القاهرة ـ العمانية:
يتضمن كتاب صدر مؤخراً عن المجلس الأعلى المصري للثقافة بعنوان "حديث الاثنين.. خواطر نقدية حول الأدب والفن"، مجموعة من مقالات د.عبد القادر القط التي نُشرت في صحيفة "الأهرام". وجاء في كلمة الناشر: إن القطّ في هذا الإصدار الذي وضع مقدمته الناقد د.أحمد درويش، يهتم بالمثقف العام (القارئ)، كما يهتم بالمثقف العام (المشاهد) بعد اتساع مجال البث الإبداعي عبر الشاشات التلفزيونية، والتي تحتاج إلى إقدام ناقد حيوي يفتح باب الحوار العلمي الهادئ حولها، إذ سجل القط مجال الريادة في هذا الاتجاه، وفتح الباب أمام عشرات النقاد لإثراء الحوار. ولفت الناشر إلى أن عبدالقادر القط شاعر مقلّ في شعره، وله ديوان شعري وحيد اسمه "ذكريات شاب"، ولكن كان له باع كبير في النقد والأدب ومفهوم الشعر وخطابه، وله العديد من الكتب النقدية والأعمال المختصة والثقافية، منها: "الاتجاه الوجداني في الشعر العربي"، و"مفهوم الشعر عند العرب"، و"في الشعر الإسلامي والأموي"، و"الكلمة والصورة"، و"قضايا ومواقف"، و"في الأدب المصري المعاصر".
واستعرض الناشر ترجمات القط من الإنجليزية، ومن بينها ثلاث مسرحيات لشكسبير، هي "هاملت" و"ريتشارد الثالث"، و"بريكليس، علاوة على "جسر سان لويس راي"، وهي رواية للكاتب الأميركي ثورنتون وايلدر، ومسرحية "صيف ودخان" للأميركي تنيسي ويليامز.
وكان د.عبد القادر القط قبل رحيله عضواً بالمجلس الأعلى للثقافة ومقررا ًللجنة الشعر فيه، ونال في عام1980 جائزة الملك فيصل العالمية في الأدب عن كتابه "الاتجاه الوجداني في الشعر العربي المعاصر"، ونال الجائزة الدولة التقديرية بمصر في عام 1984، كما نال جائزة مبارك في الأدب. وفي احد مقالاته، يقول القط: إن المجتمع في مراحل التحول الحضاري السريع، يصبح بيئة صالحة لقيام نمطين متقابلين في الفكر والثقافة، أحدهما يندفع نحو الجديد بالغ الجاذبية والقوة، والآخر يتشبث بأطراف الماضي الذي يحاول جاهداً أن يثبت قدرته على البقاء. ويضيف: أن المجتمع المصري يجتاز في السنوات الأخيرة تحولاً حضارياً جسيماً من شأنه ان يصنع هذين النمطين المتقابلين، ومن بينهما وسطٌ يتذبذب بين هذا وذاك قلقاً حائراً أمام الحداثة والمحافظة، لا يستطيع لسرعة التحول أن يختار على مهلٍ من الجديد أنسبه لروح العصر، ومن القديم أصلحه للبقاء. ويرى أن النقد الأدبي سار مع ذلك التحول، فنشأت فيه نظريات جديدة تنطلق من فلسفات حول اللغة والأدب وطبيعة الإبداع والتلقي، خالفت ما كان سائداً من نقد شامل ينظر في تجربة النص وصيغته ومستواه، قارناً النظرية بالذوق الشخصي والقيم الفردية السائدة. ويوضح أن النظريات الجديدة أقرب إلى المنهج العلمي وأكثر مسايرة لطبيعة العصر، وكان يمكن أن تكون أكثر قبولاً لو كان العرب قد شاركوا في صنعها ولم يقنعوا بنقلها عن المناهج الغربية نقلاً لا يخلو من آثار العجلة أو الإعجاب المسرف.
ويؤكد القط: أننا يمكن أن نكون أقدر على مواجهة النظريات النقدية السائدة لو حاولنا أن نضيف إليها من فكرنا، ما يجعلها أصلح لدراسة نصوص عربية ذات طبيعة خاصة، وأقرب إلى متلقين وقراء تسيطر عليهم تقاليد طويلة لا يمكن للناقد أن يتجاهلها إذا أراد لنظريته القدرة على مواجهة المناهج القديمة الراسخة. ويقول: إن هذه الحقائق لا تخفى على النقاد العرب ممن نقلوا مناهج النقد الحديث، فهم يجمعون بين الثقافة العربية قديمها وحديثها والفكر الغربي في النقد والإبداع، ويدركون الفروق بين الأدب العربي والآداب الغربية، وطبيعة المتلقي في المجتمع العربي المتأرجح بين تراث طويل ذي تقاليد ممتدة، وجديد دائم التطور بدافع من البيئة العربية وظروفها الحضارية، ومؤثرات دائمة من خارجها. ويستدرك بقوله: إن طبيعة العصر وسلطان دول متقدمة في الأدب والفكر والعلم قد فرض علينا الإقبال المسرف على ما ينشأ في تلك الدول من مذاهب ونظريات لا شك أنها من طبيعة المستوى الحضاري الحديث في العالم بوجه عام، لكن لا بد أن يكون لنا رأي فيها بالمناقشة أو الإضافة أو التعديل. ويرى القط: أن نقادنا على جليل أقدارهم وقدراتهم، قنعوا بأن يكونوا تلاميذ لرواد تلك المذاهب، يشرحون نظرياتهم ويفسرونها كما كان يشرح القدماء فلسفة أرسطو. ويضيف: أن ما يدور بين نقادنا من خصومة أو جدل لم يعد يقوم على الخلاف حول بعض القضايا الفكرية والفنية، أو النظر في بعض الظواهر الأدبية أو بعض نصوص الإبداع كما كان يحدث من قبل في ما كنا نسميه "المعارك الأدبية"، بل أصبح يدور حول مدى معرفتهم بأصول نظريات الحداثة وأقوال أساتذتها وصحة نسبها وسلامة ترجمتها. وفي مقالة له بعنوان "الطمأنينة"، يقول الدكتور عبد القادر القط: إن من السمات النفسية لمن يعيش في مجتمع متحضر نشوء شيء من القلق‏. وهو‏ قلق يظل يحفز صاحبه إلى مواصلة الحركة والسعي إلى غاية أبعد‏،‏ قد يبلغها وقد لا يصل إليها‏،‏ لكنها تظل لديه وقوداً للحركة والطموح‏.‏ وهو قلق حضاري‏،‏ غير ذلك القلق المرضي الذي يعرفه علماء النفس وينتهي بصاحبه إلى بلبلة وجدانية أو ذهنية وخوف دائم من المجهول.
ويضيف: أن المرء حين يفقد هذا الحافز الحضاري للحركة والطموح، ويستكين إلى الرضا عن النفس، يتوهم أنه قد بلغ أقصى ما يريد أو ما يستطيع، ويرى عيوب مجتمعه نقائصَ يمكن احتمالها أو المغفرة لمن يرتكبونها ويترك أمر إصلاحها للزمن. ويؤكد أن تلك هي الطمأنينة الراكدة بعيدة عن الرضا النفسي الحقيقي عمّا بلغه المرء من نجاح أو تحقيق ذات‏،‏ وهي صورة للقناعة الزائفة والفشل المقنع. ويتابع بقوله: إن هناك من سيكتبون عن تلك العيوب والنقائص وقد يقترحون لها بعض الحلول ووسائل الإصلاح‏،‏ لكن "الطمأنينة الآسنة" تصرف الآذان عن سماع أحاديثهم، والعيونَ عن النظر فيما يكتبون، والعقولَ عن التفكير فيما يقترحون‏،‏ فيبدو وكأن كل شيء على ما يرام‏.، رغم أن واقع الأمور على النقيض من ذلك.