على المسلم أن يتوجه إلى الله بالدعاء أن يجعله من عباده المخلصين ويطلب العلم الشرعي الذي أنعم عليك ووفقك ووجدته عند محنتك هو وحده الذي يستحق أن تعمل من أجلهإعداد: مبارك بن عبدالله العامريالإخلاص هو روح الطاعات، وجوهر العبادات، فلا تقبل طاعة بدونه، ولا يرتقي مسلم بغيره، وهو صدق النية بالتوجه إلى الله تعالى وحده، وتنقية النفس من الشوائب التي تضر بالأعمال، كالعجب والغرور والرياء والسمعة، وحب النفس، وحب الشهرة، قال تعالى: وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة) وهو آكد ما أمر الله تعالى به أنبياءه ورسله عليهم السلام، قال عز وجل:(إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصا له الدين، ألا لله الدين الخالص)، وقوله تعالى:(وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) (الأعراف ـ 29)، قال تعالى:(فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ) (الزمر ـ 2)، وقال سبحانه وتعالى:(قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ) (الزمر ـ 11)، وقال عزوجل:(قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَّهُ دِينِي) (الزمر ـ 14)، وقال تعالى:(فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) (غافر ـ 14).تعريف الإخلاص اصطلاحاًقال العز بن عبد السلام: الإخلاص أن يفعل المكلف الطاعة خالصة لله وحده، لا يريد بها تعظيماً من الناس ولا توقيراً، ولا جلب نفع ديني، ولا دفع ضرر دنيوي.قال سهل بن عبد الله: الإخلاص أن يكون سكون العبد وحركاته لله تعالى خاصة وقيل: هو تفريغ القلب لله أي: صرف الانشغال عمّا سواه، وهذا كمال الإخلاص لله تعالى، وقيل: الإخلاص تصفية الفعل عن ملاحظة المخلوقين، ويقول الهروي: الإخلاص تصفية العمل من كل شوب، ويقول بعضهم: المخلص هو: الذي لا يبالي لو خرج كل قدر له في قلوب الناس من أجل صلاح قلبه مع الله عز وجل، ولا يحب أن يطلع الناس على مثاقيل الذر من عمله، وقال أبو علي الدقاق: الإخلاص: التوقي عن ملاحظة الخلق، فالمخلص لا رياء له، قال أبو القاسم القشيري معرّفاً الإخلاص: الإخلاص إفراد الحق سبحانه في الطاعة بالقصد، وهو أن يريد بطاعته التقرب إلى الله تعالى دون شيء آخر من تصنعٍ لمخلوق أو اكتسابِ مَحْمَدَةٍ عند الناس أو محبة مدحٍ لمخلوق أو معنى من المعاني سوى التقرب إلى الله تعالى، وقال: ويصح أن يقال: الإخلاص تصفية الفعل عن ملاحظة المخلوقين).قال حذيفة المرعشي: الإخلاص: أن تستوي أفعال العبد في الظاهر والباطن.قال الفضيل: أحسن عملاً: أخلصه وأصوبه. وقال: إن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل، وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل حتى يكون خالصاً، والخالص ما كان لله، والصواب ما كان على السنة، وقال أيضاً: لأعلمنك كلمة هي خير لك من الدنيا وما فيها: والله لئن علم الله منك إخراج الآدميين من قلبك حتى لا يكون في قلبك مكان لغيره ـ لم تسأله شيئاً إلا أعطاك. قال ابراهيم ابن أدهم: الإخلاص صدق النية مع الله، وسئل التستري: أي شيء أشد على النفس؟! قال: الإخلاص؛ لأنه ليس لها فيه نصيب، ويقول سفيان الثوري: ما عالجت شيئاً أشد عليّ من نيتي؛ إنها تتقلبُ عليّ، وقال ابن الجوزي: وكذلك يخفي الإنسان الطاعة فتظهر عليه، ويتحدث الناس بها، وبأكثر منها،حتى إِنهم لا يعرفون له ذنباً، ولا يذكرونه إلا بالمحاسن،لِيُعْلَمَ أن هنالك ربَّاً لا يُضيع عَمَلَ عامل، وإن قلوب الناس لَتَعْرِفُ حالَ الشخص، وتحبه أو تأباه، وتذمه أو تمدحه وَفْقَ ما يتحقق بينه وبين الله -سبحانه وتعالى- فإنه يكفيه كلَّ هم، ويدفع عنه كلَّ شر.كيف تكون مخلصاً لله تعالى؟توجّه دوماً إلى الله عزّ وجل بالدعاء أن يجعلك من عباده المخلِصين ويعينك على مجاهدة نفسك للوصول إلى هذه المرتبة العظيمة، واطلب العلم الشرعيّ فهذا سبيل عظيم للعون على تحقّق الإخلاص في النفس، واعلم أنكّ خُلِقت في هذه الدنيا لتعبد الله الذي خلقك وتفضّل عليك بأفضاله، والعبد لا ينتظر من سيده والمنعم عليه أجراً على خدمته، إنّما هذا الأجر الذي تحصل عليه هو منّةٌ وتفضّلٌ من خالقك وسيدك، وشاهد نعم الله وكرمه عليك، واعلم أنّ الذي أنعم عليك ووفّقك ووجدته عند محنتك هو وحده الذي يستحق أن تعمل من أجله، وغيره ليسوا إلّا مجرّد خلقٍ مثلك، تذكّر العقاب وغضب الله تعالى عليك إن كنت مرائياً، وأكثر من الأعمال الصالحة التي لا يمكن للناس الاطلاع عليها، كصيام يومٍ في سبيل الله، أو صدقةٍ في السر، أو صلاةٍ في جوف الليل، أو ذكرٍ وتسبيحٍ لله في الخفاء، أو مناجاةٍ وخلوةٍ مع الله، فعندما تقوم بمثل هذه الأعمال تطمئنّ أنك قمت بها من أجل الله وحده، اخفِ أعمالك الصالحة ما استطعت ولا تحاول إظهارها للناس، وتذكّر أن هذه الدنيا فانية، ومديحُ الناس سيذهب، ويبقى اطلاع الله على سرّك، فبذلك تعلو همّتك في أن تدع الناس جانباً وتتوجّه بعملك إلى العليم القدير، وادعُ دعاءَ كفارة الرياء الذي علّمَنا إياه رسول الله (صلّى اللّه عليه وسلّم) وهو:(اللهم إنّا نعوذ بك أن نشرك بك شيئاً نعلمه، ونستغفرك لما لا نعلمه)، صاحب الصالحين والمخلصين لتقتدي بهم وتكون دوماً موصولاً بالله.