[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedaldaamy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]أ.د. محمد الدعمي[/author]في سبيل يعرف المرء شيئا عن طبيعة الشخصية الكردية، فإن عليه أن يلاحظ بيئتها التي تحيا تلك الشخصية بدواخلها. إن أية نظرة على خريطة الإقليم الكردي لن تخفق في الكشف عن أن معظم بلاد كردستان تتكون من مناطق جبلية وعرة، تتخللها سهول ووديان جميلة غنّاء، إضافة إلى غياب وجود منافذ على البحار والمحيطات باتجاه العالم الخارجي.باعتبار أن الكرد من الأقوام الآرية، فإن لغتهم تتصل بشجرة اللغات "الهندو أوروبية" Indo-European languages، وليس بشجرة اللغات السامية التي تنتمي إليها لغتنا العربية، سوية مع بنات عمها، كالعبرية. بيد أن قوة الإسلام وعالميته، زيادة على مجاورة الشعب الكردي القديمة للعرب ولغيرهم من الأقوام المسلمة، جعل من عملية التلاقح والاستعارة بين اللغتين، الكردية والعربية، عملية جارية منذ بداية الفتوحات الإسلامية حتى اليوم، أسوة بتأثيرات العربية على لغات الأقوام التي اعتنقت الإسلام، كالفرس والترك والهنود. ولكن برغم محافظة اللغة الكردية على بنيتها وتركيباتها الآرية الأساس، يجد المستمع أو القارئ أن هناك أعدادا كبيرة من الألفاظ العربية التي كانت قد أستعيرت ودخلت اللغة الكردية بحسب طبيعة الحياة الروحية نظرا لحيوية اللغة الكردية المؤثرة والمتأثرة باللغات والثقافات المحيطة بها. ولكن تبقى اللغة الكردية أكثر قرابة (من وجهة نظر نحوية) إلى اللغة الفارسية وإلى السنسكريتية منها إلى اللغة العربية، بسبب انتمائها إلى "عائلة" اللغات الآرية. وبرغم هذا التأثير المتبادل، يستعمل الكرد الحروف العربية للكتابة، مع إضافة علامات وإشارات مستحدثة صغيرة تُكتب للتمييز بين طرائق إخراج بعض الأصوات وتلفّظ الحروف غير الموجودة في العربية. لقد حاول بعض القوميين الكرد استبدال الحروف العربية بالحروف اللاتينية (كما فعل الترك في عهد مصطفى كمال أتاتورك)، ربما بدوافع محاكاة الغرب وتتبعا لخطى الأتراك، بيد أن هذه المحاولات لم تلقَ النجاح الكافي لانتشارها ولقبولها، خاصة وأن عيون الكتب والتراث الكردي مسجلة بالأحرف العربية منذ مئات السنين. لذا تكون هذه المحاولات أشبه بدق إسفين بين الأجيال الكردية الناشئة وبين تراثها الثقافي القديم المسجل بالأحرف العربية. وإذا كان هذا هو حال الحرف المكتوب والنص المطبوع، فإن اللغة الكردية لا تختلف عن سواها من اللغات العالمية الحية في أن لها لهجات متنوعة ومختلفة. بيد أن هذه اللهجات لا تختلف عن بعضها البعض بشكل كبير يمنع الاتصال والتفاهم بين الكرد أينما وجدوا، لأنها أشبه ما تكون باختلاف اللهجات العربية، بين سلطنة عمان ومصر، أو بين سوريا والعراق. ويذهب بعض فقهاء اللغة الكرد إلى استمكان لهجتين رئيسيتين في لغتهم، وهما: لهجة الشمال، بمعنى لهجة الكرد في تركيا صعودا إلى الشمال، ولهجة الجنوب، بمعنى اللهجة المتداولة في المحافظات الكردية في العراق، خاصة في منطقة أربيل. وتعد اللهجة الثانية أكثر "رسمية" وأكثر شيوعا في الثقافة بسبب كونها معتمدة في كتابات النصوص الأدبية والإعلامية والسياسية الحديثة والقديمة.في سبيل يعرف المرء شيئا عن طبيعة الشخصية الكردية، فإن عليه أن يلاحظ بيئتها التي تحيا تلك الشخصية بدواخلها. إن أية نظرة على خريطة الإقليم الكردي لن تخفق في الكشف عن أن معظم بلاد كردستان تتكون من مناطق جبلية وعرة، تتخللها سهول ووديان جميلة غنّاء، إضافة إلى غياب وجود منافذ على البحار والمحيطات باتجاه العالم الخارجي. لذا يمكن تقسيم الشعب الكردي إلى حضر وجبليين، أي سكان جبال. يسكن الحضر في المدن والبلدات الكردية المجاورة لمصادر المياه، كالأنهار والعيون والينابيع، زيادة على اعتمادهم على الحِرف والتجارة والأعمال الحضرية الأخرى، خاصة تلك المعتمدة على ما يأتي هذه المدن والقرى من منتجات الأودية والسهول الزراعية والغابات الجبلية المحيطة بأغلب المراكز الحضرية. أما الغابات، فإنها خزائن منتجات تعتمد على أنشطة الإنسان الكردي، جامعا ومنتجا للغلة، ناهيك عن كونه صيادا ماهرا، وليس منتجا للغذاء كما هي عليه حال الفلاح الكردي الذي يزرع الغلال والأشجار في الأودية والسهول الضيقة لتسويقها إلى المدن. ومن منتجات الغابات الطبيعية في كردستان أنواع الثمار الطبيعية، كالمكسرات (الجوز واللوز والفستق وسواها)، زيادة على ما وهبته الطبيعة من أنواع الحيوانات والطيور لهذه البلاد الجميلة. إن الحياة البرية في كردستان غنية جدا بأنواع الطيور والوحوش الكاسرة بسبب بعدها عن ملوثات العصر الحديث ونتيجة لوعورة جبالها. كما تمور هذه الجبال بأنواع الحيوانات النادرة والمفترسة كالدببة والثعابين وأنواع القطط الوحشية الكبيرة، إضافة إلى ما يقال من وجود نمور وأسود آسيوية لم تزل مختبئة في الجبال الشاهقة التي لا يصلها الإنسان. وقد انعكس بكر الطبيعة على الإنسان الكردي، خاصة خارج المراكز الحضرية الكبرى كالسليمانية وأربيل وشقلاوة ودهوك وسواها. إن الإنسان الكردي متآصر بعلاقة حميمة مع الطبيعة: فهو يأكل من نتاجها النقي، وهو يتناغم معها في ملبسه وفي صلابة جسده وشجاعته المعهودة. إنه من أقوى متسلقي الجبال في العالم، كما أنه من أشد المقاتلين وأصحاب أخلاق الفروسية الرفيعة التي لم تؤثر عليها الماكينة والتكنولوجيا.