إعداد: مبارك بن عبدالله العامرينستكمل معك ـ عزيزي القارئ ـ الحلقات المتبقية حول الاخلاص روح الطاعات وجوهر العبادات .. واليوم نتحدث في الحلقة الثالثة منه ..الإخلاص حصانة للمسلم من مكايد إبليس، الذي أقسم على نفسه بعزة الله تعالى أن يسعى لإضلال بني آدم، ثم استثنى من إضلاله ومكره من تحصن بالإخلاص، قال الله سبحانه وتعالى حكاية عنه:(قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون، قال فإنك من المنظرين، إلى يوم الوقت المعلوم، قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين، إلا عبادك منهم المخلصين) .. ولقد حث القرآن الكريم على كتمان الأعمال الصالحة خشية أن يتسلل العجب أو الرياء إلى صاحبها، قال تعالى:(إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ويكفر عنكم من سيئاتكم والله بما تعملون خبير)، وبيّن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أن كتمان الأعمال والحرص على إخفائها ابتغاء وجه الله تعالى سبب في نجاة العبد من حر يوم القيامة، فذكر سبعة أصناف من الناس يظلهم الله فى ظله يوم لا ظل إلا ظله، وكل أعمالهم تقوم على الإخلاص لله تعالى، قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم):(سبعة يظلهم الله فى ظله يوم لا ظل إلا ظله: الإمام العادل، وشاب نشأ فى عبادة ربه، ورجل قلبه معلق فى المساجد، ورجلان تحابا فى الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل طلبته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله. ورجل تصدق أخفى حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه)، فقد حرصوا على إخفاء أعمالهم تجنبا للرياء والعجب وحب النفس وحب الشهرة، مستحضرين في ذلك إخلاص النية لله وحده، ولقد كان أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يحرصون على إخفاء أعمالهم، فهذا أبو بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ يتعاهد امرأة عجوزا يخدمها ويرعى شؤونها، ويقضي لها حوائجها، ولم يعلم به أحد لولا أن تتبعه عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ حرصاً منه على الاقتداء به حتى رآه وعلم أمره من العجوز، ولما غاب الإخلاص في حياة الكثير من الناس اليوم، ظهر الشرك والرياء والمراءاة والشهرة، بل الغش والخداع والاحتيال والكذب، والتزلف والتلون، والعجب والكبر، والغرور والمداهنة والنفاق، نعوذ بالله من سيئ الأخلاق.ومن أعظم الوسائل المعنية على تحقيق الإخلاص: أولاً: أن تعرف: ما الإخلاص؟ وكيف تصل إلى شيء لا تعرفه؟ فكم نتحدث عن الإخلاص، ونسأل الله الإخلاص، ونحن قد لا نعرف مفهوم الإخلاص!.فالإخلاص: أن يكون العمل لله لا ترى فيه نفسك ولا حظوظها، ولا ترى فيه الخلق، وقيل: الإخلاص هو الخلاص عن رؤية الأشخاص، وثانياً: معرفة الله وعظمته وقدرته وفضله:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (النور ـ 21)، فهل ينظر للخلق من عرف الله بحق؟، وثالثاً: معرفة النفس، وأنها جاهلة ظالمة طبعها الكسل وحب الشهوات، وحب التصدر والظهور، فرحم الله رجلا لم يغره كثرة ما يرى من الناس، ابن آدم! إنك تموت وحدك، وتدخل القبر وحدك، وتُبعث وحدك، وتحاسب وحدك، ورابعاً: اعلم أنك عبد محض، والعبد لا يستحق على خدمته لسيده عوضاً ولا أجرا، إذ هو يخدمه بمقتضى عبوديته، فما يناله من سيده من الأجر والثواب تفضل منه وإحسان إليه وإنعام عليه، لا معاوضة ولا مقايضة، فكل خير في العبد هو من فضل الله ومنته وإحسانه ونعمته عليه، فهل للعبد أن يرى عمله بعد هذا؟!، وخامساً: أكثر من الاستعانة بالله، وألح عليه بالدعاء أن يرزقك الاخلاص قبل العمل وأثناء العمل وبعد العمل، واستعذ بالله من شر نفسك ومن الرياء، فقد قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أيها الناس، اتقوا هذا الشرك فإنه أخفى من دبيب النمل ، فقال له من شاء الله أن يقول: وكيف نتقيه وهو أخفى من دبيب النمل يا رسول الله؟ قال: قولوا اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئا نعلمه، ونستغفرك لما لا نعلمه.من فوائد (الإخلاص)الإخلاص هو الأساس في قبول الأعمال والأقوال، والإخلاص هو الأساس في قبول الدّعاء، والإخلاص يرفع منزلة الإنسان في الدّنيا والآخرة، ويبعد عن الإنسان الوساوس والأوهام، ويحرّر العبد من عبوديّة غير اللّه، ويقوّي العلاقات الاجتماعيّة وينصر اللّه به الأمّة، ويفرّج شدائد الإنسان في الدّنيا، ويحقّق الطّمأنينة لقلب الإنسان ويجعله يشعر بالسّعادة، ويقوّي إيمان الإنسان ويكرّه إليه الفسوق والعصيان، ويقوّي عزيمة الإنسان وإرادته في مواجهه الشّدائد، وحصول كمال الأمن والاهتداء في الدّنيا والآخرة.علامات الإخلاصولئن كان الإخلاص من أعمال القلوب، وتلك لا يعلم حقيقتها إلا علاَّم الغيوب، إلا أن للإخلاص أماراتٍ وللمخلصين علامات يمكن أن يُستدل بها عليهم، ومن علامات المخلصين أنهم لا يرغبون في مدحهم ولو عملوا، بعكس غيرهم ممن يُحبون أن يُحمدوا بما لم يفعلوا. المخلصون يخشون الله بالغيب ويراقبونه في حال السرِّ، كما يخشونه في الشهادة، ويراقبونه في حال العلانية، شأن المخلصين وهدفهم رضا الله، وليس هدفهم أن يرضى الناس عنهم ولو سخط الله!.