لا بد أن يشعر المرء بالقلق وهو يشهد الدهاليز التي تنجرف إليها أزمة مخيم عين الحلوة بالتزامن مع إطلاق الجيش اللبناني معركة الجرود للقضاء على "داعش" الإرهابي، حيث رغم التداخلات في خيوط (لعبة) المخيم، إلا أن تجميع أجزاء متفرقة من صورة المشهد قد يساعد على فهم هذا (اللغز) من خلال الاشتباكات في المخيم التي لا تزال على وتيرة عالية ومحصورة بحي الطيري، بمواجهة مجموعة "بلال بدر" ومجموعة "بلال العرقوب" وبمساندة بعض المتطرفين والمتشددين في المخيم.
فمخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين ـ كما هو معروف ـ يضم حوالي 90 ألف لاجئ فلسطيني، وتسيطر المجموعات الإرهابية المتشددة على 30% من المخيم المتمركزة في حي رأس الأحمر، حي الطيري، المنشية، الطوارئ، الصفصاف، وبالتالي فإن هذه المجموعات الإرهابية ـ بحكم انتماءاتها وولاءاتها ـ لا يمكن أن تُقْدم على تفجير الأوضاع بالمخيم من وحي ذاتها، فكما هي العادة فإن هذه المجموعات تعطينا خيطًا مهمًّا للعقول التي عكفت على نسج خيوط هذه المؤامرة ليس للإضرار بصورة الإسلام والفلسطينيين واللبنانيين على السواء فحسب، وإنما لأهداف باتت واضحة وهي إدخال لبنان في أتون صراعات وفوضى أمنية بقصد إرباك الساحة السياسية والأمنية التي تعمل مؤسساتها وقياداتها على تطهير المناطق الموبوءة بالإرهاب، وتأمينها لتوفير الهدوء والأمان والاستقرار لأبناء الشعب اللبناني، وبالتالي تعطيل المهمة الوطنية التي يقوم بها الجيش اللبناني الذي بدأ معركة تطهير جرود رأس بعلبك والقاع، وقد حزم أمره بحسم المعركة ضد تنظيم "داعش" الإرهابي، انطلاقًا من معطيات أمنية وسياسية، ووقائع على الأرض بأن النيات المبيتة ضد لبنان تسعى لتحويله إلى أرض صراع وفوضى دائمين؛ لأن الواقفين وراء توتير الأجواء وتفجير الأوضاع في لبنان والزج بالتنظيمات الإرهابية في مختلف مناطقه، إنما يوقنون تمامًا أن الهدوء والاستقرار اللذين سيتحققان بعد الانتصار على الإرهاب الداعشي سيوفران المناخ الملائم للمقاومة اللبنانية في تعزيز قدراتها، والاستمرار في مساندة سوريا في حربها على الإرهاب، وهذا أمر مرفوض من قبل أعداء لبنان وجيشه بعقيدته الوطنية الحالية ومقاومته التي تراكم خبراتها وقدراتها.
إن الأمانة في الطرح والتوصيف تدعونا للعودة إلى الأجزاء المبتورة من الصورة وهي الأجزاء المتعلقة بالتعامل مع مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان وسوريا وغيرها، حيث تفجير الأوضاع داخل هذه المخيمات هدف لا يخدم سوى طرف واحد وهو العدو الأوحد للفلسطينيين واللبنانيين والسوريين وكل شعب يستضيف اللاجئين الفلسطينيين، حيث مخطط العدو الاسرائيلي هو ضرب الفلسطينيين بالشعوب المستضيفة أو بالأحرى بالدول المستضيفة (شعبًا وجيشًا وقوى أمنيةً وقيادةً). فوقوع القتلى والجرحى بين أبناء الشعب الفلسطيني نتيجة قتالهم بعضهم بعضًا لا يخدم قضيتهم، بل العكس تمامًا، فضلًا عن الكلف التي تتحملها الدولة المستضيفة كما هو حال لبنان وسوريا؛ لذلك إجماع الفصائل الفلسطينية على مواجهة هذه المجموعات الإرهابية المرتبطة بتنظيمي "داعش والنصرة" ذراعي تنظيم القاعدة الإرهابي مطلوب بقوة لمنع هذه المجموعات من التمادي، ومنعها من تحقيق مآرب وأهداف من تقاسمه الولاء ويحرضها.