الحياء من الله باتباع أوامر الله واجتناب نواهيه والحياء من الناس أساس مكارم الأخلاق ومنبع كل فضيلة

حياء النفوس العزيزة أن ترضى لنفسها بالنقص أو تقنع بالدون، ويكون هذا الحياء بالعفة وحسن السريرة

إعداد ـ مبارك بن عبدالله العامري
إنّ الحياء من الله يكون باتباع أوامر الله واجتناب نواهيه ومراقبة الله في السر والعلن، وجاء رجل إلى الحسين بن علي رضي الله عنهما فقال له: أنا رجل عاصي ولا أصبر عن المعصية فعظني. فقال الحسين:(افعل خمسة وافعل ما شئت). قال الرجل: هات. قال الحسين:(لا تأكل من رزق الله وأذنب ما شئت) قال الرجل: كيف ومن أين آكل وكل ما في الكون من رزقه. قال الحسين:(اخرج من أرض الله وأذنب ما شئت) قال الرجل: كيف ولا تخفى على الله خافية. قال الحسين:(اطلب موضعاً لا يراك الله فيه وأذنب ما شئت) قال الرجل: هذه أعظم من تلك، فأين أسكن. قال الحسين: (إذا جائك ملك الموت فادفعه عن نفسك وأذنب ما شئت) قال الرجل: هذا مُحال. قال الحسين:(إذا دخلت النار فلا تدخل فيها وأذني ما شئت) فقال الرجل: حسبك، لن يراني الله بعد اليوم في معصية أبداً. لقد بلغ الإيمان بالصحابة رضي الله عنهم أنهم أصبحوا يستحيون من الله في التقصير في النوافل وكأنهم قد ضيعوا الفرائض. قال الفضيل بن عياض:(أدركت أقواماً يستحيون من الله سواد الليل من طول الهجيعة) قال يحيي بن معاذ:(من استحى من الله مطيعاً استحى الله منه وهو مذنب) أي: من غلب عليه خلق الحياء من الله حتى في حال طاعته فهو دائماً يحس بالخجل من الله في تقصيره فيستحي أن يرى من يكرم عليه في حال يشينه عنده. أن الله حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه أن يردهما صفراً، عجيب شأن هذا العبد المسكين لا يستحي من ربه وهو ينعم عليه آناء الليل وأطراف النهار مع فقره الشديد .. والرب العظيم يستحي من عبده مع غناه عنه وعدم حاجته إليه. الحياء من الملائكة: أن الله قد جعل فينا ملائكة يتعاقبون علينا بالليل والنهار.. وهناك ملائكة يصاحبون أهل الطاعات مثل الخارج في طلب العلم والمجتمعين على مجالس الذكر والزائر للمريض وغير ذلك، وأيضاً هناك ملائكة لا يفارقوننا وهم الحفظة والكتبة )وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ، كِرَامًا كَاتِبِينَ) (الإنفطار 10 ـ 11)، (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ) (الزخرف ـ 8)، إذاً فعلينا أن نستحي من الملائكة وذلك بالبعد عن المعاصي والقبائح وإكرامهم عن مجالس الخنا وأقوال السوء والأفعال المذمومة المستقبحة.
الحياء من الناس:
وهذا النوع من الحياء هو أساس مكارم الأخلاق ومنبع كل فضيلة لأنه يترتب عليه القول الطيب والفعل الحسن والعفة والنزاهة .. والحياء من الناس قسمين:
1 ـ هذا قسم أحسن الحياء وأكملة وأتمه، فإن صاحبه يستحي من الناس جازم بأنه لا يأتي هذا المنكر والفعل القبيح إلا خوفاً من الله تعالى أولاً ثم اتقاء ملامة الناس وذمهم ثانياً فهذا يأخذ أجر حيائه كاملاً لأنه استكمل الحياء من جميع جهاته إذ ترتب عليه الكف عن القبائح التي لا يرضاها الدين والشرع ويذمه عليها الخلق.
2 ـ قسم يترك القبائح والرذائل حياء من الناس وإذا خلا من الناس لا يتحرج من فعلها وهذا النوع من الناس عنده حياء ولكن حياء ناقص ضعيف يحتاج إلى علاج وتذكير بعظمة ربه وجلاله وأنه أحق أن يستحيا منه لأنه القادر المطلع الذي بيده ملكوت كل شيء الذي أسبغ عليه نعمه ظاهرة وباطنة فكيف يليق به أن يأكل من رزقه ويعصيه ويعيش في أرضه وملكوته ولا يطيعه ويستعمل عطاياه فيما لا يرضيه.
وعلى ذلك فإن هذا العبد لا يليق به أن يستحي من الناس الذين لا يملكون له ضراً ولا نفعاً لا في الدنيا ولا في الآخرة ثم لا يستحي من الله الرقيب عليه المتفضل عليه الذي ليس له غناء عنه.
أما الذي يجاهر بالمعاصي ولا يستحي من الله ولا من الناس فهذا من شر ما منيت به الفضيلة وانتهكت به العفة، لأن المعاصي داء سريع الانتقال لا يلبث أن يسري في النفوس الضعيفة فيعم شر معصية المجاهر ويتفاقم خطبها، فشره على نفسه وعلى الناس عظيم وخطره على الفضائل كبير، ومن المؤسف أن المجاهرة بالمعاصي التي سببها عدم الحياء من الله ولا من الناس فبعض الشباب لا ينزجر وبعض الرجال لا تدركه الغيرة وكذلك بعض النساء لا يغلب عليها الحياء فقد كثر في التبرج من النساء في الأسواق وفي الحدائق العامة، تخرج المرأة كاشفة الوجه مبدية الزينة لم تجل خالقاً ولم تستحي من مخلوق.
الحياء من النفس:
وهو حياء النفوس العزيزة من أن ترضى لنفسها بالنقص أو تقنع بالدون، ويكون هذا الحياء بالعفة وصيانة الخلوات وحسن السريرة، فيجد العبد المؤمن نفسه تستحي من نفسه حتى كأن له نفسين تستحي إحداهما من الأخرى وهذا أكمل ما يكون من الحياء. فإن العبد إذا استحى من نفسه فهو بأن يستحي من غيره أجدر. يقول أحد العلماء:(من عمل في السر عملاً يستحي منه في العلانية فليس لنفسه عنده قدر).
والحقيقة أن هناك نفساً أمارة بالسوء تأمر صاحبها بالقبائح. قال تعالى على لسان امرأة العزيز:(وَمَا أبَرِّىءُ نَفسِي إنَّ النّفسَ لأَمّارَةٌ بِالسُوءِ إلاَ مَارَحِمَ رَبِيِ إنّ رَبِي غَفُورٌ رّحِيمٌ) (يوسف ـ 53)، والنفس الثانية هي النفس الأمارة بالخير الناهية عن القبائح وهي النفس المطمئنة.
قال تعالى:(يَا أيّتُهَا النّفسُ المُطمَئِنَةُ ارجِعِى إلى رَبِكِ رَاضِيَةً مَرضِيَةً فَأدخُلي في عِبادِي وَادخُلي جَنَتي) (الفجر27 ـ 30)، إذاً فعلينا أن نجاهد أنفسنا فلا نجعلها تفكر في الحرام ولا تعمله حتى تكون من النفوس المطمئنة التي تبشر بجنة عرضها السموات والأرض .. يقول تعالى:(وَالّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهدِيَنّهُمَ سُبُلُنَا وَإنّ اللّهَ لَمَعَ المُحسِنِينَ) (العنكبوت ـ 69).
نسأل الله العزيز القدير ذا العرش المجيد أن يعصمنا من قبائحنا وأن يستر عوراتنا ويغفر زلاتنا ويقينا شرور أنفسنا وشر الشيطان وشركه.