” إن البشر نماذج متنوعة، متفاوتة الخصائص والصفات، وكل فعل وتصرف وقول يحمل صفة أخلاق فاعله ومحدثه. وتلك الفروق بينهم والفردية المميِّزة لكلٍّ منهم حقيقةٌ واقعية تنتج عن التكوين الخاص لكل فرد والوراثة والبيئة والتربية، وتتنوع وتتعدد بما لا يُعَدُّ ولا يُحصى, وهذه الحقيقة تؤخذ بعين الاعتبار حين التعامل معهم, وهذا ما يثبت أن الأخلاق تختلف باختلاف تربية وتوجهات وقناعات البشر. ”


المتأمل في واقع مجتمعنا الكويتي لا ريب أنه يلمس وبكل سهولة مدى انعدام العديد من القيم الأخلاقية التي كانت ركيزة الحياة ليس بالزمن البعيد، حيث انتشر العنف اللفظي والعنف البدني, والرذيلة وأصبح الكذب سمة فئة تعتمده بصورة كبيرة، كما غاب التوقير والاحترام، وتقطعت الأرحام، وقلّ الإخلاص وندر الالتزام في العمل والأداء..إلخ, وكل ذلك لا شك أنها ظواهر غير مستحبة وتعبّر عن التدهور الأخلاقي الذي وصلت إليه معظم المجتمعات.
العديد من أفراد المجتمع يتحدثون عن الأخلاق ويسهبون في أهمية التمسك بأركان الأدبيات والتقاليد العامة، وباسم القيم والمبادئ السامية يدَّعون أنهم يمثلونها, ولكن حين النظر إلى سلوكياتهم, نجدهم بعيدون عن هذا التنظير، وثمة فجوة عميقة يصعب ردمها بين ما يدعون إليه وبين ما يفعلونه, وهذه أبشع صورة للفساد الأخلاقي.
إن كل فعل أخلاقي يصدر من داخل النفس وعلى قاعدة المبادئ والقيم والمُثُل المغروسة فيها، دون قسر أو إكراه خارجي عليه، إنه يتميَّز بطابعه الإرادي والرغبة الداخلية فيه, والذي يختلف عن القانون، رغم أن غايتهما قد تكون واحدة.
إن البشر نماذج متنوعة، متفاوتة الخصائص والصفات، وكل فعل وتصرف وقول يحمل صفة أخلاق فاعله ومحدثه. وتلك الفروق بينهم والفردية المميِّزة لكلٍّ منهم حقيقةٌ واقعية تنتج عن التكوين الخاص لكل فرد والوراثة والبيئة والتربية، وتتنوع وتتعدد بما لا يُعَدُّ ولا يُحصى, وهذه الحقيقة تؤخذ بعين الإعتبار حين التعامل معهم, وهذا ما يثبت أن الأخلاق تختلف باختلاف تربية وتوجهات وقناعات البشر.
إن قوة الأخلاق تغلب أخلاق القوة, فليس القوي الذي يستخدم العنف اللفظي أو البدني، وإنما القوي الذي يتمالك نفسه عند هذه النوعية من البشر, فقوة الأخلاق تتضح جلياً أثناء الإختلاف. كما إن الأخلاق الراقية هي التي تسمو بالإنسان، وتُرَقِّي خُلُقَه، وتُـحسِّن صفاتِه. وهي التي تضعه فوق الآخرين، وتمنحه العظمة والحكمة, وليس عظيماً ولا حكيماً مَن لا يتقيد بالأخلاق الراقية مهما بلغتْ سلطتُه وإنجازاته وشهرته, ولا بأية وسيلة أخرى مهما بلغت أهميتها فلن ترفعه إلى مستواها.

النهج السديد في إصلاح البشر وتقويم سلوكياتهم يبدأ بالمصلحين في محاولة تنقية النفوس وتزكيتها وغرس معاني الأخلاق الجيدة فيها, وإن التجديد النفسي والأخلاقي ليس نسخ أخلاق وإحلال أخلاق أخرى في موضعها، وإنما هو توسيع في مدلولات بعض المفاهيم الأخلاقية، ومنحها أهمية أكبر في النَسق الأخلاقي العام. فمجتمع اليوم في أمسّ الحاجة إلى إيجاد مدخل جديد للتنمية الأخلاقية، يقوم على منح بعض الثوابت القيمية والأخلاقية معان جديدة أو اهتمامات خاصة ببعض مدلولاتها، بغية التخفيف من حدّة وطأة التخلُّف والإنهيار الأخلاقي الذي يجتاح المجتمع.
يجب الاهتمام بتربية الناشئة قبل دخول المدرسة وفق تربية أخلاقية ودينية واجتماعية، لأن التعليم في الصغر أدعى للإنضباط في الكبر. وضروري جداً إدخال مادة علم الأخلاق في مناهج المراحل الابتدائية، ومادة أخلاق المهنة في مناهج ما بعد المرحلة الابتدائية حتى نهاية التعليم العالي أسوة بمناهج اليابان التي تولي دراسة الأخلاق أهمية كبرى ولا أحد يختلف عما وصلت إليه هذه الإمبراطورية التي باتت قارة.
كذلك من الضرورة إبراز أهمية القيم الأخلاقية في حياة الفرد أو الجماعة والاهتمام بأخلاق العمل، وبذل الجهد في سبيل نشرها وتحقيقها في الواقع, لما لها من تأثير كبير في الحياة العامة من جميع جوانبها، وفي تقدم الأمة وازدهارها. فالاهتمام بتنمية القيم الأخلاقية في المجتمع يعد عاملاً أساسياً وهاماً لبناء دولة مدنية حديثة, فالأخلاق هي أساس بناء الأمم والمجتمعات.

سهيله غلوم حسين
كاتبة كويتية
[email protected]
انستقرام suhaila.g.h تويتر suhailagh1