرية دغمر جهة جنوب شرق ولاية قريات وتبعد مسافة اثنى عشر كيلومتراً عن مركز الولاية وتعد بلدات قرية دغمر بمثابة شذرات ذهبية ، أو قطع من الدرر منثورة على ضفاف مجموعة من التفرعات لوادي ضيقة ، الذي يغمرها بالمياه العذبة الفرات ، قبل أن تعانقها بالمياه المالحة في بحر عمان وهي : الحاجر ، البلاد ، الجناه ، صلان ، مهادن ، الويز ، الخوبار ، الفالع ، المنيزف ، النجمية ، وقديماً كانت تسمى دغمر شذرا أو شذراء أو شدرا حسب اختلاف النطق لدى الأهالي ، وشذراء في اللغة ما تفرق من الجماعات البشرية وكذلك قطع الدرر ، وهذا ينطبق على بلدات دغمر المنتشرة على ضفاف الوادي ، وهي قطع ثمينة من الأراضي الخصبة ، يفصل فيما بينها مجاري الأودية ، ولعل اسم دغمر أي غمر مياه الأودية لها وهذا الأقرب .

ودغمر بفتح الدال وتسكين الغين وفتح الميم والراء لها عدة معان في اللغة ، والأقرب أنها تعني : خلط ، ويقال دغمر عليه الخبر : أي خلطه وكتمه ، وهي تعني أيضاً الشّراسة ، ولعل هذا المعنى اللغوي له دلالات على القصة التي يتداولها بعض الأهالي بأن اسم دغمر ، أطلق عليها على ضوء قصة قديمة تسمى «داغ – مر» ، تحدث عنها البعض وكتب عنها زاعماً أن رجلاً يدعى داغ يقطن فيها كان جباراً يفعل الغريب من الأمور ، وثار عليه أهالي البلدة فقتلوه بسبب تلك الأمور ، ولما سُئل عنه الأهالي فيما بعد قالوا بأن داغ مر ، وإن ما تم تداوله عن سبب تسميتها بهذا الاسم « دغمر « بسبب الرجل داغ بسبب أفعاله ثم قتله ، لا يمت إلى الحقيقة بشيء بل محض خيال مبتدع ، بعيداً عن الواقع ليس له ما يسنده من أدلة وقرائن تاريخية .

طبيعة متفردة ..

وشكلت الطبيعة من قرية دغمر منتجعاً سياحياً ، يجمع بين السهول الخضراء والشواطئ الرملية والجبلية البديعة ، فيما أضفى متنزه الخوبار روعة وجمالاً لشريطها الساحلي ذي الرمال الفضية والمطل على خور الملح ، فيما تكتسي تلك السبخات الواقعة بالقرب من خور الملح ، أنواعاً نادرة من الشجيرات والنباتات المورقة ذات ألوان رائعة وزهور فواحة ، وكذلك هي الكثبان الرملية الواقعة في الجهة الغربية من خور الملح تنبت فيها أشجار كثيفة ونباتات عديدة ، وقديماً كانت ترتع فيها الغزلان بكل ثقة وأمان ، أيضاً خور الخوير الذي يقع جنوب شرق حاجر دغمر من الحدائق الطبيعية بدغمر حيث الخضرة المبهجة بأشجارها الكثيفة والجبال الشاهقة ذات التضاريس المتباينة ، فيما تشكل العيون العذبة التي تنبع وسط البحر بحاجر دغمر مقصدا للكثير من السياح ؛ ففيها يتعانق البحر بجبروته وهدوئه والجبل بعنفوانه وتمركزه ، وبها أيضاً تمتزج المياه المالحة بالمياه العذبة في مشهد طبيعي خلاب ، وتشتهر قرية دغمر بكثرة بساتينها الخضراء التي تكسوها مختلف أصناف أشجار النخيل والمانجو « الأمبا « والليمون ، كما تشتهر بزراعة البرسيم ( القت ) واللوبيا والكثير من المزروعات ، وأيضاً زراعة الفواكه كالبطيخ الأحمر ( الجح ) والبطيخ الأصفر ، والشمام والموز والفافاي والزيتون «الجوافة « والبيذام وغيرها ، كذلك كان قديما يزرع فيها القطن .

صناعات متنوعة ..

واشتهرت قرية دغمر بصناعات متنوعة ، يأتي على رأسها صناعة استخراج الملح الطبيعي من ملاحاته الساحلية ، الذي يعد مصدر رزق للأهالي اللذين يمتلكون به حياضاً ، وقديما اشتهرت بلدة الخوبار بنشاط استخراج النحاس ، كما ذكر بيتر فاين في كتابه « تراث عُمان « ، كما أن فيها فنون راقية وموروثات قديمة ويعمل أهلها منذ القدم في مهن الزراعة وصيد الأسماك والتجارة وصناعة القوارب .

معالم أثرية

وتحتضن قرية دغمر عددا من المعالم الأثرية القديمة كحصن دغمر في بلدة الجناه الذي تم ترميمه في عهد السلطان تيمور بن فيصل عام ألف وثلاثمائة وثلاثة وثلاثين هجرية ، وفلج في بلدة النجمية القابع تحت الأرض يعود تاريخ بنائه قبل حوالي مئتين عام في زمن السلطان سعيد بن سلطان البوسعيدي يمتد إلى بلدة المنيزف ليروي الكثير من المزروعات كالنخيل ومختلف الأشجار لكنه لم يعهد له جريان حاليا .