إن سعة اللغة العربية تكاد لا تنافس من قبل لغة أخرى إلا أن تلك السعة تتطلب شيئاً من التمحيص للوقوف على دقائق في اللغة قد تغيب عن الكثير من أبنائها ، وها نحن اليوم نقف على جانب ينبئ بتلك السعة.
ففي العربية ألفاظ كثيرة تتقارب في نطقها وتختلف معانيها ، أو تتباعد ، وقد يقع الخطأ فيها بسبب من تقارب أصواتها أو تشابه حروفها في الرَّسم ، وعلى من يتحرّى وجه الدِّقَّة والسلامة فيها أن يتأمل موضعها في السياق ، أو يستوثق من نطقها في السماع ، من أمثلة ذلك لفظتا العَيْلَم والغَيْلَم ، فالعَيْلَم (بالعين المهملة ): البئر الكثيرة الماء ، فقد أورد ابن سيده في معجمه المحكم والمحيط الأعظم ( العَيْلَم: البئر الكثيرة الماء ، وقيل: هي الواسعة. والعَيْلَم: البحر ، والعَيْلَم: الضِّفدع عن الفارسي ) .بينما نجد لفظة الغَيْلَم ( بالغين المعجمة ) تعني: المرأة الحسناء. ونجد ذلك في قول ابن سيده في المحكم: ( الغَيْلَم: المرأة الحسناء ، والغَيْلَم: السُّلحفاة ).
ومن ذلك الصُّداع والرُّداع ، فالصُّداع يكون بالرأس خاصة ، والرُّداع يكون في سائر الجسد ، وقالت العرب : مَن شكا الرُّداع شَكَرَ الصُّداع .وعلى ذلك قول قيس بن ذريح :
فَـوَاكَبَـدَا وعـاوَدَني رُدَاعـي وكـانَ فِـراقُ لُبْنى كالخِــداعِ
ومن هذا اللون من الألفاظ صفتا الرَّقيق والدَّقيق ، فما كان مدوَّراً قيل فيه: رقيق ، يقال: سيف رقيق ، ورمح رقيق ، فإذا أردت أن تصف الثوب بشيء من هذا وقلت: ثوب رقيق فهو على الأصل ، أما إذا قلت: دقيق ، فإنما تذهب إلى دقة الغَزْل. وتتشابه لفظتا العِصامي والعِظامي في النطق إلا أن العِصامي مَن ساد بنفسه، والعِظامي مَن ساد بآبائه. أما مَن يقول مِن هذا المعنى لفظة العصامي (بالضم) فهو على غير الأصل.
وتقول العرب على الرجل الشديد الأكل: رجل مِطْعَم ، أما المِطْعام فالرجل الذي يُطعم الناس. وقريب من هذا لفظتا المَطْمَع والمَطْمَعَة ، فالمَطْمَع ما طمعت فيه ، والمَطْمَعَة: ما طمعت من أجله. ومما يشبه هذا كلمتا: النَّزيع والنَّزوع ، فالنَّزِيع: هو الغريب ، أما النَّزُوع : فهو الذي يحنّ إلى الشيء.
ويخلط بعض الناس بين لفظتي البِساط والبَساط في المعنى ، والأصل فيهما أن البِساط (بالكسر) كل ما بُسط ، أما البَساط (بالفتح) فالأرض الواسعة فقد قال الجوهري في صحاحه: (البِساط: ما يُبسط.والبَساط بالفتح: الأرض الواسعة. يقال: مكان بسيط وبَساط. قال العُدَيْل العِجْلِي في هجاء الحجاج:
ودونَ يَـدِ الحَجّاجِ مِنْ أَنْ تَنَـالَني بَـساطٌ لأيدي النَّاعجـات عَرِيضُ

ويفرّق العرب بين الطَّعْن والطِّعان بقولهم : طَعَنَ يَطْعُنُ طِعاناً إذا كان ذلك بالسِّنان ، وطَعَنَ يَطْعَنُ طَعْناً وطِعْناناً إذا كان ذلك باللِّسان . وعندهم إذا رثيت الحيّ فالاسم من ذلك مَرْثاة ، وإذا رثيت الميِّت فالاسم منه مَرْثِيَّة.
ومن تسمياتهم القريبة في نطقها: الجَدْي والجَدَاية ، فالجَدْي: الذَّكر من أولاد المِعْز والجمع أجدٍ وجِداء ، والجَدَاية: من أولاد الظِّباء والجمع جَدَايا. ويغلط بعض الناس في معنى الظلم فيقولون: الغَبْن ، وإنما هي الغَبْن (بفتح الغين) إذا كان الأمر يتّصل بالبيع ، والغَبَن (بفتح الغين والباء) إذا اتّجه إلى الرأي، ففي صحاح الجوهري (الغَبْن بالتسكين في البيع ، والغَبَن بالتحريك في الرأي. يقال: غَبَنْتُهُ بالبيع بالفتح ، أي خدعته ، وقد غُبِنَ فهو مغبون. وغَبِنَ رأيه بالكسر إذا نقصه فهو غبين ، أي ضعيف الرأي).
ومن فعل عَقَلَ يأتي معنى العَقْل والمَعْقِل ، بيد أننا نقول في الأولى: عَقَلَ يَعْقِلُ عَقْلاً إذا أدرك الأشياء على حقيقتها. على حين نقول في الثانية: عَقَلَ يَعْقُلُ عُقُولاً إذا امتنع في مكان جبل أو حِصْن.
وتستخدم العرب لمعنى الاتجاه في الأرض والجبل فعلين مختلفين وإن كانا قريبين في النطق ، يقولون من ذلك: أَصْعَدَ في الأرض وصَعِدَ في الجبل، ففي معجم العين (صَعِدَ صُعوداً أي ارتقى مكاناً مُشرِفاً. وأَصْعَدَ إصْعاداً أي صار مستقبل حدور نهر أو وادٍ أو أرض أرفع من الأخرى). وكل ما لا يتّصف بالنظافة يقال عليه عند العرب: قَذر (بكسر الذال وضمّها وفتحها) ، أما القَذُور من النساء فهي التي تتنزّه عن الأقذار.

د.أحمد بن عبدالرحمن بالخير
استاذ الدراسات اللغوية بكلية العلوم التطبيقية بصلالة
[email protected]