القدس ـ العمانية:تعد مدينة "الرملة" الفلسطينية المدينة الوحيدة التي بناها العرب المسلمون في فترة الحكم الاسلامي لفلسطين زمن الحكم الأموي وكان أميرا عليها سليمان بن عبد الملك في حينها ومن ثم اتخذها عاصمة لفلسطين حين ولي الخلافة وبقيت كذلك عاصمة ادارية للحكم الأموي على امتداد 400 سنة الى ان احتلها الفرنجة عام 1099 م وسبب تسميتها للرملة هو بناؤها على ارض من الرمال.وتقع الرملة على مفترق طرق رئيسي كان يربط بين يافا والقدس من جهة ودمشق والقاهرة من جهة أخرى وقد ذكرها العديد من المؤرخين والرحالة في مؤلفاتهم، وهي مدينة يقسمها شارعان رئيسيان يتقاطعان في مركزها وعلى طولهما توجد المحال التجارية والاسواق المختلفة كسوق العطور وسوق اللحامين وسوق الخضار وسوق البقوليات وأخر للحبوب، وفي السنوات القليلة الماضية تم اكتشاف مكان يعرف بدار الصباحين وهو اسم يطلق على سوق الدهانين، مما يميز هذا السوق عن غيره احتواؤه على أدوات لمعالجة الدهان.وقد ذكرت أسواق الرملة في كتب كثير من الرحالة والمؤرخين العرب فذكرها ابن بطوطة في وصف ترحاله من مصر الى أرض فلسطين قائلا: " ثم سافرت منها(مصر)الى مدينة الرملة وهي في أرض فلسطين كثيرة الخيرات، حسنة الأسواق، وبها جامع الأبيض، وقد زكاها الاصطخري في كتابه "المسالك والممالك" قائلا: "فلسطين أزكى بلاد الشام ومدينتها العظمى الرملة، وبيت المقدس يليها في الكبر".وفي مركز المدينة أقيمت دار الإمارة وبجانبها المسجد الأبيض الذي لا زالت آثاره موجودة الى اليوم وهو مربع الشكل ورمم ووسع في الفترات الأموية والعباسية والفاطمية مما يدل على الازدهار المتواصل لهذه المدينة.وقال ابراهيم أبوديه رئيس اللجنة الشعبية في مدينة الرملة لوكالة الأنباء العمانية إن محيط المسجد الأبيض يحتوي على مغارات ثلاث كان يستخدمها الامويون لحفظ الغذاء والثروات وغيرها من الاستخدامات ايام حكمهم للمدينة حيث كان موقع المسجد الأبيض هو الديوان الرئيسي للحكم الاموي، وقد بني المسجد من اثني عشر رواقا على مساح 2 دونم وتضم ساحاته الثلاث مجمعات للماء تعود آثارها إلى بدايات الفترة الأموية وتقول الروايات التاريخية إن الخليفة سليمان بن عبد الملك قد أمد الرملة بالماء بواسطة قنوات مائية أهمها قناة بنت الكافر التي عثرت الحفريات على آثارها في الحقول الشرقية والغربية للمدينة بطول 15 كيلومترا.وأضاف أبو ديه: إن للمسجد الابيض منارة بنيت في زمن المماليك لا زالت آثارها باقية آثارها شامخة ومهيمنة على المباني المحيطة بها فقد بنيت عام 1318 في زمن حكم السلطان المملوكي الناصر بن قلاوون حيث أقيمت المئذنة في الجهة الشمالية للمسجد متداخلة في جداره الشمالي وهي مربعة الشكل ترتفع في السماء 30 م وهي مكونة من 6 طوابق كل ضلع من أضلاعها بطول 6.9م وتعتبر المئذنة تحفة فنية نادرة حيث تزينت بالنقوش والتصميمات الفنية ما جعل منها أحد أهم رموز المدينة.ومن الآثار المهمة أيضا في الرملة هي بركة الأقواس التي بناها هارون الرشيد وأحاطها بالخيزران ومن خوفه عليها واعجابه بها حفرها تحت الارض واحاطها بالأقواس وكان يستخدمها للسباحة وتتسع لسير قارب واحد صغير فيها وتوجد اليوم في مركز مدينة الرملة.ويقول رئيس اللجنة الشعبية: إنه لما كانت الرملة أكبر المدن الفلسطينية فقد ضاهت المدن والعواصم العربية آنذاك مثل بغداد والقاهرة ودمشق ويرجع ذلك حسب المؤرخين الى ازدهار التجارة والصناعة في الرملة خاصة صناعة دباغة الأنسجة.وفي القرن الحادي عشر الميلادي وفي العام 1033 م دمر الزلزال الذي ضرب فلسطين ثلثي الرملة واحال المدينة الى خراب بعد ازدهار ومن ثم تبعه زلزالا 1068و1070 م ما أنهك المدينة وشرد أهلها وأثر على مكانتها وموقعها تجاريا وكان لحروب الفاطميين أيضا بالغ الأثر المدمر على المدينة وحتى عام 1099 م الى ان وقعت تحت الاحتلال الصليبي حيث دخل الصليبيون المدينة ووجدوها خالية من أهلها فاحتلوها واقاموا في أطرافها قلعة وكنيسة أصبحت فيما بعد مركز المدينة إلى أن دخل المماليك الى الرملة وأعادوها الى المسلمين، ومباني الرملة تأخذ الطابع الإسلامي الذي تميزت به الفترة الذهبية للعمارة الإسلامية حيث القباب والاقواس ونقوش الجدران الصفة الغالبة على شكل المباني.ويضيف أبو ديه: إن مدينة الرملة شهدت على الصلح التاريخي بين صلاح الدين الأيوبي وريتشارد (قلب الأسد) فيما يعرف بصلح الرملة وقد تمت هذه المصالحة في باحات المسجد الأبيض، تحتوي هذه المدينة العريقة أيضا على عدد من الكنائس اهمها الكنيسة الإنجليكية وهي التي بات فيها نابليون بونبارت إبان الحملة الفرنسية على فلسطين في طريقه من العريش لحصار عكا وترك هناك بندقيته وسيفه وقبعته كلها محفوظه في متحف الرملة.ويضيف أبوديه: إن مدينة الرملة وكأي مدينة فلسطينية اليوم تتعرض لمحاولات إسرائيلية دؤوبة لتهويدها ونزع الطابع العربي الإسلامي عنها من خلال تزوير التاريخ حيث تمنع اسرائيل ترميم الآثار الإسلامية فيها، والإسرائيليون لا يتوانون لحظة لطمس هوية المدينة الإسلامية فكانوا يعمدون في أعيادهم الى رفع العلم الاسرائيلي فوق مئذنة المسجد الأبيض الامر الذي اثار حفيظة الفلسطينيين في الرملة واستصدروا أمرا من الكنيست (البرلمان الاسرائيلي) لوقف هذه الاعتداءات على المقدسات الإسلامية.