[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/fayzrasheed.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د. فايز رشيد[/author]
” إن مواقف الفرد الانتهازي من الأوضاع السياسية, والقناعات الفكرية, شيء مؤقت ومتلون, وقابل للتغيير, كذلك تجمع الأفراد الانتهازيين في هيئة أو حزب أو تكتل شيء خسيس ,لا يزول بزوال الظروف التي اقتضته, وبما أن الانتهازي كفرد, يغير موقفه السياسي والفكري حسب تغيير مصلحته, فإنه مؤهل لتغيير موقفه من الانتهازيين الآخرين حسب تغير تلك المصلحة منهم أيضا. ”

طالما كانت الثورة, طالما وُجد الانتهازيون المستفيدون منها, وغير المستعدين للتضحية بأنفسهم من أجلها! وكلما طالت سنوات الثورة, كثُر الانتهازيون, المتسلقون عليها, هؤلاء الواعون لما يفعلون من استفادة أنانية من كل ظروف الثورة, دون الاهتمام بمبادئها أو العواقب التي ستعود على الآخرين وعلى القضية جراء انتهازيتهم, كلهم أو بعضهم. الانتهازيون نفعيون, تحركهم دوما مصالحهم الشخصية. نعم, الانتهازية في الثورة الفلسطينية, باتت ظاهرة ملموسة, عندما يتخذ الفرد( أو المجموعة) مواقف سياسية أو فكرية لا يؤمن/ يؤمنون بها, في سبيل تحقيق أو حماية مصالح ذاتية آنية. وتبعا لذلك, يغير هذا الفرد ( أو المجموعة) مواقفه/ مواقفهم السياسية واختياراته/ اختياراتهم حسب تغير الظروف, من أجل أن ينسجم/ ينسجمون مع الظرف الجديد أملا في الحصول على مصالحهم. الانتهازيون يعادون ويناقضون الصراحة, وهذا ما يميز ممارستهم عن ممارسة الثوريين, نعم, إنهم يعادون التغيير والتقدم. ليس لهؤلاء من مذهب سياسي أوعقيدة أو نظرية محددة , مستمدة من شكل المجتمع صاحب الثورة , فهم يناقضون ما قالوه بالأمس, و يقولون غدا ما سيتخلون عنه بعد غد.إنهم يكتفون بالمواقف السياسية اليومية النفعية, وإن تبنوا شكليا عقيدة ما, فإنما لخدمة هذا الموقف السياسي أو ذاك, وهم قادرون على التخلي عن كل المذاهب دفعة واحدة, إذا ما اقتضت مصالحهم الظرفية ذلك.الانتهازيون متصيدون لزملائهم في الثورة ,أشبه ما يكونون بالثعابين القادرة على لسع الآخرين بمنتهى الصمت,ويغيرون جلودهم أيضاً.
إن مواقف الفرد الانتهازي من الأوضاع السياسية, والقناعات الفكرية, شيء مؤقت ومتلون, وقابل للتغيير, كذلك تجمع الأفراد الانتهازيين في هيئة أو حزب أو تكتل, شيء خسيس ,لا يزول بزوال الظروف التي اقتضته, وبما أن الانتهازي كفرد, يغير موقفه السياسي والفكري حسب تغيير مصلحته, فإنه مؤهل لتغيير موقفه من الانتهازيين الآخرين حسب تغير تلك المصلحة منهم أيضا. وهذا هو القانون الذي يحكم علاقات الانتهازيين ببعضهم, ويعطي لتكتلاتهم وتحالفاتهم صفة عدم الثبوت والتلون المستمر. يعتقد الانتهازيون أنهم ماهرون في "اللعبة السياسية" والقدرة على المناورة والخداع, وكسب الناس والمؤيدين الكثر ,ويسوغون التنسيق و"الاتصالات" مع العدو, وتنويعها وما إلى ذلك بكافة الحجج, هذه هي أسلحة الزعامات والتكتلات الانتهازية, وزادها الذي تعيش به. وبحكم بعض النجاحات الجزئية أو الصفقات التي تحققها مؤقتا هذه الأساليب, تنساق التكتلات والزعامات الانتهازية إلى مستوى الغرور, وتتوهم أن البراعة في المناورة كافية لوحدها للوصول إلى الحقوق ,و"تخدير" كل جماهيرها , وفي مثل هذه الحالة نراها - و بدافع من اليأس والاستماتة في محاولة الاحلال محل الثورة في نفس الوقت – تفسح المجال لغرائزها و ميولاتها الأنانية الذاتية وتصرفاتها الشاذة, إلى درجة قد تؤدي بأصحابها إلى الابتعاد عن العقل, حتى على حساب ضياع الحقوق.
من خصائص الانتهازية كذلك , "الميكافيلية"، أي الاستعداد للتعاون مع أي قوة كانت, وعقد التحالفات مع أية جهة مهما كان نوعها, وبدون تردد، إذا ما اقتضت اللعبة السياسية – أي مصلحتها – ذلك. ومن ثم نجد الزعامات والتكتلات الانتهازية مستعدة بدون تورع للتفاهم مع قوى الاستعمار الجديد, وعقد التحالفات، بدرجات متباينة مع القوى العميلة والثورة المضادة, إلا أنها لا تقوم بكل هذا بشكل مكشوف أو بالأساليب البدائية كما يفعل العملاء بالواضح, بل بالأساليب غير المباشرة وبشتى التغطيات والصيغ، فتفاهمها مع الأعداء لا يأخذ عادة الشكل المباشر, بل غالبا ما يكون ضمنيا ومفهوما من الجانبين دون حاجة إلى تصريح واضح, أو في أحوال أخرى يجري تسويق الاتصالات والتنسيق مع العدو على أنها من مصلحة الثورة. وقد يحجب الاتصالات دخان كثيف من الشعارات المعادية للاستعمار والصهيونية, في محاولة لإبراز الذات كبديل مقنع يحل محل القوى الثورية, ومن أجل ذلك, نراها تحافظ لنفسها على موقع "التعالي", (موقع"فوق الجميع") الذي يجنبها دخول الصراع في مرحلة الانتقال الثوري كأحد أطرافه, للحفاظ على كافة أوراقها وطاقاتها حتى تتسنى لها فرصة الاستمرار في السلطة.
إننا في الثورة الفلسطينية, بحاجة إلى الوضوح الثوري والمكاشفة, فبعد كل سنوات الثورة, باتت مواقف العدو في غاية الوضوح, هو لا يرى حق شعبنا في إقامة دولته المستقلة, ولا في حل الدولة الديموقراطية الواحدة ولا في حل الدولة الثنائية القومية, إنه يرى حقوق شعبنا في إقامة حكم ذاتي هزيل منزوع السيادة والصلاحيات! إن ما يطرحه العدو هوشكل آخر للاحتلال, بالتالي فلنعد الصراع إلى مربعه الأول, بالمطالبة بتحرير كل شبر من الأراضي الفلسطينيىة, التي هي حق مشروع لشعبنا, فهؤلاء جاءوا غزاة مستوطنون لأرض لا يربطهم بها أدنى رابط. ندرك أن الظروف ليست هي الظروف الملائمة للتحرير, غير أن الظروف متغيرة. علينا التمسك بالثورة, والمقاومة الدائمة لهذا العدو السوبر فاشي والسوبر عنصري. هذا العدو ,الذي استفاد كثيرا من نهج المفاوضات, وبدلا من اللجوء للحلّ,يتفنن في فرض المزيد من الاشتراطات على شعبا وأمتنا. يتفنن في طرق مصادرة ما تبقى من أراضينا في الضفة العربية المحتلة, يتفنن في طرق قتلنا وفي الإمساك بمستقبلنا , كي نظلّ شعبا يعاني من احتلال كلّ أرضه واغتصاب إرادة أبنائه. عدو يتفنن في طرق قتلنا. عدو لا ينفع معه سوى لغة المقاومة والوضوح. عدو لا تنفع معه كل الأساليب الانتهازية.... حمانا الله منها.