[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/alibadwan.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]علي بدوان[/author]
”إن التحفظ "الإسرائيلي" الأساسي على تفاهمات خفض التوتر في الجنوب السوري نابعة من حقيقة أن التفاهمات لم تأتِ على ذكر حزب الله، وإنما تطرقت بشكلٍ ضبابي إلى الحاجة لمنع دخول جهات مسلحة من "كيانات أجنبية" إلى داخل المنطقة العازلة على الحدود بين سورية وبين كل من الأردن وفلسطين المحتلة. كما تتحفظ تل أبيب على أن يكون الجيش العربي السوري هو المراقب على المناطق الآمنة على الشريط الحدودي.”


كان لافتًا أن تُغير "إسرائيل" موقفها بسرعة من تفاهمات خفض التوتر في جنوب سوريا. ففي البداية صدرت عن حكومة نتنياهو والقيادة "الإسرائيلية" مواقف مُرحبة بهذه التفاهمات، أو الاتفاق، إلا أنها ما لبثت أن غيرت من موقفها تماما.
المجلس الوزاري "الإسرائيلي" المُصغر (الكابينيت) كان قد ناقش تفاهمات خفض التوتر جنوب سوريا عندما تم توقيعها برعاية روسيا، وأبلغ المجلس المُصغر مجموع الوزراء "الإسرائيليين" بأن التفاهمات إياها، تُمثل في مضمونها "اتفاقا سيئا لا يأخذ بالحسبان المصالح الأمنية لإسرائيل".
لقد حظي تفاهم خفض التوتر على الجبهة الجنوبية من سوريا، على اهتمامٍ "إسرائيلي" غير مسبوق في مسارات الأزمة السورية وتداخلاتها الإقليمية والدولية. وقد استبقت تل أبيب في حينها، وقبل التوصل إليه بعقدِ مشاوراتٍ مُكثفةٍ مع عدةِ أطرافٍ، كان منها الولايات المتحدة وروسيا وحتى الأردن، حيث تم إجراء لقاءات سرية في مطلع تموز/يوليو الفائت 2017، في العاصمة الأردنية عمان وفي إحدى العواصم الأوروبية بشأن الاتفاق أو التفاهم إياه، والقاضي بوقف إطلاق النار جنوب سوريا، حيث شارك في المحادثات دبلوماسيون وجهات أمنية وعسكرية من الأطراف الثلاثة. علما أن اتفاق أو تفاهمات خفض التوتر، يشمل ثلاث محافظات جنوبية في سوريا، هي محافظات: السويداء ودرعا والقنيطرة.
وتُشير مصادر مُختلفة، إلى أن "إسرائيل" عَرَضَت تحفظاتٍ كثيرةٍ أثناء اللقاءات التي جرت مع الطرفين الروسي والأميركي، وكان أول ما تحفظت عليه "أن موسكو وواشنطن لا توليان أهمية كافية لإخراج القوات الإيرانية وقوات حزب الله اللبناني من سوريا" على حد تعبير المصادر "الإسرائيلية" من داخل وزارة حكومة نتنياهو والمجلس الوزاري المُصغر (الكابينيت). فضلاً عن أن القيادة "الإسرائيلية" ليست مرتاحة في دواخلها من نشر الشرطة العسكرية الروسية في منطقة خفض التوتر جنوب سوريا، لتكون هي المشرفة على التطبيق. لأن هذه الشرطة "يُمكن أن تكون غطاء لإنشاء منطقة خفض التوتر وفقا للمصالح السورية، وليس المصالح الإسرائيلية" وفق تل أبيب، خاصة بعد استبعاد دخول قوات أميركية أو أردنية إلى تلك المناطق الجنوبية من سوريا.
كما أن التباينات في تلك الاجتماعات، كانت تتصل بالطريقة التي ينظر بها كل طرف إلى موضوع خفض التوتر، حيث إن واشنطن وموسكو تنظران إلى وقف إطلاق النار في جنوب سوريا وإقامة منطقة عازلة على أنهما وسيلة عملية وتكتيكية للمدى القصير حتى المتوسط، وذلك بهدف خلق وضع يُمكن فيه التركيز على القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وجبه النصرة (هيئة تحرير الشام)، وخفض مستوى القتال في سوريا. في المقابل، فإن "إسرائيل" تعتقد أنه كان يجب النظر إلى تفاهمات خفض التوتر ومسألة وقف إطلاق النار بصورة استراتيجية وبعيدة المدى، والتركيز على مسألة كيف ستكون سوريا بعد انتهاء الحرب، ومدى علاقاتها مع طهران وحزب الله اللبناني، وحتى مع الأطراف الفلسطينية المحسوبة على صف العلاقات المتميزة مع سوريا وايران وحزب الله اللبناني.
كما تعتقد "إسرائيل" أن اتفاق خفض التوتر ووقف إطلاق النار كان يجب يتناول التواجد الأجنبي على حد قول المصادر "الإسرائيلية"، في إشارةٍ للتواجد العسكري لحزب الله اللبناني في المنطقة الواقعة على بعد عشرين كيلومترا من الخط الحدودي مع "إسرائيل" فقط، وأن بقاء تلك القوات "من شأنه أن يحولها إلى قاعدة صواريخ تهدد "أمن وسلامة إسرائيل"، بشكلٍ مماثل للوضع في "لبنان وقطاع غزة" على حد تعبير المصادر "الإسرائيلية".
يُذكر أنه بعد أيام من اللقاءات المُشار إليها، أعلنت موسكو وواشنطن في الثامن من تموز/يوليو 2017، عن التوصل لاتفاقِ وقفِ إطلاق النار في جنوب سوريا، وشددتا على أن الاتصالات بشأن تفاصيل الاتفاق ظلت مستمرة. وبعد أن تسلمت "إسرائيل" مسودة الاتفاق من الطرف الأميركي، بعد عدة أيام، فوجئت باكتشاف أن روح الاتفاق وتفاصيله لا تتماشى مع المواقف التي عرضتها على موسكو وواشنطن.
وعليه، إن التحفظ "الإسرائيلي" الأساسي على تفاهمات خفض التوتر في الجنوب السوري نابعة من حقيقة أن التفاهمات لم تأتِ على ذكر حزب الله، وإنما تطرقت بشكلٍ ضبابي إلى الحاجة لمنع دخول جهات مسلحة من "كيانات أجنبية" إلى داخل المنطقة العازلة على الحدود بين سوريا وبين كل من الأردن وفلسطين المحتلة. كما تتحفظ تل أبيب على أن يكون الجيش العربي السوري هو المراقب على المناطق الآمنة على الشريط الحدودي.

وكانت تفاصيل مسودة الاتفاق هي التي دفعت رئيس الحكومة "الإسرائيلية" بنيامين نتنياهو، إلى مهاجمة التفاهمات بشكلٍ علني خلال زيارته لباريس في 16 تموز/يوليو 2017، وهو ما أثار نقد الفرنسيين الذين هم الآن في موقع المشارك للموقفين الروسي والأميركي بشأن مناطق خفض التوتر في سوريا.
وفي التقدير، والاستخلاص الرئيسي، إن الواقع العملي على الأرض في سوريا وعلى جبهة الجنوب منها على وجه الخصوص، في تخوم الحدود الفلسطينية المحتلة وعلى الحدود الأردنية، يُقرر بأن الإرادة الدولية مُمثلةً بالدور الروسي بشكلٍ رئيسي، ومعه الدور الأميركي ورغبة مُعظمِ دول الغرب الأوروبي، التي صنعت تفاهمات خفض التوتر في الجنوب السوري لن تتأثر بالموقف "الإسرائيلي"، وبمطالب تل أبيب المتواصلة. وعليه من المتوقع أن تبقى "إسرائيل" في موقع المشاغب على تلك التفاهمات، وقد تلجأ لمحاولات وضع العصي في دواليبها من خلال التدخل في مناطق جبهة الجولان العسكرية مع سوريا.
إن نجاح تفاهمات خفض التوتر في مناطق عديدة في سوريا، وعلى الأخص منها جبهة الجنوب السوري ذات الحساية العالية باعتبارها تجاور فلسطين المحتلة، يفتح المجال أمام البحث الجاد والفعال عن مساراتِ الحلولِ السياسيةِ المرجوةِ، الحلول التي تضع حدا لأزمة مؤلمة ما زالت جاثمة على صدر سوريا والشعب السوري عموما. وانطلاقا من إمكانية نجاح تفاهمات الجنوب السوري يمكن تعميم الأمر على أكثر من مكانٍ ساخن، أو يتوقع أن تزداد سخونته، وتحديدا في منطقة محافظة إدلب الملاصقة للحدود مع تركيا.